كما أشرنا سابقًا إلى أن حلول الروح القدس في العهد القديم كان حلولًا فقط لغرض مهمة معينة! وليس سكنى وذلك لأن طبيعة الإنسان بعد السقوط [1] حدث فيها خلل جلل (ليس مجاله الآن) وعلي مدار أسفار العهد القديم أراد الله أن يعلن عن غايته وقصدة وهدفه الأسمى ألا و هو سكنى الله مع الإنسان أو بالأحرى في الإنسان.
وهناك إشارات واضحة تشير إلى ذلك الحق الإلهي، ففي سفر حزقيال يقول: وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ, وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا
[2] وأيضًا يقول: وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ
[3]
بل أتجرأ وأقول أن هدف الرب وقصده أعمق من هذا وهو مُعلن لنا في الحق الإلهي في رسالة أفسس (رسالة السماء على الأرض) إذ يقول: إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ
[4] إذن مسرة الله وقصده أن يجمع الكل في المسيح وهو ما أطلق عليه الكتاب تدبير ملء الأزمنة
أي بأكثر وضوحًا هو اتحاد الله بالإنسان.
لكن هيهات!!! فنتيجة الخلل الذي حدث في طبيعتنا إذ كان يتطلب حدث جلل أيضًا على نفس المستوى بل أعظم بكثير مما حدث في السقوط وهو ما صرخ من أجله أيوب في القديم وقال: لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!
[5] ولكن شكرًا للرب فقد حدثت المصالحة في شخص الإنسان يسوع المسيح بما له في جوهره طبيعة الله وطبيعة الإنسان في آن واحد، وبصلب وبقيامة الرب يسوع من الأموات حدث تغير كلي للطبيعة البشرية. وهناك إشارة واضحة جدًا في إنجيل يوحنا 20 بعد قيامة الرب وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ»
[6] وكٱن عملية خلق جديدة قد حدثت.
إذن كان لابد من تغير الطبيعة وليس إصلاحها!! لتكون مهيأة لسكنى الروح القدس، والروح القدس عزيزي القارئ هو الله نفسه إذ نقول في قانون إيماننا نؤمن بالروح القدس.. المنبثق من الآب..
وأيضًا يطلق الكتاب على الروح القدس “روح الابن”، “روح الحق”، “روح الآب”، “روح المسيح” أو الروح القدس، كل هذا يقودنا إلي الأمر الثاني الذي أشرنا إليه سابقًا لكي نملك في ملكوت الله ألا وهو: الولادة الثانية أو الولادة الجديدة.
من هنا تبدأ حياتنا المسيحية الحقيقية فبمعموديتنا في الماء والروح ننال خلقة جديدة يطلق عليها الكتاب عدة مسميات سنتطرق إليها لاحقا في مقالات مقبلة، ولكن ما أود أن أركز عليه الآن هو أنه بإدراكنا بما حدث لنا في المعمودية من تغير للطبيعة داخلنا وسكنى المسيح بروحه داخلنا أصبح المسيح فينا كما يقول بولس في رسالة كولوسي الَّذِينَ أرَادَ اللهُ أنْ يُعَرِّفَهُمْمِ… السر… الذي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ
[7]
وتعبير المسيح فينا أو فيّ على المستوى الشخصي ليس تعبيرًا مجازيًا ولكنه حقيقي جدا، وهذا التعبير ذكره رسول الأمم بولس في كل رسائله أكثر من 164 مرة، وهذه الحقيقة نأخذها منذ معموديتنا لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ
[8] ففي المعمودية وإدراكك لعمق السر والتغيير الذي حدث لك يمتنع أن يقول أحد إن المسيح ليس فيه، أو إن المسيح يكون في المتقدمين روحيًا والقديسين فقط.
أما أنا فمبتدئ وخاطئ، إلى أخر الخدع والكذب، التي يحاول بها إبليس وجنوده أن يجعلننا نتنكر لوجود المسيح فينا، لأن هذا أول سلاح لنا ضده، و لمن يقول أو يصدق ما يُقال مثل هذا القول من أيًا من كان، أسألك هل اعتمدت باسم الآب والابن والروح القدس؟ هل آمنت أنك ابن لله والله ساكن داخلك؟ دعني أهمس في أذنك أن معموديتك وخلاصك لا يمحيا إلى الأبد، إذ كنت ختمت بختم الروح القدس فلن تستطيع أي خطيئة مهما كانت أن تمحي أو تكشط هذا الختم الملكي، فمهما زاد شرك، مهما سقطت في الخطيئة فالمسيح فيك لا يمكن أن يُمحى ختمه لأنك مختوم بدم كريم كما من حمل بلا عيب معروف سابقا قبل تأسيس العالم وبختم روح أزلي.
المسيح فينا!! حقيقة لا يمكن أن تُنزع منا أبدا.
كانوا المسيحين الأوائل يتغنون بهذة الحقيقة أن المسيح فينا، فمثلاً القديس إغناطيوس الأنطاكي كان يقدم نفسه على أنه «إغناطيوس الثيئوفورس» أي الحامل الإله، ويكتب إلى أهل أفسس عبارات ما أجملها إذ يقول: إنكم جميعا شركائي في الطريق؛ حاملين الإله،حاملين هيكل الله، حاملين المسيح، حاملين القدوس
بعد هذه التعبيرات التي تأخذ العقل والقلب معًا إلى مكان روحي ينعدم فيه الزمكان، أي مكان ليس من هذا العالم خارج حدود المكان والزمان، لا يسعني أمامها إلا أن أحني ركبتي وأسجد جاثيًا أمام هذا الإله الذي رفعني إلى مرتبة الملوك وسكن فيّ أنا وصار لي الحق كل الحق أن أصرخ أنا في المسيح والمسيح فّي.. رجاء المجد.. مجدا للرب.. هليلويا.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟