المقال رقم 6 من 12 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

تحدثنا بإيجاز في سطور في العدد السابق عن اختبار الله للبشرية (لي ولك) وبالطبع لن نستطيع أن نعطي لهذا الموضوع الحيوي جدا في أساسيات إيماننا المسيحي حقه في مقال أو أكثر.

ولكن أوجزنا الأمر في مجملة أن الله  -في صورة الابن المتجسد: يسوع- جاء إلي العالم كلة وقدم نفسة كفارة عن الجميع بلا استثناء، ليغفر جميع خطايا كل العالم، لأنة كما هو مكتوب: لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. [1]

إذ ليس عبد ولا حر؛ ليس يهودي أو أممي؛ ليس أبيض أو أسود؛ المسيح جاء إلى العالم كله واختار الجميع بغض النظر عن خلفيتك أو لونك أو جنسك أو ديانتك. ولكن كما سردنا سابقًا، هذا الاختيار لا يلغي حريتنا، فلك عزيزي القارئ أن تختار أن تقبل الرب وتتمسك بإقرار الرجاء بثبات إلى نهاية الطريق أو ترفضه. عجيب هذا الإله الذي أنا له والذي أنا أعبده، فلم ندرك أعماقه، لكن شكرًا لشركة ومعيه الروح القدس الذي يعلن لنا أعماق الله حسب استقبالنا وتحملنا…

في السطور التالية نلقي الضوء علي أمرين غاية في الأهمية في كيف نملك في ملكوت الله في حياتنا كما أشرنا لهما سابقا:

الأمر الأول: المسحة:

كلمة المسحة خاصة بالروح القدس؛ ففي العهد القديم كان يُمسح بالمسحة؛ وهي كانت عبارة عن قنينة دهن  أو قرن دهن   كما يقول الكتاب وَتَصْنَعُهُ دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ. [2]

كان يُمسح  كل من الملوك والأنبياء و الكهنة، إشارة إلي ما سوف يحدث لنا في المسيح يسوع، فكل من هؤلاء كانوا يُمسحوا لمهمة ووظيفة محددة، إذن فالمسحة إشارة واضحة لحلول الروح القدس، ولكن هنآك فارق بين حلول الروح القدس في العهد القديم والجديد، إذ في القديم كان يحل الروح القدس مؤقتًا على شخص ما لمهمة ما وُضع لها، لكنة لا يسكن فيه، وكلمة المسحة ليست بغريبة عن العهد الجديد إذ يقول الكتاب وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ [3]، كما يذكر سفر الأعمال آية في غاية الدهشة تحتاج إلي وقفة ليست مجالها الآن وهي يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. (أعمال الرسل ١٠ : ٣٨ ))

إذن حتي الرب  يسوع في الجسد مُسح بالروح القدس، وقالها الرب نفسة عن نفسة عندما دُفع آية السفر في إنجيل ق لوقا إصحاح 4 وفتحة علي نبوة أشعياء النبي وقال لهم “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي [4] وأكمل  أنة اليوم قد تم هذا المكتوب، أنة سر المسحة أو سر الروح القدس أو كما يقول القديس أن الروح القدس  يُدعي  المسحة و يُدعي  الختم أيضا مستندًا علي الآية الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ، [5]

ويؤكِّد القديس أثناسيوس أن الروح القدس هو روح المسيح الخاص، ويستدل على ذلك من أن الذين يُمسحون به تصير لهم رائحة المسيح الزكية لله والذين يُختمون به تنطبع عليهم صورة المسيح الكلمة:

ولذلك فالذين يقبلون المسحة يقولون: «نحن رائحة المسيح الزكية لله».

(أثناسيوس الرسولي، إلى سيرابيون ١: ٢٣)

والختم يحمل نفس صورة المسيح الذي يختم، ولذلك فالذين يُختمون تصير لهم شركة هذه الصورة، ويتحوَّلون إليها بحسب كلمات الرسول:

يا أولادي الذي أتمخَّض بكم [الميلاد الجديد] إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم [بالروح القدس].

(أثناسيوس الرسولي، إلى سيرابيون ١: ٢٣)

إذن المسحة والختم و حلول الروح القدس كلها مرادفات لنفس المعني و كما أن الرب يسوع أتى في الجسد  كملك وككاهن وكنبي، هكذا كل من يُمسح بالروح القدس لدية إمكانية أن يعيش كملك ( يحكم ويحتكم بكلمة الحق)، كما قال القديس وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. [6]، وأيضا لدية روح النبوة، وهي الكلمة النبوية أو شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ. [7].

وهذا ما يفسر كيف تحول شاول الملك إلى رجل آخر و أُعطي قلبا آخر حتي قُيل عنه وَلَمَّا رَآهُ جَمِيعُ الَّذِينَ عَرَفُوهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ يَتَنَبَّأُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ الشَّعْبُ، الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: “مَاذَا صَارَ لابْنِ قَيْسٍ؟ أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ؟ [8] لم يحدث هذا لشاول إلا بعد أن مسحة صموئيل بدهن المسحة إشارة إلي حلول الروح القدس.

و كما جاء المسيح حاملًا ملكوت الله بكل قوته ومجدة وسلطانة، اتحد بنا واستودع ملكوته فينا…  هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. [9]

ولأن سكني الروح القدس في الإنسان يتطلب تغيير كلي  للطبيعة البشرية، وهذا لم يحدث إلا بعد قيامة الرب من الأموات!!!! أم كيف أعطي لشاول قلبًا آخر وتحول إلى رجل آخر وتنبأ؟ هذا إشارة إلي الأمر الثاني وهو الولادة الثانية؛ عزيزي القارئ أكاد أن أصدمك بخبر ليس بجديد ولكنة حيوي جدا، لا توجد مسيحية بدون ولادة جديدة أو ما يسميه الكتاب الولادة الثانية،

وهذا ما نتناوله في الحلقة القادمة

هوامش ومصادر:
  1. يوحنا ٣ : ١٦ [🡁]
  2. خروج ٣٠ : ٢٥ [🡁]
  3. رسالة يوحنا الأولى ٢ : ٢٠ [🡁]
  4. لوقا ٤ : ١٨ [🡁]
  5. أفسس ١ : ١٣ [🡁]
  6. رؤيا يوحنا اللاهوتي ١ : ٦ [🡁]
  7. رؤيا يوحنا اللاهوتي ١٩ : ١٠ [🡁]
  8. صموئيل الأول ١٠ : ١١[🡁]
  9. لوقا ١٧ : ٢١ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 هل هناك خطة إصلاح غير الصلاة؟[الجزء التالي] 🠼 الخلقة الجديدة
عاطف حنا
[ + مقالات ]