المقال رقم 4 من 12 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

الله يحترم حريتنا ولا يفرض علينا نعمته قسرًا. فبقدر تجاوبنا وبكامل حريتنا مع هذه النعمة، بقدر ما نأخذ قوتها. هكذا يتعامل الرب، اسمه، معي ومعك. يتعامل معنا ككائنات حرة خلقه على صورته ومثاله. وهكذا تعامل الرب مع الشعب في القديم عندما طلبوا بإلحاح من صموئيل النبي، قائلين: أعطنا ملكًا يقضي لنا. [1] فكانت ردة فعل الرب غريبة في نظرنا نحن، إذ صدّق الرب على طلبهم ولكن كانت إجابته لصموئيل في غاية الوضوح؛ أنهم رفضوني أنا كملك.

لك أن تتخيل إننا في طلبنا لآخر يتسلط ويملك على حريتنا وحياتنا، أيًا كان هذا الآخر، سواء كان شخصًا ما، أو فكرًا، أو شهوة ما، فهذا رفض للرب نفسه. وهنا تتضح شخصية الرب وتعامله معنا بالنعمة، وأنّ الله لا يقف مكتوف الأيدي أمام طلبنا وحريتنا! فاختار لهم الرب ملكًا حسب فكرهم. اختار لهم: ابن اسمه شاول، شاب وحسن، ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه. من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب. [2].

وفي اختيار ال كأول ملك يحكم الشعب، أكثر من أمر مهمّ، نود أن نشير إليهم على عجالةٍ سريعةٍ:

الأول: اهتمام هذا الرجل واتجاه قلبه يتضح وضوحًا كاملًا في بحثه عن الأتن الضالة [3]. كان يبحث عن حماراته الضالة، وكان اهتمامه منصبًا على نفسه وممتلكاته وما تراه عيناه. ورغم محاولات رجل الله صموئيل معه، فقال له أرفع عينيك من على نفسك ومن على ما تراه إلى ما هو أعمق؛ ولمن كل شهي إسرائيل؟ أليس لك ولكل بيت أبيك؟ [4]. وكأنه يقول له: كفّ عن انحسارك في نفسك، ليس لك كل ما هو للرب؟ ألم يعطك الرب كل شيء بغنى لكي تتمتع به؟ فلماذا تنحصر في حماراتك المفقودة وتلهث باحثًا عنها، مع أنّ في يديك ومعروض لك ما هو أعظم؛ أن تملك مع الرب في مُلكة إلى الأبد…

الثاني: عدم إدراكه للنعمة التي وهبها الله له، وانغماسه في نفسه قد أصبح السبب الجذري لمعظم مشاكله، والعقبة الرئيسية أمام تقدمه الروحي. وهذا ما يُعرف بصغر النفس… والروح القدس يشير ويركز أكثر من مرة على هذا العائق المرير في تقدمنا ومسيرتنا الروحية. نجد إشارة واضحة في سفر الخروج عندما أراد الرب أن يخرج الشعب من أرض مصر (أرض العبودية) وأرسل لهم موسى. يقول الوحي المقدس: ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس، ومن العبودية القاسية. [5]. إنها صغر النفس أيضًا التي عملت في شاول الملك. عندما بدأوا يبحثون عنه، تخيل عزيزي أين وُجد؟ هوذا قد اختبأ بين الأمتعة. [6] مختبئًا بين الأمتعة؟! إنها صغر النفس التي ما زالت تعمل في كل من لم يصدق المكتوب والحق المُعلن له شخصيًا في كلمة الحق، بأنه ملك في ملكوت ابن محبته!!

الثالث: إنه الأمر الأهم، وهو الرب في المشهد، ويتضح أن الله يتعامل معنا من منطلق شخصيته، من منطلق نعمته وليس بناءً على رد فعل لأفعالنا. إنه الرب، يهوه اسمه، ملك الملوك وليس العبيد. فاختار الرب لهم بنفسه ملكًا ومسحه وأراد له أن يملك على الشعب باسم الرب ويفعل شريعته. وأعطاه الرب قلبًا آخر وحل عليه روح الرب فتحول شاول إلى رجل آخر…

وهنا إشارات واضحة تحمل معنى الظل والمثل لما حدث لنا في المسيح يسوع في العهد الجديد. وسنشير إلى الاختيار هنا، ونستكمل في الأعداد القادمة إن شاء الرب وعشنا.

في العهد الجديد يقول الوحي المقدس في رسالة أفسس آية محورية في الإيمان المسيحي: [7]

كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة.

(رسالة بولس إلى أفسس ١ : ٤)

أن الله اختارنا في المسيح يسوع قبل تأسيس العالم. الكل مدعو والكل مختار من الرب. ولكن ماذا عن اختيارك أنت؟ هل تدرك هذه الدعوة؟ إن الذي خلصك دعاك أيضًا في نفس اللحظة، وكل هذا حدث قبل الأزمنة الأزلية، أي بدون تدخل بشري منك، حسب الآية: الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية. [8].

إذن خلاصك ودعوتك واختيارك معروضون لك في المسيح يسوع، وعلى حساب النعمة وعمله على الصليب. لكن الأمر يتوقف على قبولك لهذا الخلاص وهذه الدعوة وهذا الاختيار والسلوك حسب مقوماتهم، أي العمل بالكلمة والوصية. فهل لك أن تقبل بكل قلب وتسلك في كل ما تممه لك الرب وتتمسك ب في الأعمال التي صنعها وأعدها لك الملك من قبل تأسيس العالم، وتعيش مثل ملك في مملكته؟

يا رب، تجعل لنا سلامًا لأنك كل أعمالنا صنعتها لنا.

(سفر إشعياء ٢٦ : ١٢)

هوامش ومصادر:
  1. سفر صموئيل الأول ٨ : ٦ [🡁]
  2. سفر صموئيل الأول ٩ : ٢ [🡁]
  3. سفر صموئيل الأول ٩ : ٢٠ [🡁]
  4. سفر صموئيل الأول ٩ : ٢٠ [🡁]
  5. سفر الخروج ٦ : ٩ [🡁]
  6. سفر صموئيل الأول ١٠: ٢٢ [🡁]
  7. رسالة بولس إلى أفسس ١ : ٤ [🡁]
  8. رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس ١ : ٩ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 وسلطانه إلى دور فدور[الجزء التالي] 🠼 هل هناك خطة إصلاح غير الصلاة؟
عاطف حنا
[ + مقالات ]