تدبير الله منذ القدم أن يكون هو الملك وسط خاصته (مملكته)، وإذ تتبعنا الوحي المقدس سنجد ملكوت الله يلمع بشدة بين حروف كلمة الله. في سفر التكوين الإصحاح (٣٢) حادثة شهيرة فيها التقى الرب بمختاره، يعقوب، وصارع يعقوب الرب حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضربه على حق فخذه، وسأل الرب يعقوب عن اسمه فقال: يعقوب، ويعقوب هو الشخص الذي يعتمد على ذاته.
فقال: «لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت»(سفر التكوين ٣٢: ٢٨)
وإسرائيل تعني أمير مع الله أو مجاهد مع الله، وهنا إشارة واضحة أن الرب يؤسس مملكته، حيث لا يملك في ملكوت الله إلا الملوك والأمراء فقط. ونحن إسرائيل العهد الجديد.
بعد خروج شعب إسرائيل من أرض مصر، أرض العبودية، كانوا في عين الرب كأجناد أو كجنود وراء ملك.
في ذلك اليوم عينه، أن جميع أجناد الرب خرجت من أرض مصر(سفر الخروج ١٢: ٤١)
كانت مشيئة الرب أن يصل الشعب إلى أرض الموعد، أرض كنعان، وكنعان هي أرض الامتلاك، هي أرض تفيض لبنًا وعسلًا، وهي صورة أرضية لملكوت الله مع شعبة حيث اللبن يشير إلى الشبع أشبع إذا استيقظت بشبهك
(مزمور ١٧: ١٥)، والعسل يشير إلى التلذذ بالرب ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب!
(مزمور ٣٤: ٨).
وكنعان لا تشير إلى السماء، كنعان هي أرض الامتلاك نعم، وهي ظلٌ لما سوف يكون، ألا وهو ملكوت الله على الأرض، أي أن يملك الرب بين شعبه. وأستطيع أن أبرهن على أن كنعان ليست السماء، فعند عبور الشعب نهر الأردن في إشارة إلى موت وقيامه الرب يسوع، كانت هناك مواجهات وحروب عنيفة بين ملوك تلك الأرض وبين شعب الرب، وما أكثر المواجهات في الملكوت لأن كل المواجهات مع ملوك كما قال الكتاب:
إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس ١٠: ٤)
إذن أسلحة مواجهاتنا في الملكوت ليست جسدية بل هي روحية، لكن في السماء ليست هناك حروب كم أيّ نوع بالتأكيد، وكما قال الكتاب:
وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت(سفر الرؤيا ٢١: ٤)
وهكذا فكر الرب من جهة شعبه، يريد الرب أن يملك كملك وسط ملوك، ففي سفر يشوع وهو سفر الامتلاك، مُلك أرضي يشير إلى ملكوت روحي في العهد الجديد، حيث أن كل بركات العهد القديم هي أرضية زمنية، لكن كل ميراثنا في الملكوت في العهد الجديد هو روحي لا زمني!
بعد أن عبر يشوع، ويشوع هو إشارة إلى يسوع العهد الجديد، وقسّم يشوع الأرض حسب أسباط إسرائيل الإثني عشر؛ حيث لم يكن لسبط لاوي نصيب في الأرض، واستراحت الأرض من الحرب [1]، ولكن، مع كل الأسف، لم يدرك الإنسان كعادته نتيجة ما ورثته الخطية من صغر النفس والعبودية القاسية داخلنا، لم يدرك ميراثه الحقيقي.
ورفض الشعب لمُلك الرب يظهر جليًا في أحلك فترة مرت على شعب الرب ألا وهي في سفر القضاة! ففي سفر القضاة يظهر عدم خضوع الشعب لمُلك الرب عليهم، ورفض الشعب أن يطرد سكان الأرض واعتقدوا أنهم يستطيعون أن يتعايشوا مع سكان تلك الأرض، ونحن إلى الآن نعاني من هذا الفكر داخلنا ألا هو عدم الانفصال عن العالم. إذ أردت أن تحيا لله، عليك أن تنفصل عن العالم وما يخص العالم، أي كل ما هو للعالم بداخلك! وأنا لا أقصد أن نخرج من العالم ونتركه، كلا!! بل نحن مدعوين أن نؤُثر في العالم ولا نتأثر بالعالم كما قال السيد في صلاته للآب:
لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير(إنجيل يوحنا ١٧: ١٥)
وترتب على عدم طرد شعوب الأرض واختلاطهم بعاداتهم وعباداتهم، أن فقدوا الرؤية وفقدوا أيضًا الوعد، حتى أن الكتاب يذكر أنه بعد موت يشوع أنه:
وقام بعدهم جيل آخر لم يعرف الرب، ولا العمل الذي عمل لإسرائيل(سفر القضاة ٢: ١٠)
وساروا وراء آلهة أخرى وعبدوها، حتى أن الوحي المقدس يذكر أية في غاية الأهمية، تُذكر أربع مرات في هذا السفر، ألا وهي:
وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل. كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه(سفر القضاة ١٧: ٦)
عزيزي القارئ، إذا كنت تفعل ما يحسن في عينيك أنت، فأنت تحتاج أن تخضع للملك، وتفعل ما يحسن في عينيه هو، كما قال الرب:
الحق الحق أقول لك: لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء(إنجيل يوحنا ٢١: ١٨)
أعط مساحة للروح القدس أن يقودك حيث هو يشاء!
شكرًا للرب، فإن كان يشوع العهد القديم قد مات، وإذ لم يكن ملك في عصر القضاة، فيسوعنا حيّ لا يموت وملكوته أبديّ، والوعد باقٍ لا يموت لأنه صدر من الحي الذي لا يموت.
هللويا..
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟