الذي دفعني إلى الكتابة عن موضوع وحدة التعليم هو أنني تذكرت واقعة حدثت عام ١٩٧٤، حينما قرر المتنيح ال رسامة أسقفًا وخوري إبيسكوبوس لفرنسا، بعد انضمامهما للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقبل قراءة الرسائل طلب البابا اعداد كرسيين أمام المذبح ليجلس عليهما الآباء الفرنسيين للرسامة، وهذا الأمر بجري عادة في رسامة الأساقفة، الذين توضع عليهم الأيادي بعد قراءة الإبركسيس لأنهم مكملين لخدمة الآباء الرسل.

فلما رأي الكرسيين المتنيح العلامة ال، انفرد بالبابا في جانب من الهيكل في نقاش لم يستطع أحد معرفته وقتها، ولكن بعد النقاش أمر البابا بإزاحة أحد الكرسيين وترك كرسي واحد فقط، وبدأ البابا في شرح الأمر للشعب، بان الأسقف فقط سيرسم بعد الإبركسيس، أما الخوري إبسكوبوس فهو ليس من الدرجات الأسقفية [التي تشمل؛ أسقف، مطران، البابا البطريرك] بل رتبة الخوري إبيسكوبوس هي من الدرجات القسيسية [قس، قمّص، خوري إبيسكوبوس]، ولذلك تتم رسامته كأي كاهن بعد صلاة الصلح، وهو لا يحمل عصا رعاية، وتجاوزا، فصّلت لهما نفس العمامة ومن الصعب تغييرها لضيق الوقت، ولولا حصافة وعلم وعمق الأنبا غريغوريوس لكنا للآن لا نعرف الفرق بين الأسقف والخوري إبيسكوبوس.

تُعاني كنيستنا القبطية الأرثوذكسية من تعدد الآراء في الموضوع الواحد. فإذا سألت مجموعة متفرقة من الآباء المطارنة أو الأساقفة أو الكهنة عن أي موضوع روحي أو لاهوتي أو حتى طقسي أو تاريخي؛ ستجد إجابات متفرقة من هنا وهناك، وقلما تجد رأيان يتفقان، وكل واحد من الآباء يدعي أن كلامه هو الإيمان الصحيح المسلم مرة للقديسين.

هذا عن الآباء، فما بالك بخدام في المراحل المختلفة؟
أعتقد أن هذا ناتج عن أسباب كثيرة ومتشعبة ومتنوعة، وسأحاول إيجازها في الـ ١٠ نقاط الأتية:

١. الاعتماد علي النقل السمعي وليس عن الدراسة المستفيضة الأكاديمية الإنجيلية واللاهوتية والتاريخية والطقس الكنسي، حيث يكتفي الآباء بما هو مخزون في ذاكرتهم من معلومات سمعية أغلبها غير دقيق.

٢. لا يوجد مصدر واحد ورأي موحد في الإجابة علي الموضوعات الشائكة، وكل واحد من الآباء يفتي برأيه الخاص خصوصًا بعد أن ابتعدنا عن أقوال الآباء والتي كُتبت باللغة اليونانية، وتم التعتيم علي المراكز التي قامت بترجمة أقوال آباء العصور الأولي قبل الانقسام.

٣. الصلف والكبرياء الذي أصاب البعض، حتي أنّه يخجل من أن يقول أنّه لا يعلم، ويشعر أنه لابد وأن يعطي إجابة حتي ولو كانت الإجابة خاطئة.

٤. عدم اللجوء إلى الله في صلاة بقلب منسحق طلبا للإرشاد، فهو فاحص القلوب وعيناه تخترقان أستار الظلام، وهو القائل: يعطيكم ما تتكلمون به.

٥. المنافسة بين الآباء والبحث عن الفرقعة الإعلامية، حتي أنني سمعت أحد الآباء الكبار في صعيد مصر يقول الراجل اللي ميسمعش كلام مراته؛ هيروح النار، وأظنّه قال هذا إرضاءًا لسيدات الصعيد، ماذا يعرف هذا الأسقف أو المطران الذي رقي حديتا عن ؟ هل له سابق خبرة؟ ولا هو كلام دون دراسة؟ وأكيد حد ثاني ممكن يقول العكس؛ “اللي متسمعش كلام جوزها؛ هتروح النار. دي أمنّا “سارة” كانت مطيعة لأبينا “إبراهيم” وكانت تخاطبه: سيدي!! دي نصّ كتابي!!”، كله خاضع لرغبات الآباء دون أي مجهود في الدراسة والقراءة، والبحث الجاد المثمر.

 

٦. الانشغال بالموالد والمزارات والرفات والمعجزات والمهرجانات دون أي عمق روحي أو لاهوتي، وأظنه نوعًا من الاستسهال والاستمتاع بالقصص والغيبيات التي تشد انتباه البسطاء.

٧. الاهتمام بالكم وليس الكيف، المهم كم عظة ألقيت خلال هذا الشهر، قد تتكرر العظات من مكان لآخر، المهم أن تلقي أكبر عدد من الدعوات للعظات من أماكن مختلفة، وبالتالي نصائح للشعب تشمل الكم أيضا دون الاهتمام بالكيف، كم هي كمية الصوم وعدد مرات الصلاة. تعجبني جدا مقولة صاحب كتاب بستان الروح: الله مزمع أن يدين العالم بكلمة كيف، كيف صليت؟ كيف صمت؟ كيف أعطيت العشور… وهكذا.

٨. عدم وجود مناهج تعليمية موحدة علي مستوي الكرازة المرقسية لإعداد الخدام وأيضا للكهنة، فكل إيبارشية تخضع لرغبات أسقفها أو مطرانها الذي قد يعتبرها مملكته الخاصة يديرها كيفما بشاء دون حساب، وأعتقد أنّه يجب حساب الأسقف الذي يتغيب عن جلسات المجمع لمدة ثلاث جلسات متتاليه، دون عذر قهري، ولابد من تقديم كشف حساب لكل أسقف أمام المجمع عما يفعله في إيبارشيته، فقد سمعنا عن أساقفة تفرض أموالا باهظة علي الشعب في الأفراح، والبعض يفرض شروطًا غير منطقية، والبعض يتعدى علي رجل في سن أبيه بالضرب، وكانهم من طائفة غير البشر، فهم الأسياد والشعب العبيد. مع أن المسيح الفادي له المجد أوصي قائلًا: مَن أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومَن أراد أن يكون فيكم أولًا فليكن لكم عبدًا، وهذا هو مقياس العظمة في المسيحية.

٩. الفرق الرهيب بين التعليم من فوق المنبر والسلوك الشخصي أو القدوة. قد يتكلم الخادم عن موضوع معين، ثم يفعل العكس تمامًا أمام الشعب الذي يُعثر بسببه وويل لمن تأتي من قِبَلِه العثرات. سر عظمة القديس ال السادس هي القدوة، فقد رآه الشعب يصلي كل يوم عشية وتسبحة وقداس وهو راهب بسيط وأيضا وهو بابا وبطريرك علي رأس وقمة الهرم الكنسي، لم يتغير، تخيل معي عزيزي القارئ لو وعظ البابا كيرلس السادس مئات العظات عن أهمية الصلاة، كان سيأتي بنفس النتيجة حتي يُعرف بانه رجل الصلاة؟ نفس الكلام ينطبق علي القديس القمص ، لو تكلم عن الخدمة ومساعدة الآخرين في مئات العظات، لم يكن يأتي بنفس النتيجة كما فعلها بكثرة الافتقاد وإنكار الذات ومساعدة كل من يحتاج إليه بروح الأبوة منقطعة النظير.

١٠. عدم وحدة الفكر في الكنيسة، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة تعبيرات كما قال الكتاب أنا لبولس، وأنا لأبلّوس، وأنا لصفا، وأنا للمسيح، بحجة الدفاع عن الإيمان، وهم بعيدون كل البعد عن الإيمان الحقيقي، واتهم البعض أبناء العلامة المتنيح القمص متي المسكين بأنهم الـ”متاويين” وكأنها تهمة يجب عليهم التبرؤ منها، وأيضا اتهموا أحباء عالم اللاهوت الدكتور بانهم أتباع المحروم المهرطق، وهم لا يستطيعون كلهم مجتمعين أن يكتبوا بضعة أسطر مما كتب دكتور جورج بباوي في اللاهوت، ألم يجدوا في كل ما كتب القمص متي المسكين أو دكتور جورج حبيب بباوي شيئا صالحا يتعلموا منه؟ هل هذا يقود إلى وحدة الفكر والتعليم؟ هل هذه هي المحبة المسيحية؟

للأسف من يقولون هذا من حاملي الرتب الكهنوتية من رتبه الشموسية الكاملة [دياكون] إلى رتبة الأسقفية، هؤلاء يجب عليهم أن يتواروا لأنهم اقتنوا لهم رتبا بثلاثين من الفضة، أو اصطادوا الًرتب بمكر ودهاء.

نصلي إلي الرب أن ينقذ كنيسته من مشورة أخيتوفل،
ولنعمل معًا لخلق كنيسة متسقة ومتعلمة وموحدة،
ونصلي إلى الرب أن يساند قداسة ال في مساعيه نحو الإصلاح.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

سامي سيدهم
[ + مقالات ]