- حراس الشريعة
- الابتعاد الحذر
- ☑ قديسون لا علمانيون
تتطلب أوراق اعتمادك كخادم لدى حراس الشريعة اعترافًا أساسيًا. والمقصود هنا هو اعترافك بأنك ناقص بدونهم وتحتاج إليهم في كل شؤون حياتك، سواء داخل الخدمة أو خارجها. فهم يرون أنه يجب عليك الحصول على موافقتهم على أي فكرة تتبادر إلى ذهنك، حتى لو كانت مستوحاة من الروح القدس. وإذا تفوهت مجرد التفوّه أن الروح القدس قد أرشدك في هذا الأمر أو ذاك، فهنا الطامة الكبرى، وهنا “وقعت في المحظور يا أخ علي”، على غرار مقولة أحمد راتب في فيلم “الإرهابي”، فهذا يعد محظورًا لأنك تدعي أمورًا تفوق قدراتك.
فمن أنت حتى تتحدث بهذا الهذيان؟ هل هبطت روح الرب عليك أنت الذي ترتدي القميص الأبيض وتتكلم معك أنت العلماني؟ وكأنهم يقولون: من أين عبر روح الرب مني ليكلمك؟
[1]. هل دراستك المفرطة للكتب قد أدت بك إلى الهذيان كما قيل عن بولس الرسول: وبينما كان يحتج بهذا، قال فستوس بصوت عظيم: “أنت تهذي يا بولس! الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان!”.
[2]. وبعبارة أخرى، فإن هؤلاء الأفراد يعتقدون أن الروح القدس لا يسكن إلا في رجال الدين وبإذن منهم. الروح القدس لا يسكن في العلمانيين إلا بأمر مني أنا شخصيًا، فأنا الحاكم هنا وليس الرب، بل أنا من يقول للروح اسكن في هذا ولا تسكن في ذاك.
وهنا لا أعرف من أول من أطلق علينا نحن معشر الشعب الذي لم يرتد ثوب الإكليروس لقب “العلمانيين” وكأنها صارت سبة أو شتيمة! لم يكن مصطلح “العلماني” في البداية بمثابة إهانة. إنه يشير ببساطة إلى أولئك الذين لا ينتمون إلى رجال الدين. كلمة “علماني” مشتقة من “العالم” وليس من “العِلم”، وليس معنى ذلك أن العَلمانية هي توجه مغاير للعِلم، بل تعني التركيز على الشؤون الدنيوية بدلًا من الأمور الدينية. لذلك، فهي تعني عندهم التمييز والفرز والدنيوية والتدني والانتساب للعالم الشرير بمعايير المقدس.
لذلك أيها القارئ العزيز، إذا وصفك أحد بأنك علماني، فاعلم أنه يوجه إليك إهانة أو شتيمة. فهو بذلك يزعم أنك تنتمي إلى العالم على الرغم من تحذير الرسول يوحنا في رسالته الأولى لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم.
[3]، ويقول يعقوب في رسالته: أيها الزناة والزواني، أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ فمن أراد أن يكون محبًا للعالم، فقد صار عدوا لله.
[4]، فكيف نقبل علي انفسنا أن نُدعي علمانيين أي ننتمي إلى العالم؟
مع أنّ الكتاب المقدس لم يميّز في أي موضع بين رسل المسيح وأصغر واحد في شعبه، بل يضم وفرة من الآيات التي تشير إلى أن الرسل أنفسهم، إن جاز التعبير، قد أصبحوا أقل منزلة وكرامة واحترامًا من الآخرين. فعلى سبيل المثال لا الحصر في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، يصف الرسول نفسه والرسل الآخرين [5]
إنكم قد شبعتم! قد استغنيتم! ملكتم بدوننا! وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضا معكم! فإني أرى أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين، كأننا محكوم علينا بالموت. لأننا صرنا منظرا للعالم، للملائكة والناس. نحن جهال من أجل المسيح، وأما أنتم فحكماء في المسيح! نحن ضعفاء، وأما أنتم فأقوياء! أنتم مكرمون، وأما نحن فبلا كرامة! إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونلكم وليس لنا إقامة، ونتعب عاملين بأيدينا. نشتم فنبارك. نضطهد فنحتمل. يفترى علينا فنعظ. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء إلى الآن.(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ٤ : ٨-١٣)
فأنا هنا أرفض شخصيًا أن يُطلق عليّ لقب علماني. إذا كنت أيها القارئ العزيز تؤمن بالمسيح وقبلته، فلست بعد من العالم لأنك الآن مسيحي، وهويتك سماوية. فلستم إذا بعد غرباء ونزلا، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله
[6] فنحن لسنا أجانب وﻻ لاجئين غير أصليين، بل رعية واحده مع القديسين وأهل بيت الله.
وهنا ندخل في صدام آخر مع حراس الشريعة: أنت تدعي أنّك قديس وواحد من الرعية مع القديسين، بل أنت تدعي أنك من أهل بيت الله!
من المهم توضيح أن “بيت الله” المذكور هنا لا يشير إلى البنية المادية للكنيسة وجدرانها. وكما نُوقش سابقًا، فإن الكنيسة ليست مجرد مبنى مكون من طوب. بل إن “بيت الله” الذي يشير إليه بولس هو من سكن فيه الله، أو هو هيكل الله، الذي هو أنا، وأنت، أيها المؤمن “العلماني”. أنت هيكل الله، وأنا بيت الله، وفينا الله يسكن على الأرض.
هل تتخيل أيها المؤمن؟ هل تفهم هذا؟ أنت لست مجرد علماني، بل أنت قديس ومقام إلهي وموضع سكنى الإله على الأرض.
أعلم أن هذه الكلمات قد تصدم حراس الشريعة، فهي بالنسبة لهم كالمطرقة التي تحطم ثوابتهم الاعتقادية المازوخية الراسخة. يرددون في أنفسهم: “هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب”. هل يمكن مقارنة من هم في الصفوف الأولى بمن لا صفة لهم؟ وهيهات ثم هيهات أن يستويان.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟