المقال رقم 2 من 3 في سلسلة حراس الشريعة

قبل أكثر من عقد من الزمان، هاجرت إلى كندا حاملًا شغفًا متقدًا بكلمة الرب، كما كان الأمر في الخليج العربي سابقًا. ففي الخليج، التقيت بخدام من جميع أنحاء العالم.

وأقر بأن معرفتي الحقيقية بالرب كانت هناك، وتحديدًا في المملكة العربية السعودية، حيث كان وقتئذ كل شيء حرامًا محظورًا. وكانت عقوبة حيازة الكتاب المقدس تصل إلى السجن أو الترحيل أو حتى الموت. ومع ذلك، استخدم الرب كل تلك الظروف لمجد اسمه، وزرع بذرة كلمته المقدسة في داخلي، ونمت وأثمرت ثمرًا كثيرًا.

لقد أحاطني الله بأشخاص كثيرين ساهموا في نموي الروحي. ومن بين هؤلاء كان هناك خدام من طوائف مختلفة، وعلى الرغم من أن معظمهم كانوا عثرة أكثر من أن يكونوا سببًا لمجد الله، لكن هكذا تُنضج المحن والتحديات ثمار الروح.

ولذلك، عندما هاجرت إلى كندا، كنت متحمسًا بشدة للخدمة، معتقدًا أن الرب سيفتح بابًا عظيمًا لها. فها نحن هنا، في كندا، بلد الحريات! ولا بد أن تكون الكنيسة هنا ذات عقول منفتحة، تقبل من لديهم غيرة حسنة في الخدمة، وقادرة على التمييز بين الخادم الصادق والمنافق المتملق.

كنت أصلي بلجاجة وبإيمان طالبًا من الرب أن يستخدم إنائي أينما كنت، ولكيلا أطيل عليك عزيزي القارئ، حضرت اجتماعاتٍ عديدة هنا وهناك، وكانت كلمة الرب تُحرك قلبي بقوة وتنخسه، وكأن هناك تعليمًا عميقًا ينتظر أن ينفجر داخل روحي، كما قال إرميا؛ فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي، فمللت من الإمساك ولم أستطع. (إرميا ٢٠: ٩)، وحانت الفرصة حين التقيتُ مع مسئول عن الكنيسة، وعرضتُ عليه خدمتي كخادم يحب كلمة الرب ويتوق للخدمة.

في رحلتي مع الرب، أدركتُ موهبتي التي منحني إياها الروح القدس، وهي موهبة التعليم، وليس الوعظ، وهنالك فرق كبير! لكن في تلك اللحظة المفاجئة، أدركت الصدمة التي لم أستوعبها آنذاك، وهي أنه يتعين عليّ تقديم أوراق اعتماد تختلف تمامًا عن تعاليم كلمة الله من أجل أن أخدم.

كانت هذه الأوراق الاعتمادية كلها بشرية، ولم يسألني المسئول عن أي شيء يتعلق بكلمة الله، أو عن حالتي الروحية، أو أي شيء من هذا القبيل. في تلك اللحظة، أدركت أن باب الخدمة مغلق في هذه الكنائس بمفتاح، وللأسف حتى الرب نفسه لا يملك هذا المفتاح لأنه بالكاد يملك هذه الأماكن، بل هي ملك لأشخاص معينين ومعتمدين، ومن ثمّ، هي أيضًا ملك لأهوائهم.

خلال وجودي هناك، التقيت بشخص عرفته في فترة غربتي في الخليج. لاحظت وجوده في صفوف الخدمة الأولى، وتحدثنا معًا. كان يعرفني جيدًا وأنا أيضًا أعرفه. وعندما سألته عن طبيعة الخدمة هناك، قال لي حرفيًا إنه من أجل الوصول إلى منصبه الحالي، قدم تنازلات لا حصر لها، وانحنى أمام الكثيرين، وكان عليه أن يُظهر الطاعة العمياء، وفي كل مرة كان يواجه فيها عقبة أو تحديًا، كان عليه أن يتملق ويتسلق للوصول إلى ما هو عليه الآن.

وهو بارع حقًا في هذا. لكني أعرف نفسي جيدًا، فأنا لا أجيد التملق حتى في حياتي العملية. فكيف لي أن أمارس شيئًا لا أتقنه؟ وأين؟ هنا في كنيسة الله؟ قاعدة الحق كما يسميها ؟ في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته. (١ تيموثاوس ٣: ١٥)

وبما أنني لا أجيد لغة التملق ولا أسلوب التسلق، فلم يكن أمامي سوى خيارين لا ثالث لهما؛ إمّا أن أترك كنيسة آبائي القبطية الأرثوذكسية وأتجه إلي كنيسة أخرى، أو أن أغلق علي نفسي بابي واقرأ كتابي المقدس وأتعلم من الروح القدس وأنتظر الرب وأقف علي المرصد، لعل الرؤيا تتحق في الميعاد حسب توقيت السماء، واخترت بكل أريحية وبكل رحب الاختيار الثاني، وجلست في المقعد الأخير.

لكن وعلى كل هذا، لم اسلم من ألسنة أولئك الذين يعطون لأنفسهم حق حماية الإيمان، بل مجرد أن افتح فمي أو يأتي ذكر اسمي، كانوا يوصمون اسمي بالبروتستانية وكأنها سبة أو جريمة، علي غرار ما يحدث في كنيسة المنوفيّة مع ، الذي اتُهم بالية من قبل ، وفي محاكم طنطا بات متهمًا بازدراء الدين المسيحي،  تكاد تندرج هذه السبة تحت جريمة ازدراء الأديان!

فيا حراس الشريعة، لم يقم الرب حراس لشريعته ليغلقوا الأبواب أمام وجوه طالبيه، بل أقام الرب حراس ليقفوا علي الأسوار ليذكروا الرب ليلًا و نهارًا كما قال إشعياء؛ على أسوارك يا أورشليم أقمت حراسًا لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام. يا ذاكري الرب لا تسكتوا. ولا تدعوه يسكت، حتى يثبت ويجعل أورشليم تسبيحة في الأرض. (إشعياء ٦٢: ٦، ٧)

هذا يعني أن دور حراس الرب هو: تذكير الناس باستمرار بالرب ووصاياه. والتأكد من أن صوت الرب يُسمع دائمًا. وحث الناس على الصلاة إلى الرب والتضرع إليه من أجل المساعدة. وأن يثبتوا في إيمانهم ويجعلوا من حياتهم تسبحة إلى الرب. وعلى هذا، فإن دور حراس الرب ليس إدانة الناس أو إبعادهم عن الرب، بل مساعدتهم على الاقتراب من الرب أكثر وأكثر.

لم يكن دور حراس الرب حماية معبد الله، بل حماية “قداسة الرب”، أي البشر. وكانوا مسئولين عن تحديد ما إذا كانت ذبائح البشر مقدمة بقلوب نقية أم أنها كانت بقلب أغلف مغطى بطبقة مغشوشة من النفاق والتملق الكاذب والاستعلاءات الدينية الزائفة، فحراسة قداسة الرب تختلف اختلافًا جوهريًا وكليًّا عن حراسة المبنى المادي أو جدران الهيكل. اقرأ معي في سفر حزقيال، الإصحاح ٤٤:

فقال لي الرب: يا ابن اجعل قلبك وانظر بعينيك واسمع بأذنيك كل ما أقولة لك عن كل فرائض بيت الرب وعن كل سننه، واجعل قلبك على مدخل البيت مع كل مخارج المقدس. وقل للمتمردين لبيت إسرائيل هكذا قال السيد الرب. يكفيكم كل رجاساتكم يا بيت إسرائيل بإدخالكم أبناء الغريب الغلف القلوب الغلف اللحم ليكونوا في مقدسي فينجسوا بيتي بتقريبكم خبزي الشحم والدم. فنقضوا عهدي فوق كل رجاساتكم. ولم تحرسوا حراسة أقداسي بل أقمتم حراسًا يحرسون عنكم في مقدسي.

(حزقيال ٤٤: ٥-٨)

 

وللحديث بقية..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: حراس الشريعة[الجزء السابق] 🠼 حراس الشريعة[الجزء التالي] 🠼 قديسون لا علمانيون
عاطف حنا
[ + مقالات ]