- [١] مقدمة في الجندر
- [٢] المساواتيون والتتميون
- [٣] دراسة للنص اليهودي ما بين العهدين
- [٤] المسيح المساواتي: أنا اﻷوّل والأخير
- ☑ [٥] بولس التتمي: صانع التراتبيات المأقوتة
بأعين عصرنا الحالي، يبدو بولس الرسول متلعثما حينا ومتناقضا أحيان أخرى عبر نصوصه المتعلّقة بالمرأة..
فهو من جهة، يُعيد المرأة، التي عزَز يسوع دورها الاجتماعيّ، إلى الوراء، مكتسبًا بلا منازع صفة مناهضها، وقد أصبحت هذه الصفة ملازمة لشخصه (1كورنثوس 11، 14). وهو من جهة ثانية يناصر المساواتية بشكل جوهري في مواقع أخرى، ويعلن نهاية التمييز القومي والطبقي والاجتماعيّ كما في (غلاطية 28:3)، ثم يطلب من المرأة الصمت في الكنيسة (1كورنثوس 34:14)، ثم يعود فيثني جهود “فيبي” (رومية 16: 1-2) مستخدما لفظة “دياكونيس” والتي تعني: “الشماسة الكاملة” (مساعدة كاهن)، بينما هو نفسه الذي أكد على سيادة الرجل وخضوع المرأة (1كورنثوس 2:11-16) كما نجده في موقع أخر عندما يشير إلى “أكيلا” وزوجته “بريكسلا” فإنه يذكر “بريكسلا” أولا (رومية 16: 3،7،15) ليس على سبيل تقديم المرأة عن الرجل، فهذا البروتوكول لم تعرفه البشرية إلا بعد قرون،، وإنما لأنها الأعلى من زوجها في الرتبة الدينية كراعية كنيسة، مستخدما العبارة “وعلى الكنيسة التي في بيتهما” (رومية 16: 3) بشكل متناقض تماما مع الهيراركي / التراتبية (الهيكل التنظيمي) الذي صاغه بنفسه!
عبر قرون عدة، حاولت الأفكار المسيحية توفيق التناقضات المتلعثمة بين بولس ونفسه، ليس فقط في مسألة الدور الاجتماعي وحده بل في قضايا التراتبية والخضوع عمومًا سواء الخضوع الروحي، أو خضوع العبد لسيده (الخضوع الطبقي)، أو حتى خضوع الشعب لاستبداد الحاكم (الخضوع السياسي) فكل هذه الأمور كتب فيها بولس الرسول وصنع تراتبية مبنية على صفة الأشخاص ومناصبهم وليس بناء على جودة ما يفعلون…
الأديان الشمولية:
“دين شمولي”، هو مصطلح ثقافي للتعبير عن حركة دين ما، من الإيمان، والذي يعتبر علاقة بين الفرد وربه، إلى دور ديني مؤسساتي يتحكم فيما خارج النطاق اللاهوتي إلى نقاط حيوية في إدراك العالم، مثل علاقة الأفراد بعضهم البعض (لا تشاركية مع غير المؤمن)، أو موقف معادي لنوع اجتماعي (لا للمرأة كرئيس للرجال) أو حتى الموقف من نظام الحكم وممارسة المشاركة السياسية بشكل ثابت (نعم للرئيس مهما قال).. جميع الأديان شمولية بشكل عام لأنها تشكّل أحد أهم المصادر المعرفية المبسطة في إدراك العالم من حولنا.. لكن مصطلح “دين شمولي” يستخدمه المثقفين دائما كعلامة سلبية عند تخطي الدين دور “تبسيط القيم” إلى “تشويه القيم”،
مثال:
“أكرم أباك وأمّك“
هذه الجملة هي أحد الوصايا العشر، وتعتبر بمثابة قانون تبسيطي للعلاقة الأخلاقية مع الوالدين والتي لا يختلف اثنان عليها… هذا تبسيط لأخلاقية التعامل مع الوالدين… تبسيط لقيمة…
هل كل الآباء والأمهات جيدين؟ ألم تقرأ صحيفة عن الذي اغتصب ابنته؟ أو الأم التي أجبرت بناتها على البغاء للارتزاق؟ هناك حوادث طيلة الوقت لتقييم جودة الآباء والأمهات بينما هذه الوصية (أكرم أباك وأمك) هي تبسيطية كعلامة إرشادية، ولو صارت مطلقة دون اعتبار لتعقيدات الواقع، لما وصلت البشرية لسن قوانين بسحب أطفال ووضعهم تحت رعاية الدولة نتيجة سوء الوالدين…
لو تشبث أحدهم بنفس الوصية الدينية في إكرام الوالدين رغما عن الواقع،، إذن فالدين هنا تحول من “تبسيط قيم” إلى “تشوية قيم”
وبشكل عام، سمة إطلاق تنميطات اجتماعية عامة، دون النظر للتفاوت الفردي، هي سمة تقاومها الإنسانية لما تحمله من ظلم وغبن (عاطل في باطل)، لكن في الوقت ذاته فأعتى الليبراليات المنادية بالفردانية ترى التنميط تأسيس ضروري للأديان في احتياجها لتبسيط القيم للمؤمنين بها..
بطريقة أخرى وببساطة شديدة، المسيح لم يصنع دينا، لكن بولس فعل.. وهذا يحتاج لما هو أبعد من علاقة مع الله ويحتاج لرؤية شمولية عن العالم كما يراه.. وطبقا للعصر الذي عاش فيه بولس فكل هذا متسق مع ذاته، ومنسجم تمامًا مع بعضه البعض كهيكل تنظيمي اجتماعي وسياسي متّبع في عصره بين جماعات المؤمنين (الكنائس)..، ولقد وصلنا في عصرنا الحالي لقيم سياسية واجتماعية أكثر رهافة وتحضرا وأكثر حنكة، تجعل كثير من التنظيم الذي نظمه بولس في زمنه هو أمر متخلف ورجعي وجاوزه الزمن.. والمشكلة الحقيقية فيمن لا يرى في تراتبية بولس تنظيمًا اجتماعيًا وطبقيًا وسياسيًا،، بل في هؤلاء الأصوليين الذين يرون في تراتبية بولس: وحيا مقدسًا من فم الله (صالح لكل زمان ومكان – نسخة مسيحية).
ونكرر من جديد، فالمسيح لم يصنع أي تراتبية في السلطة، بل منع هذا:
“رؤساء الأمم يسودونها، وعظماءها يتسلطون عليها، فلا يكن هذا فيكم”
(متى 20: 25) (مرقس 10: 42) (لوقا 22: 25)
أما من حيث تراتبية بولس، فهي ليست مقدسة وليست وحيا بالتأكيد، ويكفينا هنا في مسألة الجندر، التركيز على المفردات التي استخدمها بولس الرسول نفسه في طرحه الشخصي عن المسائل الاجتماعية في رسالتيه لأهل كورنثوس:
“.. أقول لهم أنا، لا الرب: ..”
(1كو 7: 12)
“وأما.. ، فليس عندي أمر من الرب فيهن، ولكنني أعطي رأيا”
(1كو 7: 25)
“أظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر”
(1كو 7: 26)
“هذا أقوله لخيركم، ليس لكي ألقي عليكم وهقا، بل لأجل اللياقة”
(1كو 7: 35)
“ولكن إن كان أحد يظن أنه ..” – “.. فليفعل ما يريد”
(1كو 7: 36)
“.. بحسب رأيي، وأظن أني ..”
(1كو 7: 40)
“لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد آخرين”
(2كو 8: 8)
“أعطي رأيا في هذا أيضا”
(2كو 8: 10)
وبصدق شديد، لا أعلم ما الذي يمكن أن يفعله الرسول بولس، أكثر من هذا، لكي يميّز الناس بين الرأي والوحي،، أو تفض الاشتباك والتداخل بين المنتج البشري وبين المنتج الإلهي،،
لدينا في هذا العصر، ونتيجة لتردي مستوى التعليم الكنسي في الحقبة اﻷخيرة، أجيال كاملة من الكهنة والأساقفة ضائعة تمامًا في مسألة اﻹدراك (بما فيه اﻹدراك اللغوي (الفهم) لما هو مكتوب ومسجل وموثق في الكتاب المقدس ذاته). وربما يكون هذا بسبب الاعتماد على الثقافة السمعية من كهنة وأساقفة أقدم، وليس القراءة للنصوص المؤسسة للعقيدة، وربما بسبب التغييب للمنتج النقدي لأقوال القائلين وعدم مساءلتهم عن أفكارهم مِن قِبل مَن يسمعون ويهزون رؤوسهم إيجابًا واتفاقًا بشكل تلقيني غير حذر وغير فطن… واﻷخطر أن هذه اﻷجيال وبهذه اﻷفكار المشوهة، منهم من يتقلد المناصب ويحتل منابر الخطاب الديني وينشر أفكارا عنصرية ﻻ تختشي من الجهر بمعاداة المرأة، أو معاملتها معاملة خاصة، أو تحرمها من ميزات وتخص بها الرجال وحدهم، دون إدراك أن ما يفعلون هو جريمة اسمها: “العنصرية”. عنصرية ﻻ تستقيم في مفاهيم هذا الزمان مع أي منتج يروج للعدالة البشرية، فما بالك بالعدل الإلهي؟ وكيف يؤمن الناس بإله ﻻ يؤمن بتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، بل ويحاسبها حسابًا مختلفًا لا لشيء سوى كونها امرأة، وهو الذي حدد لها هذا التكوين ولم تختره هي؟ لدينا – بكل أسف – أجيال نصّبت أنفسها حماة إيمان تخصص قمع المرأة (تحت مسمى الرعاية)، ونشر ثقافة العبيد (تحت مسمى اللاعنف)، والتهليل المازوخي (تحت مسمى الوطنية)
والحديث عن المرأة ﻻ ينتهي..
هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟