أنت لم تخطئ في قراءة العنوان، نعم، سأتحدث في هذا المقال عن رسامة المرأة قسيسة أو كاهنة، وأعلم كم يستشيط البعض غضبًا لمجرد طرح الفكرة، ناهيك عن الدفاع عنها باستخدام النصوص المقدسة. لكن دعني أسأل، لماذا كل هذا الغضب والرفض؟ لماذا تجيء الكلمات كأنها طلقات بنادق أو شرر حين يدافع البعض عن حق المرأة في الكهنوت مثلها مثل أقرانها الرجال؟ ألا نتفاخر نحن المسيحيون بمكانة العذراء مريم شديدة القدسية؟ ألا نقول إن  هي "نظير" ؟ ألا تعني كلمة "نظير" في المعجم "مساو" أو "مثيل"؟
 الرجل رأس المرأة

“وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ.”

(1 كورنثوس 11: 3)

يقول البعض إنه لا يجوز للمرأة أن تعظ الرجال أو تترأسهم لأن الرجل رأس المرأة. لكن، لا ينتبه هؤلاء لتكملة النص؛ فالنص يقول إن رأس المسيح هو الله. فهل ينقص ذلك من لاهوت المسيح شيئًا؟ بالطبع لا، فنحن نؤمن أن المسيح إله كامل. وبالتالي فالخضوع هنا ليس خضوع سلطوي (أو خضوع مرؤوس لرئيسه الأعلى منه في المكانة)؛ لأن المسيح هو واحد مع الآب في الجوهر في نهاية الأمر، واحترام المسيح لأبيه لا ينقص منه شيئًا.

ويشير بولس هنا إلى أهمية أن تمتثل المرأة لزوجها وتعطيه ما يليق به من الاحترام، كما امتثل المسيح للآب، وكان دائمًا ما يعطيه الإكرام والتمجيد. وكما كان تمجيد المسيح للآب نتيجة للحب المتبادل بينهما، كذلك ينبغي أن يكون الأمر في الزواج. فالمرأة تسعد بكلمات الحب الرومانسية، والرجل يسعد بكلمات التقدير، كما يقول علم النفس، فالنص هنا يشير إلى العلاقة الزوجية، ولا أعلم ما علاقة ذلك بخدمة المرأة لشعب الكنيسة؟ فما وجه المقارنة بين الزوج والزوجة من جهة، والمرأة كقائدة للكنيسة من جهة أخرى؟

وحتى في ترجمة الكتاب المقدس الإنجليزية نسخة Amplified Bible, Classic Edition (AMPC)، نجد النص مترجمًا كالآتي:

But I want you to know and realize that Christ is the Head of every man, the head of a woman is her husband, and the Head of Christ is God.

(1 Corinthians 11:3)

فرأس المرأة هو زوجها، وليس معشر الرجال في المطلق! فالنص لا يلزم كل النساء بالخضوع لجميع الرجال في العموم. فالرجل يخضع لمديرته في العمل رغمًا عن أنفه، فهل في ذلك ما يخالف الكتاب المقدس؟

لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ

يستخدم البعض النص الشهير الذي يأمر فيه بولس النساء بالصمت التام في الكنائس كحُجة لرفض قيادة المرأة، ولكن يجب أن نعود إلى تاريخ مدينة كورنثوس لنفهم ما كان يجري في ذلك الوقت. ويتضح لنا أن النساء لعبن أدوارًا هامة في عبادة الآلهة الوثنية في كورنثوس والمنطقة المحيطة بها في العصور القديمة. هذا يعني أنه في القرون التي سبقت ظهور المسيحية، كانت النساء تشاركن بشكل روتيني في الممارسات الدينية في المنطقة – ليس فقط في خصوصية منازلهن، ولكن في الطقوس العامة، والمهرجانات، والمواكب، وغيرها من الأحداث. كما رأينا، شاركت النساء بشكل كبير في عبادة – وكان هناك العديد من المعابد لأفروديت في كورنثوس وحولها. وقد وجد علماء الآثار العديد من التماثيل والمصابيح لأفروديت كدليل على المشاركة الطقسية الواسعة من قبل الأشخاص ذوي الموارد المحدودة، وخاصة النساء. وربما تكون النساء قد صنعت هذه القطع الأثرية بمفردهن أو اشتراها الحرفيون. وكانت الكاهنة الوثنية تمارس الجنس مع الحاضرين كنوع من أنواع عبادات الإلهة.

ولذلك، كان على بولس أن يلزم النساء بالاحتشام الشديد، وتجنب حتى الكلام العادي داخل الكنيسة. فنحن نتكلم عن القرن الأول الميلادي، حين كانت المباني الكنسية شديدة التواضع، فلم تكن هناك وسيلة للتمييز بين الكنيسة والمعبد، وكان المسيحيون مضطهدون في ذلك الوقت. فكان بولس يريد الحفاظ على قدسية الكنيسة بشتى الطرق لكيلا يدخل الوثنيون بين الحاضرين، ظنًا منهم أن الكنيسة معبد وثني، ويفسد ذلك انتشار المسيحية.

ويمكننا تشبيه هذا النص بنص آخر، هو:

“لِذلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي.”

(1 كورنثوس 8: 13)

طالب بولس النساء بالهدوء التام والامتناع عن المشاركة الفعالة حتى حين لا يفهمن ما يُقال بهدف تجنب الوقوع في مشاكل هم في غنى عنها. كما أن كنيسة كورنثوس كانت شديدة التأثر بالعبادات الأخرى. ولذلك، كان على نساء كورنثوس، فقط، التضحية بكونهم عضوات فاعلات في الكنيسة، مثلما تنازل البعض عن أكل اللحم، مع أنه ليس محرمًا.

وكما نعلم أن هناك نساء خدمن مع بولس، كالشماسة “فيبي” خادمة كنيسة كنخريا، فكيف حدث ذلك وهن صامتات؟

 هل وعظت المرأة رجالًا في الكنيسة الأولى؟

قد تبدو الإجابة صادمة بعض الشيء، نعم، قد وعظت المرأة رجالًا في عهد نفسه، الذي يحتج البعض بكلماته لرفض كهنوت المرأة، نجد بولس يقول لكنيسة كورنثوس:

وَأَمّا كُلّ امْرَأَةٍ تُصَلّي أَوْ تَتَنَبّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ.

(1 كورنثوس 11: 5)

يتحدث بولس عن أمرين هنا، أولهما هو الصلاة العادية في الكنيسة لجميع النساء، وثانيهما هو التنبؤ. وقد عرف بولس التنبؤ في كورنثوس الأولى كالآتي:

وَأَمّا مَنْ يَتَنَبّأُ، فَيُكَلّمُ النّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ.

(1 كورنثوس 14: 3)

فالمرأة التي تتنبأ هي تعظ الناس، وتبنيهم، وتسلي عنهم (أي تعزيهم بكلمات التشجيع)، وبذلك، يتضح لنا أن بولس لم يمنع المرأة من الوعظ حتى في كنيسة كورنثوس على الرغم من كل ما ذكرناه، بل طالب النساء الحاضرات بالهدوء والاحتشام، والواعظة بتغطية الرأس، لكيلا تبدو الكنيسة كمعابد أفروديت! فهو تصرف ثقافي، اجتماعي بهدف البقاء. (survival tip)

لكن المرأة خرجت من ضلع الرجل وأغويت أولًا!

هكذا يعلل البعض رفضهم لكهنوت المرأة، ولكن، معذرة، عزيزي القارئ، لو ترى أن خروج المرأة من ضلعك فيه ما يقلل منها، فدعني أذكرك بأنك قد خرجت من رحمها!

وبالنسبة لفكرة خلق المرأة من الرجل، فرجوعًا إلى ، نجد أن القصة تعبر بطريقة رمزية عن خلق الله للجنس؛ فكل أمرأه تبحث عن الرجل التي تنتمي له، وكذلك يبحث الرجل عن المرأة التي تكمله، أو يجد فيها قبسًا من روحه ليتحد بها مدى الحياة. ولا يعني هذا أن المرأة خلقت لتلي آدم في المكانة لأنها تلته في الخلق! فإذا كان الترتيب يدل على الأهمية، فأدم قد خُلق بعد الحيوانات والطيور، هل يعني ذلك أنه أقل أهمية منها أو خُلق ليخدمها، كما يُقال عن حواء؟

وردًا على غواية المرأة أولًا، يرى بعض المفسرين أن الحية أرادت بغوايتها للمرأة إحداث وقيعة بين الرجل وزوجته بسبب غيرتها من حواء، وهي قد نجحت في ذلك كما تشير القصة، ف رأى أدم جميع حيوانات الجنة، ولم يجد فيها معينًا نظيره، مما أثار غضب الحية، التي ربما أرادت أن تكون مكان حواء، بسبب جمال الحية، وكبريائها، ولكن آدم لم يخترها كشريكة معه في المجد، ولذلك أرادت قطع رباطهما الزوجي، بالإضافة إلى قطع علاقتهما مع الله. وبسبب غيرتها من حواء، أرادت أن تجعلها السبب الأول للسقوط، وستجد هذا التفسير بالإضافة إلى أبعاد أخرى للقصة في هذا الفيديو، وأي دارس يعرف أن القصة رمزية ولم تحدث حرفيًا في الأساس.

الدورة الشهرية وطهارة المرأة

يعلل البعض أن دخول المرأة إلى المذبح لا يليق بسبب الدورة الشهرية لأنها تبقى على المرأة عدة أيام قد تصل إلى أسبوع. وأتعجب من هذا التفكير الذي يختزل المرأة اختزالًا يهين إنسانيتها التي خُلقت على صورة الله! وهذا التفكير إنما هو امتداد لأصول يهودية متعلقة بقانون الطهارة في العهد القديم.

والعجيب هو أن من يريد تطبيق شريعة التطهير في العهد القديم يريد أن يطبقها على المرأة فقط؛ فمثلًا، نعلم أن العهد القديم يحرم أكل الأرانب، والخنازير، والكثير مما نأكله الآن، ويحرم كثيرًا من العادات التي نفعلها اليوم دون أي غضاضة. فنحن اليوم نرتدي أنسجة مختلطة، ولا يذهب من به مرض جلدي إلى الكاهن، بل إلى الطبيب. فإذا كنت تأكل الأرانب، فأنت نجس بحسب سفر اللاويين، يا عزيزي. فإذا أردت رؤية حياتك من منظور شريعة العهد القديم، ستجد نفسك نجس لا محالة. فلماذا تهتم فقط بنصوص التي يسيل دمها، أو التي تلد كما جاءت في سفر اللاويين وتتغاضى عن النصوص الأخرى؟ ألا تري أنك منافق بعض الشيء؟ لذلك، أدعوك للرجوع إلى سفر اللاويين، ومحاولة تطبيقه بالكامل، وكما يجب، وأتمنى لك كل التوفيق!

وختامًا، أتمنى أن يُعاد النظر في تلك القضية، فالكنيسة للأسف، حرمت نفسها من نصف مواهبها، فالمرأة يمكنها تحقيق القيادة الناجحة، ومخاطبة الناس “ببنيان، ووعظ، وتسلية” كما يقول بولس، لا فقط أن تعظ الفتيات، وترتل بالكورال. فلماذا نخشى الأمر هكذا؟

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كهنوت المرأة: حواء النظير أم الدرجة الثانية؟ 1
[ + مقالات ]