جلس كأي قبطي أسمر جميل أمام التلفاز ضاحكًا، ضاربًا الكف على الكف من ذلك الشيخ الذي يتدخل بشكل سافر في أدَّق تفاصيل حياة المؤمنين بدينه، التي تبدأ من أمور النظافة الشخصية وتصل إلى سرير الزوجية، ولم يكن يعلم أخينا القبطي الأسمر أن الدُنيا دوارة، وأنه من سخرية القدر، وفي قرون ما بعد الحداثة، سيخرج كهنة من كنيسته القبطية الأرثوذكسية، يمارسون نفس الدور، ويضطر إلى الصمت عن تلك الأشياء التي ضرب الكف على الكف واستهزأ بها ورفضها. سيصمت، لأنه قام بتأليه رجل دينه واعتبره وسيطًا بينه وبين الله -حاشا- بل ومصدرًا حصريًا للتشريع، والحل والربط، والتكلم باسم الله.
إن الصوم في الكنيسة القبطية ليس سرًا مقدسًا ولا توجد فيه أي نوع من السرائرية، بل هو امتناع عن الطعام والشراب، إما لفترة معينة طوال اليوم، أو امتناع عن بعض أنواع الطعام لأيام معينة، أو مزيج بين الطريقتين. هدف طريقتي الصوم تدريب الجسد على قمع الأهواء والرغبات الجسدية التي لا تليق، فالطعام في حد ذاته ليس محرمًا، ولكن تمسك عنه الكنيسة نفسها بنفسها عن طريق الصوم للتدريب.
وبالمنطق الإنساني، فالظروف الجسدية والأمراض، استثناءات خاصة، لأنه ليس من المنطقي أن يكون هناك ممارسة كنسية ضارة عن عمد بالأعضاء الذين هم جسد المسيح حسب فكر الكنيسة.
قد تفاجئ معي جدًا عزيزي القارئ عندما تجد أن الطعام الشهي كأغلب المأكولات البحرية متاحًا في بعض الأصوام، بينما قام بعض رجال الدين المسيحي المتطرفين بالآتي:
١- تحريم غسل الأسنان خلال الصوم الانقطاعي قبل التناول.
٢- تحريم الجنس في أثناء الأصوام جميعها، إلا بعد الحصول على الإذن من الأب الكاهن.
فدعونا نستعرض سويًا هاتين الصورتين من التطرف المتعلقتين بالصوم في كنيستنا.
تحريم غسل الأسنان قبل التناول
لم أجد سوى الكلمة الدارجة “يع” عندما أسمع رجل دين مسيحي يحرم غسيل الأسنان خلال الصوم الانقطاعي قبل التناول، وللأسف ليس رجل دين عادي بل أسقف، وهو الأب الفاضل الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم.
أسقف مسيحي ضلت تعاليمه الغريبة طريقها إلى القنوات الفضائية المسيحية فجلس على كرسي، وددت أن يستبدله بـ”مسطبة” مفتيًا للشعب في أمور حياتهم، محللًا ومحرمًا بمنطق غريب غرابة الأساطير، فلا نعرف حقًا ما عَلاقة عذرية العذراء مريم بغسيل الأسنان الذي حرمه نيافة الشيخ الأسقف، ولماذا وكيف ربط هذا الربط اللولبي العجيب الغريب بين هذا وذاك؟
هل أحتاج إلى ذكر اقتباسات آبائية أو كتابية لأثبت خطأ تعاليم الأب الأسقف الغريبة؟ هل يصل وعي المسيحي لهذه الدرجة من السطحية حتى يحتاج نص ديني لكي يأمره بأن يكون نظيفًا وأن يغسل أسنانه؟ وغسيل الأسنان واحدة من أمور النظافة الشخصية ولا داعي لنص ديني لكي نتعلمها، أراهن على وعي إخوتي المسيحيين، فلا حاجة لنص أو لأي رجل دين أصلًا كي نتعلم تلك الأشياء.
تحريم الجنس خلال الصوم إلا بعد استئذان الكاهن
من المُرَجَّح أن أي أسقف أو راهب أو شخص اختار البتولية، سيعليها على الزواج وسينتصر لها ويجعلها أفضل وينتقي من النصوص الكتابية ما يدعم رأيه دون أن يلتفت لقول الله نفسه:
«لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ»(سفر التكوين 2: 18)
وعشرات النصوص الأخرى، التي لا تحط من شأن الزواج والعلاقة الجنسية في سياقها، وبينما تعتمد الكنيسة الزواج سرًا مقدسًا، ولا ترى الصوم يصل لدرجة السر، فوجئنا برجال دين مسيحيين مثل الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، يقول إن العَلاقة غير مسموح بها في الصيام وهناك استثناء ويجب الرجوع للكنيسة لأخذ السماح.
وليس الأنبا بيسنتي وحده، بل آخرين من رجال الدين المسيحي يقللون من قيمة السر المقدس لمصلحة سلطتهم الأبوية الكهنوتية، محرمين العَلاقة الجنسية المقدسة الطاهرة خلال الصوم، ومن بينهم الأنبا رفائيل الذي يرى أنه من الأفضل الامتناع عن العَلاقة خلال الصوم لكن شرط موافقة الطرفين. (مقطع صوتي على يوتيوب)
ومنهم من زاد الطين بلة، عندما صرح أن الممارسة مباحة ولكن -يا للخجل- بإذن مسبق من الكاهن وفي ظروف معينة، تخيل معي أخي القارئ ماذا ستخبر الكاهن في تلك المكالمة ليلة الخميس؟ وكيف يكون شعورك عندما تستأذن في أمر كهذا من إنسان مثلك؟ وممن يستأذن الكاهن المتزوج لإقامة عَلاقة جنسية، أليس من كاهن آخر؟ (أبيه في الاعتراف) أو حتى من أسقف الإيبارشية غير المتزوج بالطبع.
تخيل معي عزيزي القارئ ليلة خميس باردة شتاءًا يتصل أخينا المتزوج من سمع لتعاليم هؤلاء من تحت البطانية ليسأل أحد الإكليروس بكل وقار في خجل: ”حاللني يا أبي أنا -لا مؤاخذة- مع المدام النهاردة”… اصحوا وتعقلوا، هداكم الله. لا داعي لذكر المزيد.
المنحنيات الإحصائية والممارسات المسيحية الجنسية
في 23 يوليو ٢٠٢١، بعد تسريبات الفيسبوك الشهيرة على شبكات الأنترنت العميق، أمضيت أنا وزميلي المهندس المغاغي “إ” ليلة حتى الفجر، في محاولة تجميع بيانات وبرمجة خوارزمية لتحليل أعياد ميلاد المسيحيين من مستخدمي الفيسبوك، واستخدمنا جزء من المعلومات العامة المنشورة على الفيسبوك -ليس في التفاصيل أي معلومات مقرصنة أو سرية أو خاصة بأي شكل من الأشكال- في يوم وشهر الميلاد فقط لمئات الآلاف مستخدمي الفيسبوك كانت كافية لرؤية النتائج.
مثلنا أيام أعياد الميلاد على منحنى بياني، مطروحًا من يوم الميلاد تسعة أشهر، وكان من المتوقع أن نجد اقتصار القيم في المنحنى على أشهر الإفطار من الصيامات أو في الأقل نجد تركيزًا أقل بها. ولكن المفاجأة كانت تقريبًا تساوي قيم أعداد المواليد في كل شهور السنة على حد سواء.
ثم عملنا مرشح آخر لانتقاء أعياد ميلاد أبناء رجال الدين من وَسْط مئات الآلاف من البيانات، لم يكن الموضوع صعبًا فمعظم أبناء رجال الدين يكتبون أسماؤهم متبوعة بلقب السيد الوالد “El kess” أو “El kommos” أو شبيهاتهم بتغيير الحروف أو باللغة العربية “فلان القس فلان” أو “فلانه القمص فلان”.
وبعد عرض أعياد ميلاد أبناء رجال الدين المسيحيين مطروحًا منها تسعة أشهر -ليفهم القارئ- كانت المفاجأة الصادمة، معظم الأرقام تركزت في الشهر الأخير من العام ومن المؤكد أن هذا الشهر به صيام. وكانت باقي الشهور أرقامها ليست بالقليلة،
مما جعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أنه: لا المسيحيين، ولا رجال دينهم، يمتنعون عن الجنس خلال الصوم، لأنه ليس من المفترض بهم أن يمتنعوا أصلًا.
اقرأ أيضا:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟