المقال رقم 5 من 8 في سلسلة التمايز في شرح العقيدة المسيحية

الموت كحالة  لا عقوبة ، في فكر القديس أثناسيوس الرسولي

يقول ق. في كتاب   أن [ الله خلق الجنس البشري على صورته و مثاله ، و خ نصيباً في قوته ، فصاروا يتبعونه مثل تبعية الظل للنور … و عند ظهور المخلص بيننا ، يتحتم علينا التحدث عن أصل البشر) المخلص ذاته صار الأصل الجديد للبشرية عِوضاً عن )] . فالمسيح كلمة الله هو صورة الله التي خُلِقَ عليها الإنسان . و يُعرِف أثناسيوس الصورة الإلهية في الإنسان أنها [ الشركة في قوة الكلمة … حياة منسجمة مع الله … أن يعيش الإنسان كالله ] . و يقول أيضاً أنه بحسب خطة الله كان الإنسان ، و هو في جنة عدن في حالة شركة مع الله و علي صورة لله ، كان مُقَدَّراً له – إذا استمر صالحاً – أن ينتقل من الفردوس  في الأرض إلي السماء { سبق شرح موضوع تاريخ الإنسان : العدم . الوجود . الموت . الخلود . في خواطر مسافر (٤٦) } . وذلك عن طريق ( الموت   الطبيعي ) ، الذي  به يتم انحلال  الوجود الإنساني  (الفساد الطبيعي ) .

فالموت كان نتيجة طبيعية لخلق الإنسان من العدم لينتقل بعدها إلي  حالة عدم الفساد و الخلود في السماء . و لكن الإنسان تعدَّي بالخروج علي نعمة الله و بدَدَ الصورة الإلهية فيه ، فحَرَم الإنسان نفسَه من نعمة الشركة في الكلمة ابن الآب . وصار مَديوناً بضياع وزنة الصورة الإلهية و تبديد النعمة الإلهية . و بالتالي جَلبَ علي نفسه الموت ، والذي بسبب خطية الإنسان صار كقانون له سيادة وسلطان علي الإنسان إلي الأبد ( موت  الخطية ) .

وهكذا لم يكن حكم الموت إلاَ نهايةً لخليقةٍ لم تصل بعد إلي غاية خَلقها . و لذلك دُعي موت الخطية بأنه ”موت بُطلٍ“  ( رو٢٠:١٢)  لا موت  ” إنتقال “ . و هذا يفسر كلمات الصلاة على الراقدين : إنه  ليس موتٌ ( موت الخطية وموت البُطلٍ ) لعبيدك بل هو إنتقال ( الموت الطبيعي) . فبحسب شرح ق. أثناسيوس فإن فقدان نعمة الشركة مع الله هو الدَين الذي ينبغي سداده . و بوفاء هذا الدَين ترجع صورة الآب إلي الإنسان. والمسيح هو صورة الله لأنه  ” بهاء مجد الله و رسم جوهره “.

وبناءً على تعليم اللاهوت الشرقي عن طبيعة الإنسان من حيث أنه مخلوق علي صورة الله ومثاله، تكون الخطية قد مسَت أدَق نقطة في كيان الإنسان وهي مماثلة الإنسان لصورة الله.  و بعبارة  أخرى، لم تكن الخطية إعتداءً علي ناموس موسى، لأنه لم يكن قد أُعطِي بعد. و لكن الخطية كانت تفريطاً في النعمة وخروجاً على غاية الخَلق و علاجها هو رَد النعمة وتجديد خليقة الإنسان. لذلك كان تجسد الكلمة صورة الله، ضرورة لرَد الصورة الإلهية في الإنسان يسوع المسيح. القديس أثناسيوس لم يذكر أن الموت كان ”عقوبة “ من الله للإنسان بل ” حُكم “ صدر قَبل سقوط الإنسان كإنذار ، في حالة تخلي الإنسان عن غاية خَلقه في أن يحيا حسب الصورة الإلهية ورَفَضَ الشركة مع الله . عندئذ سيعود الإنسان إلى حالته الأولى مِن موت و فساد ( عدم ) للأبد  كما ذكرنا . فعدم البقاء في النعمة يؤدي بالضرورة إلي ( يَحكُم ) تحوّل حالة الطبيعة الإنسانية .

وبهذا وَضع ق. أثناسيوس التعليم الرسولي السليم المختلِف تماماً عن مؤلفات اللاهوت الغربي في العصر الوسيط . فعندما فقد العصر الوسيط موضوع خلقْ الإنسان على صورة الله، سقط في براثن الشرح القانوني للخلاص . فشرْحْ اللاهوت في الشرق يختلف عن الغرب في أن جوهره ليس هو علاج مشكلة أسمها ” الخطية “ ، بل ” تجديد الطبيعة الإنسانية “ . لذلك لا يذكر أثناسيوس كلمة ” الخطية “ بكثرة كما في مؤلفات العصر الوسيط. ولا يذكر أن المسيح أباد الخطية، بل أباد الموت وحرَر الطبيعة الإنسانية من الفساد. و كذلك غاب موضوع الخطية الأصلية، ليس عن كتابات أثناسيوس فقط، و لكن عن كل مؤلفات الآباء الشرقيين . فالقديس أثناسيوس يؤكد أن البشر ورثوا الفساد والموت من آدم و لم يرثوا خطية آدم ( الخطية الأصلية ) ( تجسد الكلمة ٢:٧) .

وبينما اللاهوت الشرقي يهتم بكيان الإنسان الداخلي وأنه  مخلوق علي صورة الله ، فإن الغرب اهتم بالخطية كفعل عصيان وتعدي علي حقوق الله . وبالتالي إعتبر الغربُ الموتَ عقوبة للعصيان كما تقضي عدالة قوانين البشر، التي فيها العقوبة لا تُحدِد الخطأ علي أساس تَغيُر و تَحوّل في طبيعة الإنسان بل علي أساس مسئولية الفعل والإرادة أمام الواجبات المفروضة، وبالتالي لا مجال فيها لغفران أو شفاء أو تجديد للطبيعة.  وبذلك اشتبك العدل بمفهومه الأرضي مع رحمة الله  ولم يكن مِن حلٍ لمغفرة الخطية سوى تجسُد ابن الله للقصاص من الخطية بموته كفدية بدلاً عن الإنسان ( نظرية البديل العقابي ) ليوفي عدل الله (حسب مفهوم البشر للعدل). وهكذا تغَرَب هذا الفهم للخلاص عن تجديد الطبيعة الإنسانية بالتجسد الإلهي ، ليشتبك  في حل مشكلة عدل بشري أسقطها علي الله . لذلك لا تجد هذا المفهوم في شرح ق. أثناسيوس أو في اللاهوت الشرقي للخلاص .

و السُبح  لله . ( ُيتبع )

بقلم: رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: التمايز في شرح العقيدة المسيحية[الجزء السابق] 🠼 التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٤)[الجزء التالي] 🠼 التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٦)
التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٥) 1
[ + مقالات ]