عجيب هو الحب وعجيب هو الهنا اللى لما حب يعبر لنا عن نفسه ويعرفنا بيه قال لنا

“الله محبة”

(1 إنجيل يوحنا 8:4)

أي أن إلهنا هو الحب ذاته، والكلمات دي لوحدها تستاهل الحقيقة العمر كله للتأمل والحياة فيها، ليس من منطلق نسكى ت فقط، لكن بالأكثر والأقرب من منطلق حياتي عملي بنعيشه يمكن يوميًا وإحنا مش واخدين بالنا..

اعتقد إن من اهم الصفات اللي قصدها الله في خلق الإنسان لما قال:

“وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدّبّابَاتِ الّتِي تَدِبّ عَلَى الأَرْضِ»”

(سفر التكوين 1: 26)

هي قدرة الإنسان على الحب، لأن الحب في مفهومه الإلهي الذي أراده الله وفطر الإنسان عليه، يحتاج قدرة فائقة على العطاء، وطاقة كبيرة لتقديم الآخر على الذات، الذي يصل إلى بذل الذات في كمال الحب الإلهي. وبينما قد تبدو هذه الكلمات نظرية أو سامية، ولكنها حقيقة واقعية إذا نظرنا مثلا حب الأم والأب لأولادهم (طبعا في الأوضاع الصحية السوية) واللي هي مثال واضح للمحبة الإلهية اللي ممكن تخلى الأم والأب يضحوا بحياتهم من أجل أولادهم، وده شفناه في مواقف كتير على مر التاريخ.

والحقيقة هو ده التعريف الحقيقي للحب بكل أنواعه. حب الأهل، الأصدقاء، الأزواج.. أي حد يتخيل أو يقول إنه بيحب لازم يقيس نفسه على المقياس ده. وده كان واضح جدا في القصة الرومانسية الشهيرة “تايتانيك” اللي بتأكد على إن الحب هو التضحية إلى الموت. علشان كده، زي ما قلنا في البداية، الحب أو القدرة على الحب هي: موهبة إلهية.

ولكن لأن أعظم ما في الوجود هو الحب، لأنه روح الله التي تعيش في الإنسان (وأنا هنا قصدت استخدم “التي”) فكان لازم يكون ده أكتر مفهوم تم تشويهه على مدار التاريخ البشرى.. من الحب الذي يعطي، إلى الحب الذي يطلب.. الحب الذي يملك، والذي يشتهي.. الحب الذي يبذل الآخر من أجل ذاته (يستهلك الآخر) وده في منتهى الخطورة، لأنه تسلل لحياتنا وأصبح وكأنه هو الأصل في الحب. وبرضو بالتطبيقات البسيطة ممكن نلاقي حب الأم والأب لأولادهم، تحول لحب امتلاك، وتخليص عقد، وتحقيق أحلامهم الشخصية اللي فشلوا فيها، وإفراغ الطاقة السلبية، وأمراض التربية اللي إتعرضوا لها. وده ممكن يحصل طبعا مع شريك الحياة، والأصدقاء، والزملاء،، وهكذا..

ومع الوقت تحولت الصورة المشوهة للحب في أذهاننا، إلى صورة حقيقة بنعيش فيها. فتبقى الإهانة تأديب، والامتلاك غيرة، والجفا تعبير عن عدم الرضا، إلى آخر المظاهر اللي أصبحت جزء من حياتنا اليومية.

الموضوع ده قد يكون أحد أهم أسباب الشكوى من الحياة حاليًا.. اللي الناس كلها حاساه ومش عارفة سببه إيه.. فكرة سمة العصر، اللي الإنسان فقد فيه الإحساس بالسعادة (التي أرادها الله له) والرضا وإحساس الإنسان بقيمته اللي بيستمدها من القريبين منه.. والسلام والسواء النفسي اللي لا يمكن أن يتحقق للإنسان دون أن يكون متصل بمصدر للحب، فيستطيع أن يشع حبا.

ومهم جدا وإحنا بنتكلم في الموضوع ده نفهم إن الحب حلقة ثالوثيةً ما بين الله والإنسان وأخيه (أبوه، زوجته، حبيبته.. إلخ) بمعنى مفيش حاجة اسمها أنا بحب ربنا وربنا بيحبني، وحب ربنا يعوضني عن الحب الإنساني. ده كلام فاشل. الله يحبني وأنا أشعر بمحبته في المحيطين بي، وأنقل محبته دي ليهم، وده نشوفه كويس قوي في محبة ل، ولهذا السبب خلق الله حواء من داخل آدم ليكون هذا الحب ممكنًا:

«هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ»”

(سفر التكوين 2: 23)

الحقيقة الحب من المواد العملية مش النظرية. يعنى مهما نتكلم عنه. الإحساس يبه هو اللي بيفهمنا معناه، وكل ما فهمنا معنى وطبيعة وقيمة الحب (فيمن حولنا) كلما اقتربنا من الله وثبتنا فيه. إلى هذا الحد الحب مهم في حياتنا، ولما نعيش الحب بفهم، بنكتشف في داخلنا طاقات عجيبة على التسامح والغفران والاحتمال، اللي عبر عنها المثل المصري العبقري”حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط” لأن ده حقيقي مذهل.. قد إيه ممكن نقبل حاجات كتير من ناس بنحبهم، لدرجة إن حتى الإهانة ممكن نلتمس العذر فيها. وده كان واضح قوي في كلمات السيد المسيح على الصليب:

«يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»

(إنجيل لوقا 23: 34)

دي كلمات حد بيحب، فيلتمس العذر إلى هذا الحد.

لكن الحب هو أولا وأخيرًا علاقة لا يمكن أن تكتمل من طرف واحد، وإلا أصبح الحب ناقص حتى بين الله والإنسان. فالله الذي بذل ابنه من اجلنا، أتجاسر وأقول: لا يكتمل حبه لنا إلا بمبادلتنا له هذا الحب. وعلشان كده هو قال:

“هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ،أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي”

(رؤيا يوحنا اللاهوتي 3: 20)

وعلشان كده حتى الحب الإنساني من طرف واحد، حتى لو وصل أنه يؤله الطرف المحب من فرط فيض محبته، لكنه يظل حب ناقص. فكمال الحب فى دورته الثالوثية اللي ذكرناها فوق: الله، الإنسان، واﻵخر..

وأخيرًا، فإن الحب هو مقياس رقي الإنسان واقترابه من . ليس فقط بالمفهوم الديني والروحي، بل وفي المفهوم الإنساني العلمي والتطوري. في المجتمعات المتقدمة ثقافيًا وعلميًا، يحب الإنسان الحيوانات والحشرات وجميع الكائنات وحتى الأشجار والبيئة بشكل أكبر كثيرًا من المجتمعات الأكثر تأخرا. لذلك فالحب هو المفتاح الحقيقي لفهم الحياة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

إيريني إستمالك
[ + مقالات ]