المجامع الكنسية هي أكثر ملاعب أناقة وفخامة، والمجتمعون فيها -هؤلاء الذين نأخذ الحل من أفواههم- يخفون بمهارة قرون الشيطان تحت عماماتهم الباذخة.

هل تعتقد أن كيرلس قد انتصر في أفسس لأنه كان يملك الإيمان القويم؟ يالك من ساذج يا رعاك الله!
ديسقورس كان يملك الإيمان نفسه في خلقيدونيا، ولكنه دهس من أصحاب الإيمان المدحور في أفسس.
هؤلاء الحضور في أفسس والذين انتصروا لكيرلس وإيمانه، حضر أكثر من نصفهم -هم انفسهم- في [1] لينتصروا للإيمان الذي دحروه في أفسس.
تأخذ من فمهم الحل بصفتهم مجتمعين في أفسس، ولولا أن كنيستك وشعبك متحضر، لكنت تلعنهم -هم انفسهم- كما تفعل بعض الكنائس مع مناوئيها [2].

وحتي ترسى في مرفأ القصة المحزنة قبل أن نتلاطم مع أمواجها، سأخبرك أن هناك عاملان حاكمان في مجامع القرون السبعة الأولى.
أولهما: هو السلطة الزمنية، وأعني بها الإمبراطورية البيزنطية بإمبراطورها وعائلته الامبراطورية، وحاشيته الامبراطورية.
وثانيهما: ذلك الكرسي الأسقفي الذي حفر لنفسه مكانته السامية عن باقي الكنائس، في لغز تاريخي لم أجد له تفسيرًا، وأعني به .

حين تضعك الظروف في مواجهة موقف مسكوني، فلابد أن تكون حصيفًا بما يكفي لتأمين جانب هذين العاملين، إن لم تستطع استمالتهما إلى صفّك سيكون عليك أيضا أن تتمتع بحاشية ذكية تؤمن لك سلامة الإجراءات وإحكام تسلسلها بحيث لا تخر المياه. عدا هذا فأنت خاسر وهرطوقي، ولو كنت القديس بولس نفسه، فالمسيحية تحولت إلى دين ودولة، واقتنت ذهب المعز وسيفه، والكونت يجلس أسقفًا، والأسقف يعمل واليًا، وكلاهما يحوز الجاه والمال والسلطة والعبيد.

سأتحدث في عجالة سريعة عن خمسة مجامع مسكونية، دون التطرق لأحداثها وملابساته ودهاليزها كما يليق بمقال يكتبه شخص مهذب لم يتمرس على شغل شياطين الإنس.

مجمع نيقية 325
الحاجة إلى سنّ قوانين تضبط عمل ال، استدعت عقد مجمع في فناء القصر الامبراطوري القسطنطيني، وكانت الذريعة هي الصراع الفكري مع الأريوسية، لم تندحر الأريوسية حتي الآن ولا زالت قائمة، ولكن أهم مكاسب المجمع هو توحيد وشحذ صياغة قانون الإيمان في قسمه الأكبر بصورته الحالية والتي يردده كل المسيحيين، وبزوغ نجم كمفكر مسيحي فذ.

تكرس بصورة ودية أن ترتيب الكراسي الشرقية يضع الإسكندرية في المقدمة.

مجمع القسطنطينية 381
السبب المعلن لدعوة الإمبراطورية لعقد هذا المجمع هو دحر الهرطقات، أما السبب غير المعلن هو إعادة ترتيب أسبقية الكراسي الشرقية.

الهرطقات هي:
هرطقة المتوفي حول عام 261 (لاحظ التاريخ)
هرطقة مقدونيوس المتوفي حول عام 361 (لاحظ التاريخ)
هرطقة المعزول من كرسيه أثر مجامع محلية شرقًا وغربًا.

( بتاريخ أول أمشير (وليس أبريل) يقول أن المجمع قد ناقش المهرطقين في بدعهم وحاول إعادتهم إلى حظيرة الإيمان)

اسفر المجمع عن نتيجتين هامتين، الأولى هي استكمال قانون الإيمان بصورته الحالية، والثانية وهي الكارثة بكل المقاييس، وهي رفع الكرسي الامبراطوري [القسطنطينية] فوق الكرسي السكندري ليصبح الكرسي الأول شرقيًا.

رفض كرسي روما الاعتراف بهذا المجمع، حتي اعترف به في مجمع خلقيدونية (ضمن صفقات المجمع المشبوه)، وما لن يذكره لك أحد انه لا توجد أيّة إشارة لقبول كنيستنا هذا المجمع فلم يرد ذكره إطلاقًا والاستشهاد به على لسان باباواتنا، بل أنّ باباواتنا قد عمدوا لتحدي هذا القرار الأخير، والحق أنّ هذا القرار كان بداية انهيار وحدوية الكنيسة، وصنع نعش تماسكها. أما متي اعترفت به كنيستنا ولماذا، فعلم هذا عند ربي، والأمر عندي غير مبرر!

مجمع أفسس 431
بدأ الأمر بمحاولة بطريرك الكرسي الإمبراطوري إخراج الفكر الأنطاكي إلى المسكونية بديلًا عن الفكر السكندري، وسعي لعقد مجمع مسكوني صغير يحضره الأساقفة اللاهوتيين في حديقة القصر تحت بصر الإمبراطور ومظلته يتخلص به من عدوه كيرلس، ولكن لأن الرجل قد حاز أعداء كثيرين ذوي نفوذ عارم، كان محتومًا التخلص منه، أفسدت شقيقة الإمبراطور وأبرز أعدائه كل خططه، فبدلا من المجمع الصغير ورفعاء اللاهوتيين، رتبت لحضور واسع من أساقفة “التقوى الشعبية” وبدلا من حديقة القصر غيرت مكان الانعقاد إلى مدينة أفسس في كابوس لم يكن ليحلم به أبدا، أسقط في يد الرجل بعد فوات الأوان، وندم على سعيه بعد أن استشرف النتيجة قبل الانعقاد.

انتهي المجمع بانتصار “مؤقت” للفكر السكندري، وترسيخ أقدام كيرلس كأعظم لاهوتي مسيحي على المستوي العلمي والبحثي. أما على المستوي الكنسي فالجميع يكره كيرلس. كرسي روما تجاهل كيرلس ولم يأت على ذكره لقرون طويلة جدا، حتى انه لم يعلنه قديسًا للكنيسة إلا منذ عقود قليلة. الروم لا يجدون من يمنحهم خصوصية وتميز في مواجهة الرومان سوى كيرلس، فيتمسحون به ولكنهم يكرهونه ولا يعتبرون تعاليمه. أما كنيستنا وريثة كيرلس وتراثه فلا تعلم عن تعليمه شيئا، والأدهي أنها اُخترقت حتى باتت تعتنق فكر عدوه.

مجمع أفسس الثاني 449
الحلقة قبل الأخيرة في الصراع السكندري الأنطاكي، أرادها الإمبراطور نهاية للصراع وخاتمة للصراعات المتزايدة بعد أن أعاد الأنطاكيين تنظيم صفوفهم ورغبتهم في إعادة الكرة، وإعادة الكرة مرة أخرى إلى الملعب، نزل السكندريون إلى الحلبة عرايا الصدر ينقصهم حنكة كيرلس ومهاراته، والعلاقات الطيبة مع الرومان، ظنوا أن الإيمان القويم بذاته هو الأمان والملجأ، وفي هذا كانوا مخطئين. من بين العاملين السابق ذكرهما، كان لهم داعم هو الإمبراطور، وعدو زنيم هو الجالس على كرسي روما وقتها.

انتهي المجمع بنصر باهر للإيمان الكيرلسي وإزاحة لكل بؤر الصداع النسطوري، ولكنه كان نصرا مؤقتا، ما أن قضي الإمبراطور الداعم نحبه في ظرف غامض، حتى بدأت الأعاصير. يطلق البعض على هذا المجمع “المجمع اللصوصي” في سفالة لا تليق، لكن الأغرب هو أن تنفض كنيستنا غبار حذائها منه في تصرف هو الجنون بعينه، والغباء متجسدًا، وأقولها ويقولها الباحثون: المجمع لا تشوبه شائبة إيمانية. وإنني أرجو أن نضمه إلى تنا بديلًا عن القسطنطينية.

مجمع خلقيدونية 451
الرقصة الأكثر إبداعًا للشيطان، لذا سأتركها لمقال قادم.

هوامش ومصادر:
  1. الفاصل الزمني بين المجمعين هو عشرين عاما، وهؤلاء السادة من الأساقفة يُضرب بهم المثل في الأعمار التي يصلون إليها. [🡁]
  2. راجع “السينوديكون” من قراءات احد الأرثوذكسية للكنيسة الرومية. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]