«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ.
الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ.
وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ.
أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا!
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا».
وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ.
اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ.
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟
لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ.(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 12-20)
كثيرًا ما يغيب عن وعينَا المسيحي قيمة جسدنا الإنساني. بينما هذا الجسد جليل جدًا في نظر الرب. فقد خلقه بيديه وأستودعه حياة منه بنفخة الروح القدس عندما خلقه.
ويعز على الرب جدًا أن يتغرب عنه ويضطر إلى الخروج من الفردوس بسبب السقوط.
فتدخل الله لينقذ الإنسان من ذلك مصيره أن ”تسحق الحية عقبه“. لذلك في رأيي حصر السحق في العقب وهو ليس الكل، بمعنى أن الله لن يسمح بسحق الشيطان الحية القديمة للإنسان حتى الفناء والعدم، بل سيتدخل الرب و”يسحق رأس الحية“. هنا يظهر الفرق بين العقب والرأس وأن غلبة الرب على الشيطان لا تُقارَن بما فعلته الحية في الإنسان.
وعندما سحق الرب رأس الحية فإنما فعل ذلك في عقر دارها الذي هو جسد الإنسان. لذلك تجسد الرب ولبس جسدنا ليسحق رأس الحية فيه. ونلاحظ هنا أهمية الجسد الإنساني أن الرب لبس جسدنا.
والتراث العبراني يختلف عن الفلسفة اليونانية إذ لا يفرق بين الجسد Flesh والجسم Body والإنسان كليًّا. وهكذا في كل كتابات بولس الرسول. فالجسد، هو الجسم، بل وحتى العضو = الإنسان كله.
وفي رأيي أن هذا يشير بطريقة غير مباشرة إلى أهمية الجسد عند الله. لأن الجسد هو عرش الروح إذ يحمل كيان الإنسان وشخصه. وقد انعكس ذلك في اهتمام الرب بأن يجدد الخليقة ممثَّلة في الجسد الإنساني عندما أقام الرب جسده من الأموات ”والله قد أقام الرب، وسيقيمنا نحن أيضا بقوته“.
ليس هذا فقط، بل وضع الرب أهمية قصوي لالتصاق الأجساد من حيث أنه يُنشِئ اتحاد لصيق بين الإنسان وحبيبته أو حبيبها «يكون الاثنان جسدًا واحدًا». ولم يستثن الزنا من ذلك ”من التصق بزانية فهو جسد واحد“ إمعانًا في توضيح أهمية الجسد الإنساني.
أما عن التصاق الإنسان بالله فقد تفوَّق التعبير عنه بما لا يُقاس، بأن صار الالتصاق ليس فقط يمثله الجسد/ الجسم/ الذات الإنسانية، بل تخطى هذا إلى ما هو أعلى من ذلك ”وأما من التصق بالرب فهو روح واحد“.
وعندما عبّر الوحي المقدس عن ماهية هذا الالتصاق للروح الواحد فقد فسره بأنه سكنى أقنوم الروح القدس في قلب الإنسان (تعبير يفوق الالتصاق بالجسد الواحد)، ”أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله ؟“.
لهذا أفرد الكتاب اهتمامًا خاصًا بخطية الزنا دون باقي الخطايا لمِا لها من تدَّخل في ذلك الالتصاق بالجسد/ الجسم/ الذات الإنسانية.
وكما أن كل ارتباط آخر للإنسان هو ارتباط خارجي في تأثيره الكياني عليه ولا يُقارَن بالارتباط الزيجي للإنسان بحبيبه/ حبيبته، كذلك كل الخطايا تأثيرها خارجي على كيان الإنسان مقارنةً بتأثير الزنا. لذلك يقول الكتاب: ”أهربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده“. ومرة أخرى ننبه إلى أن كلمة جسد وجسم في الكتاب المقدس= الإنسان كليًّا وليس مادة الجسد أو حتى عضو فيه. وليس كما في الفلسفة اليونانية التي تفرق بينهما.
وربما تظهر أهمية الالتصاق بين الأجساد في نشأة ارتباط كياني بين الأشخاص بأن يصيران ”جسدًا واحدًا“، وذلك عندما تكلم الرسول عن التصاق الأجساد في الزيجة أي علاقة الحب الحقيقي ”كذلك على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسامهم. مَن يحب امرأته يحب نفسه. فإنه لم يبغض أحد جسده قط“ (أفسس 5: 28)، ”ليس للزوجة تسلط على جسدها بل للزوج، وكذلك ليس للزوج تسلط علي جسده بل للزوجة“ (1كو 7: 4)
فالحديث هنا هو عن ذات الإنسان كله وشخصه وليس عن الجسد/ الجسم المادي بل وليس حتى عن عضو التناسل. هنا الآيات توضح أهمية الجسد إذ أن العلاقة بين إثنين عندما تصل إلى التصاق الأجساد فإنها تضرب بجذورها في كل شيء في حياة الإثنين، فلا يصبح أحدهما بعيدًا عن الآخر، بل الاثنان شخصًا واحدًا أو جسمًا واحدًا بما له من تأثير على الذات أو الشخصية الإنسانية سواءً إيجابيًا في الحب الحقيقي الذي من المفروض أن يمثله الزواج، أو سلبُا في الحب غير الحقيقي الذي يمثله الزنا الذي لا يتعدى مفهومًا استهلاكيًا للغريزة وليس حبًا كما توضحه الآيات (1 كورنثوس 6) التي تحذر من الزنا الذي يتعدى في تأثيره أنه مجرد خطية بل يصل إلى فقدان الشخص لسيطرته على ذاته المعَبَّر عنها بالجسد أو الجسم في التراث العبراني والكتابي” الذي يزني بامرأة، هو عديم العقل ويفعل (الزنا) لكي يهلك نفسه أو ذاته” ( أمثال 7: 32).
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟