عندما نتحدث عن “الصهيونية المسيحية”، يجب أن نفهم أن هذا المصطلح قد أثار الكثير من الجدل والتفاوت في تفسيره، وهو يعتبر تواصلًا دينيًا وثقافيًا شاذًا وغريبًا من وجهة نظري، امتد وما زال ممتد على مر العصور، ومع تنوع الآراء والمواقف في سياق العالم المعاصر، نجد أن المسيحية والصهيونية هما من العوامل التي أثرتا بشكل كبير على تاريخ وسياسة العديد من المناطق في العالم، وعلى رأسها الشرق الأوسط طبعا وجنوب أوروبا، إلا أن التحالف بينهما لا يُعتبر أمرًا واضحًا بل ولا مستساغًا بالرغم واقعية وجوده!
الصهيونية الحديثة، كما نعرفها حاليًا، هي حركة سياسية استعمارية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر بهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين، تمثلت هذه الفكرة في إرجاع الشعب اليهودي إلى أرضهم التاريخية كما زعموا، وإقامة دولة قومية لهم.
في 1948، تأسست دولة الاحتلال (إسرائيل) وصارت نتيجة منتظرة للحركة الصهيونية العالمية المنظمة، وخلال هذا الوقت، بدأ بعض نجوم السياسة والتجارة والفن من المسيحيين الغربيين بدعم فكرة الصهيونية اليهودية، أبرزهم كان من أقطاب الأعمال التجارية المسيحيين في الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة الأوقيانوس (أوشينيا)، من أمثال دونالد ترامب وروبرت مردوخ مثلًا (حاليًا)، وأضحى هم وأمثالهم ومن معهم ويمثلونهم، يشكلون جزءًا كبيرًا من الداعمين للصهيونية المؤسسة لدولة الاحتلال (إسرائيل) وعبروا عن دعمهم هذا علنا وبشكل أدبي ومادي لعودة اليهود إلى أرضهم التاريخية، حتى لو هذا فوق جثث أطفال فلسطين.
ربما يؤمن كثير من المسيحيين خارج العالم العربي للأسف أن دعم إسرائيل هو جزءً من إيمانهم وفهمهم للتاريخ الديني، ويروجون لفكرة أن تحقيق وعد الله لليهود بالأرض المقدسة هو تحقيقً لنبوات كتابية، وأداة لإعادة تكوين الأرض المقدسة وتحقيق السلام في المنطقة، وهناك من يرونها ارتباطًا بالمسيحية وتعزيزًا لهويتها وتاريخها، وفي المقابل، هناك أيضًا مسيحيين -بالذات في العالم العربي- يعارضون الصهيونية بناءً على اعتبارات إنسانية وسياسية، لا علاقة لها بتأييد “حماس” ولا التعاطف مع “العرب المسلمين” تحديدًا!
من ناحية أخرى، هناك مسيحيون آخرون يعارضون المسيحية الصهيونية، يعتبر بعضهم أن فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين ترسخ التمييز الديني والعرقي، وتتعارض مع قيم المسيحية الأخلاقية ومفهوم المحبة والعدالة الاجتماعية، ولا يهضمون بتاتًا بـ”بدعة” أو “هرطقة” أن: “السيد المسيح إسرائيلي عبراني، وكأنه يحمل جواز سفر إسرائيلي لو كان موجود بيننا في زماننا الحالي!”، ولا أن: “الصهاينة الحاليين وأحفاد أحفاد أحفاد من تأمروا على صلبه هم -قال إيه- شعب الله المختار… حاليًا!”، ولا أن: الموضوع سببه “السحر الأسود” الملقب بالعروبة والعروبية الذي أطلقه المارد الشيطاني “جمال عبد الناصر” فشوه بهذا علاقة أبناء الرب يسوع بأشقائهم الصهاينة الإسرائيليين!
ليس هذا فحسب، في الواقع، توجد أيضًا تيارات مسيحية صهيونية داخل إسرائيل، حيث يشكل المسيحيون الصهيونيون جزءًا هامًا من المجتمع الإسرائيلي، أذكر أن نشرت روزا اليوسف في منتصف التسعينيات تقريرًا صحفيًا مفاده أن إسرائيل تحتضن 16 ألف مواطن “مصري” هاجروا إليها طوعًا وطواعية بإرادتهم وغالبيتهم طبعا من أصول مسيحية مصرية (للأسف) وكثيرًا منهم حتى الآن يرون في الدولة العبرية الحديثة تجسيدًا لمبادئ المسيحية ومثالًا حيًا لتعايش الأديان!
فضلًا على عددٍ بسيط من الأطباء المصريين مثلا الطامعين في معادلة شهاداتهم المصرية بالأمريكية عن طريق الدراسة بإسرائيل بما أنها أقرب جغرافيًا وأوفر ماديًا بكثير، وللأسف خوفهم من المجتمع المصري ونظرته المعادية لإسرائيل ولمن لا يعاديها مثلهم، يمنعهم من الإفصاح عن مشاعرهم التى يؤسفني القول أنه تشوبها الأنانية وتفتقر للانتماء حتى الأدبي (وأعرف شخصيًا واحدًا منهم، ومن أسرة طبية كبيرة).
عمومًا، يمكن القول إن المسيحية الصهيونية تعكس تنوع وتعقيد الآراء والمواقف داخل المجتمعات المسيحية تجاه الصهيونية وإسرائيل، وتبقى هذه المواقف محصورة بالأفراد والمجتمعات، وتختلف من شخص لآخر ومن كنيسة لأخرى، وما زلنا نعاني من “تنطع” الكثير من رموز ثورة 2011 المسيحيين للأسف (برضه) -ولو بالقلب واللسان- مما يحدث لأطفال غزة ورفعهم شعار الأنانية وانعدام الانتماء والفردية الأعظم: “وأنا مالي؟”
وللحديث بقية طالمَا في العمر بقية..
شالوم!
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟