قبل الدخول إلى الموقع، تظهر رسالة أسفلها مربع تأكيدي صغير يطلب منك فيها التوثق أنك لست "روبوت" ومكتوب بجانبه: "اثبت إنك إنسان".

صمت قليلًا وتأملت في الجملة..
ياااه.. أثبت أنني إنسان؟ لماذا؟ وكيف؟
وماذا كان الموقع الإلكتروني يظنني؟ خنزيرًا؟
هل بمجرد رسمي لعلامة التأكيد في المربع.. أثبت إنسانيتي هكذا؟ أشك!
وهل يكتفى اعتراف الموقع؟ أعتقد أن المجتمع الدولي من حقه أيضًا أن يعرف!

وكان يجب عليَّ التأكد.. ومن ثم الإثبات..

في بداية رحلة بحثي لأثبات إنسانيتي وإنكار “خنزرتي”، مرّت أمام عيناي في البَدْء مئات السطور، تتحدث بالوثائق الحكومية، عن مرض عقلي ل، قاتل السياح المدنيين الإسرائيليين الأبرياء، الذي قال، أو زعم، أنهم نزلوا الشاطئ أمامه عراه، واستفزونه، بالرغم من تحذيره لهم، ولكنهم لم يأبهوا لكلامه وضربوا به عُرْضَ الحائط، إلى أخر تلك القصة!

اللطيف إنني وجدت أن تلك الوثائق الحكومية، الممهورة بإمضاء كبار الاستشاريين النفسيين، لها صدى كبير في نفوس البعض (وكثير من هؤلاء البعض مغتربين طبعًا) ونفس هذه النوعية من الوثائق هي من أكدت انتحار المشير مهندس نكبة 1967، مثلما أكدت انتحار رحمه الله في محبسه أيام الرئيس المخلوع (أكرر.. المخلوع!)

ثم ما لبثت أن تكررت مثل هذه الحادثة في الإسكندرية وسقط على أثرها بضعة سياح إسرائيليين، إلا أنّ العسكري هذه المرة كان أكثر خبثا -والله أعلم- فأدعى أنها كانت بالخطأ (لا يريد الوقوع تحت أيدي الاستشاريين النفسيين إياهم وتقاريرهم طبعًا) في حين لم يهتم ولم يكترث غالبية زملاء هذا الفرد في الإسراع الواجب والمطلوب في هذه الحالة في استدعاء الإسعاف وسط صيحات السياح المدنيين العزل الأبرياء “ضيوف مصر” (كما يسميهم من “لا يسمي”) وهو يصيحون “امبولااانص امبولاانص” (أي إسعاف.. إسعاف!)

اثبت إنك لست أرنبًا

وهنا لاحظت التباكي المدني العلماني الوطني القبطي (المخلص جدًا) على السياحة الإسكندرانية التي ستخسر بسبب هذا الفعل الإجرامي الأحمق الخطير والمدفوع طبعًا بالـ”ثقافة الإسلامية” كما هو معلوم بالضرورة!

وهذا دفعني للتشكك في إنسانيتي وذهب بي التفكير إلى إنني ربما كنت أرنبًا، إذ كيف أكون إنسانًا وفي نفس الوقت متأثرًا بالثقافة الإسلامية أو بالخطاب العروبي الناصري الحقير وارتضي بهذا الإجرام؟

هل تعلم أن الأرنب أصله خرتيت؟

وهنا تأملت..

ما موقف من جرائم الحرب السادية ضد أطفال سواء في مدرسة بحر البقر أو المستشفى المعمداني؟ أو من السير بالدبابات على أجساد الجنود المصريين الأسرى في ستينيات القرن العشرين (التي لا أعرف بالمناسبة لماذا تم دفن تلك القضية.. قضية “تعذيب” الجنود المصريين حتى الموت.. هل الثقافة الإسلامية السبب؟ أم الخطاب العروبي الخطير؟)

أعني.. ماذا يقول الطب النفسي عن شارون وشامير ونتنياهو ومن حولهم؟ وماذا قال عن حوادث مماثلة حدثت في جنوب إفريقيا والهند وبريطانيا، بل واليونان وتركيا وأرمينيا؟ وهل التقارير الحكومية مصدقة عامة من معظم كتقرير سليمان خاطر؟ هل تقارير حادث كنيسة القديسين مثلًا مصدقة؟

لست أرنبًا ولا خرتيتًا.. لكن خنزيرًا

بلاش..

كل حادث طائفي تقول تقارير الطب النفسي أن ورائها مريض عقلي..
هل من يرددون هذا الكلام ويصدقونه هم أيضًا ليسوا إناسًا ومحتاجين لإثبات إنسانيتهم ونفي خنزرتهم؟

هل تصدقها أنت أيضًا يا صديقي؟

العداء بين الأرمن والأتراك تاريخي، وكذلك ما بين الأتراك واليونانيين، وفي أماكن كثيرة، ولم ينتهي بأي اتفاقيات أو معاهدات سلام تمثيلية أو مسرحية درءًا للمشاكل وحقنا للدماء، مثلما حدث مع بريطانيا أو فرنسا أو حتى إيطاليا أيام الاستعمار.

وبعض الصراعات تاريخية ولا تنتهي بنهاية الحرب، سواء شئنا أم أبينا، وقضية فلسطين قضية إنسانية، ليست إسلامية ولا عربية فحسب، ولو كره اليمين الإسلامي والمسيحي المتطرف في مصر!

كثيرون يحتاجون لإثبات إنهم إناسًا، ولن يقدروا، فالمسالة ليست مجرد علامة صح يخطونها في مربع تأكيدي..

لاء.. أعمق..

ربما لست خنزيرًا.. فهل أنت نعامة؟

من يغار على السياحة بسبب الحادث المأساوي المؤسف الذي سقط فيه مدني إسرائيلي “بالخطأ” (كما توضح التقارير الحكومية التي جعلت سليمان خاطر مريض عقلي، مثلما جعلت قاتل أبونا مينا عبود “مثلا” أيضا مريض عقلي) هل سيغار عليها أيضا لو كان الضحية مثلًا أفغانيًا أو إيرانيًا أو خليجيًا؟

أم السياحة في مصر لا تتأثر سلبا غير بموت الصهاينة الخطأ، بينما تقف شامخة بموت الإيطالي “العمدي”؟ مثلًا؟

لماذا لم تتأثر بقصف السياح المكسيكيين المسيحيين الكاثوليك بوابل رصاص المروحيات العسكرية الخطأ منذ عدة سنوات؟ (بالمناسبة لا أعلم كيف يكون خطأ هنا!)

يبدو أن إثبات الإنسانية صار عملًا معقدًا بالفعل!

يبدو أنه ليس نعامة..  الظن الآن أنك ذكر السلبندر الأمريكي

هل من يتعجب من كراهيَة “العرب” للمحتل الأجنبي و”تسامحهم” مع “المحتل العربي” كما يقول، سيتعجب عندما يجد في الولايات المتحدة عراقيين وأفغان وإيرانيين وكوبيين أيضًا، أم لا يشغله سوى “التمييز في الكراهية” من المصريين أو العرب تجاه المحتلين، بسبب “دين” هذا المحتل؟

ثم كثير من هؤلاء “العرب” هؤلاء تعاطفوا مع فلسطين مثلما تعاطفوا مع مسيحيو العراق والأيزيديات؟

للأسف مصر لا تستطيع التعامل مع بعض القضايا “العروبية” سيئة السمعة لدي كثير من الأقباط الذين غُرر بهم.
كما لو أنها النمسا مثلا أو زائير، وهذا هو قدرها السيئ الذي هي متورطة فيه حتى لو لم يولد (الذي أراه قتل مصر بالمناسبة.. ولكن لهذا حديث آخر).

اثبت إنك إنسان ووجه كلمة إلى سرب البوم

أستبعد وأستنكر أن تخوض مصر أي حربًا بالنيابة أو الوكالة عن أحد، وما تستطيع القيام به غالبا ستفعله، وهي لا تستطيع ولا تقبل بتوطين الفلسطينيين في سيناء أيًّا كان دينهم، ولن تنجر لأي حروب مع الكيان الصهيوني ثانيًا بأمر الله، ولديها مشكلة كبيرة جدًا في المياه والكهرباء والغاز وربما قريبًا الخبز (لا قدر الله) وعُملتها “في النازل”، بفرض حتى وعرض عليها مائة مليار دولار (على الأقل هذا ما أتمناه وأصلي من أجله مثل عشرات الملايين من المصريين).

وأخيرًا.. إن كنت استطعت إثبات إنني إنسان

فأقول أن المقاومة المسلحة من الفلسطينيين ضد إسرائيل سواء كانت من حماس أو أو أي كيان، سواء كان أصلًا إرهابي أو لا.. هي شيء متوقع ومفهوم، لأن هذا شأن الحروب والاحتلال والمقاومة بالطبيعة!

ونعم..

في غالبية الوقت يسقط المدنيين من جميع الجوانب ضحايا لهذا الصراع وفي كل صراع سواء في أوكرانيا، في روسيا، في غزة، في تل أبيب، بل حتى في الحروب العالمية الأولى والثانية!

تستهجنه أنت أو تقبل به..
هذا شأنك، لكن شيطنة أو أسلمة قضية فلسطين (ورص جنبها مفردات “فتح” و”حماس” و”الأقصى” و”القدس” وغيرها) وكل هذه الفوبيا الإسلامية متوقعة من البعض (سواء في الداخل أو الملاجئ الدينية بالخارج وما أكثرهم) لكن المستفز حقا فعلا هو “أنسنة” أو “تبرئة” الصهاينة من بعض آخرين أيضًا من غلاة الإيمان المسيحي “القويم” بمصر!

وهذا بالمناسبة لا علاقة له بخطاب عروبي أو ليبرالي أو علماني أو قبطي “غروبي!”

وأخيرًا وليس أخرًا..

آن الأوان لرحيل حماس عن سدة الحكم الفلسطيني..

ولكن حتى إن رحلوا، فالأمن الإسرائيلي (ويشمل المواطنين المدنيين العزل) سيبقى من الْآنَ فصاعدًا على المحك..
ولكن لهذا الحديث مقال أخر..

وللكلام بقية إن كان في العمر بقية!

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

اثبت إنك إنسان! 1
[ + مقالات ]