Search
Close this search box.
يوجد في الطب تعبير علمي شهير جدا، ألا وهو False Positive أو الإيجابية الزائفة (أو الكاذبة) مثل أن تكون نتيجة اختبار كورونا "إيجابية، وإيجابية هنا معناها "مصاب"!! وهي تشبه قليلًا التعبير شبه السينمائي الذي رأيناه كثيرًا في الدراما، على لسان طبيب أمراض النساء وهو يصعق به زوجة تتوهّم الحمل: "للأسف، الحمل كاذب!" إلا أنها في واقع الأمر ليس كذلك، هي وكأن تقول لمريض إنك بخير وهو ليس على ما يرام!

العجيب أن الطب يعترف بما يسمى بالبلاسيبو (أو العلاج بالإيحاء) وهو تكنيك اُستخدم منذ عقود بنجاح غريب مع كثير من مدمني التدخين مثلًا، وساعدهم في الإقلاع عنه فعلًا، عندما تم إقناعهم قديمًا بالـ”لصقة الطبيّة السحرية” التي ستساعدهم في التعافي من آثار الانسحاب من الجسم ومقاومة احتياج الجسم للنيكوتين!

وربما كثير من اللصقات الطبية حاليًا بها مادة ما، يمتصها جلد المدمن، وقد تساعده في التعافي، وذهب بعض استشاريو الموارد البشرية الكبار (أو كما يسميهم البعض: أهل الشر!) ومعهم خبراء العلاقات العامة، وكبار المسوقين بدول العالم الأول، في الترويج لهذا المعنى بشكل غير مباشر، إذ اعترفوا بحيلة نفسية غريبة قليلًا، ألا وهي تصنّع الأمر حتى تصل لمبتغاك أو Fake it till you make it بالإنجليزية، والمثير للسخرية أن كثير من البشر ساروا في هذا الطريق المعوج ونجحوا فيه على المدى القصير والمتوسط، وبعضهم كان أكثر حظًا ونجح في الموضوع على مدى طويل “نسبيًا”.

مثلا نجح رجل مثل رفعت الجمال (أو رأفت الهجان) في خداع آلاف من البشر لعقدين من الزمان داخل المجتمع الصهيوني العالمي (ومن ضمنهم زوجته الألمانية الكاثوليكية وأبناءه) وأقنعهم بأنه إسرائيلي متشدد ولا أقدر ممثل ي، حتى وصل الأمر لترشيحه -من قبل نجوم الشارع السياسي الإسرائيلي- لتولي حقيبة وزارة السياحة في إسرائيل، ولولا جزع المخابرات المصرية من افتضاح أمره (وهو أمر كان شبه مؤكد) والتشديد عليه برفض الموضوع برمته وبشكل قاطع، ربما كان وصل لأبعد من ذلك!

وهذا كان إثباتًا عجيبًا وغريبًا لكيفية نجاح طرق التصنع والتظاهر والادعاء -بالذات في أخر 50 عاما- في وصول صاحبها ظاهريًا لهدفه الدنيوي بامتياز، على أن يقوم صاحبه هذا “المُفبرك” وفي غفلة من الزمن بمناورة طموحة متأخرة لترميم مشاكله الشخصية، وترقيع عيوبه، وضبط مواضع الخلل الكثيرة بنفسه الفقيرة (بعد الوصول لهدفه طبعا!).

ترى هنا صديقي مثلًا كيف وصلت الوطنية الكاذبة بصاحبها النصاب أو الجاسوس لمراحل متقدمة من النجاح في ميادين العمل والدراسة وحتى الخدمة الكنسية، التي أتت بثمارها الشهية و”البهية” في ميادين النساء والسلطة والأعمال التجارية، والمجالس الملية والإكليريكية!

فلا عجب إن تسائل المرنم مشدوهًا ومصدومًا وهو يخاطب الرب معاتبًا ومغتاظا: “لماذا تنجح طرق الأشرار؟”.

ربما لأن هؤلاء الأشرار بلغوا حدًا متميزًا في الكذب والادعاء والتصنع والفبركة بحيث أفلحوا فعلا في الكذب على ذواتهم قبل الآخرين، وقديمًا قال “جوبلز” وزير دعاية “”:

اكذب واكذب واكذب حتى تصدق نفسك!

(بول جوزيف جوبلز)

حيلة نفسية أخرى يلجأ لها البعض الآخر وربما بإيعاز من بعض الأطباء النفسيين أو ربما حتى مدربين الحياة (أو أيًا كان اسمهم!) هي صنع هالة أو فقاعة وهمية متفائلة ذاتيًا كل يوم صباحًا، واعتقال النفس فيها!

وتبدأ فصول تلك المسرحية فجر كل يوم بالكذب على الذات و”التحوير” على النفس، والتفاؤل القهري وترديد كلمات مسرحية طنانة جوفاء على مسمع من النفس قبل الآخرين مفعمة بالإيجابية الزائفة، أو الإيجابية الكاذبة.. الـFalse Positive..

أنا حامل يا ممتاز.. أخيرًا، قالتها “سهير البابلي” لـ”أبو بكر عزت” في مسرحية الدخول بالملابس الرسمية، قبل أن يباغتها الطبيب المزيف المصطنع “سامي فهمي” قائلًا بكل غشومية: مبروك يا هانم.. الحمل طلع كاذب!

الواحد يشد نفسه.. ويبص لنفسه في المراية كل يوم، ويقول لنفسك أنا كويس.. أنا بمب.. أنا زي الحديد.. 3 مرات قبل الأكل.. وها يلاقي نفسه زي الحديد..

(الفنان “نظيم شعراوي” في فيلم: النوم في العسل”)

قالها أيضًا الفنان “نظيم شعراوي” بقوة في فيلم “النوم في العسل” (الذي كان يمثل دور “وزير الصحة!”) كحل سحري للتغلب على الكارثة الجماعية التي أصابت رجال الشعب المصري جميعًا في وقت واحد، منددًا بأعداء الوطن الذين يريدون إلحاق الشر والأذى لهذه الأمة “الفتية!”.

وعلى سيرة الصحة، لعل الموضوع يذكرنا بالكفتة والإيدز وطرق العلاج السحرية بالإيهام والإيحاء، التي لم ولن تفلح، ولم تكن أبدًا كما قال لي صديق ناصري من مصممي الجرافيك: “حيلة لوذعيه للتفاوض مع شركات الأدوية العالمية لخفض سعر الدواء!”

انتهى د. عبد الظاهر في المسرحية وهو يبكي: للأسف يا نشوى هانم أنا اللي طلعت كاذب.. مش الحمل، وانتهى وزير الصحة في فيلم النوم في العسل بضياع سمعته وكرامته المهنية للأبد، وتوفى المعالج الروحاني بالقرآن السيد الدكتور اللواء/عبد العاطي وهو يهرب، في آخر أعوام عمره، من نظرات وهمزات ولمزات الناس الساخرة والمتهكمة، المشيعة بعبارة أديهوله في هيئة صباع كفتة يتغذى عليه، وهو ده قمة الإعجاز العلمي. تطارده في كل مكان.

صديقي.. يمكنك بالفعل أن تتصنع وتدعي وتتظاهر بالإيجابية الكاذبة، مثل من يدعي الوطنية الكاذبة لأنه يرى فيها مصلحته النفسية المباشرة، ومثلما يرى ذاك الجعجاع الوطني مصلحته المادية والدعائية المباشرة.. ويمكنك أن تَقُولُ:

إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ

(سفر الرؤيا 3: 17)

إلا أن الأمر لن يقودك في أخر الأمر إلا للانتحار -لا قدر الله- أو للجنون ولو بعد حين.

ثق إنه من المؤكد إنك ستجد حلًا، هنا أو هناك، ومعنى، وداع للتفاؤل الحقيقي والإيجابية الصادقة غير المصطنعة ولا الزائفة، وليست تلك النابعة من مخدر مضاد الاكتئاب أو المهدئ الذي يكتبه لك أي طبيب نفسي، لكن من تجاربك أنت، ومن نفسِك القديمة مع الله، أو حتى من تجارِب الآخرين.

وثق أيضًا إنك، يومًا ما، ستقع أيضًا تحت يد من سيمثل عليك ويتظاهر بما ليس فيه، كي يصل لهدفه منك كما تفعل أنت مع نفسك والآخرين، فلا تأخذ طريق الأشرار كي تنجح كما نجحوا، وإن لم تجد ما يستدعي تفاؤلك وإشراق شمس الأمل والرجاء في سماء حياتك اليوم، فاستمر في البحث والسعي والتنقيب، وأنا شخصيًا متأكد أنك ستجد -وقريبًا جدًا- نورا مبهرًا بنهاية هذا النفق النفسي والسياسي المظلم!

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟