وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ

(رسالة بولس إلى غلاطية 4: 4)

إن الذين لهم علاقة حياة في إنجيل المسيح ”كلمة الله“ الحي خلال سنوات العمر، فإنهم بلا شك قد اختبروا أشياء توقف أمامها فهمهم سنوات، ولكن ظلوا منتظرين انعطاف الروح القدس والنعمة الإلهية عليهم بانفتاح وعيهم على مفاهيم ليست من هذا العالم ”ورأيت بابًا مفتوحًا في السماء“.

إن عبارة ”ملء الزمان“ كانت وستظل إحدى هذه الخبرات منذ أن وعيت على قراءة الكتاب المقدس. كم توقفت أمامها حائرًا مترجيًا المعنى. ويتحنن الرب بين الحين والآخر بفهم يتناسب مع حالة الإنسان عندما يقرأ.

اليوم انتبهت إلى أن الملء عكسه الفراغ. فالزمن المخلوق يجري من تحت أقدام الإنسان وسرعان ما تأتي نهايته. ولكن ها هو الرب اليوم في هذه الآية قد جاء إلى الإنسان بما يخالف ما أعتاد عليه، جاء بالملء والامتلاء، وليس الفراغ والانتهاء. إنه مفهوم جديد للزمن لا مثيل له عند البشر. فقد أعتاد البشر على معنى وحيد للزمن قال عنه الكتاب”إن الأيام مقصّرة “، سواء كان مقصَّرة بفتح الصاد: أي أن العمر مهما طال فهو أقل مما ينبغي. فالإنسان لا تكفيه سنوات العمر. أو كانت مقصِّرة بكسر الصاد: أي إن الإنسان سيظل غير راضٍ عن تقصيره خلال سنوات عمره، وسنوات عمره لم تحقق له طموحات كان ينشدها.

وأمام هذا المفهوم السائد للزمن، كانت نصيحة الكتاب المقدس: ”مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة“. نحن هنا أمام توصيف إضافي للزمن بأنه شرير. فأين الخير الذي يجنيه إنسان من عمر يجري به ويجري هو وراءه لاهثًا. ليجد في النهاية أن أيامه كانت مقصّرة بفتح وكسر الصاد.

لذلك كانت دعوة الكتاب أن يفتدي الإنسان عمره وزمنه!! والفداء أو الافتداء يتضمن أن يعوض المرء عن شيء مقصر بشيء آخر غير مقصر. وربما المثال الشائع في علم الاستثمار والاقتصاد هو أن يفتدي الإنسان العملة النقدية التي تتغير قيمتها أو تضمحل أمام متغيرات لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها، بأن يحولها إلى غطاء من الذهب معروف أنه يحتفظ بقيمته عبر العصور ولا يضمحل. هنا نأتي إلى معنى ”ولكن لما جاء ملء الزمان“.

إن له المجد كان إيذانا أنه قد تحقق هذا المفهوم فجاء هذا الفداء والافتداء للزمن، ووجد الإنسان ما يفتدي به ما سوف يضيع منه بحيث أن ما كان يخاف عليه أنه سينتهي ويفرغ ويضمحل ويزول، فإنه سيؤول إلى ملء وخلود لا يفنى ولا يضمحل بل محفوظ في السموات. هذا هو الزمن غير المخلوق الأبدي.

فميلاد المسيح هو بداية زمان الأبدية أو ملء الزمان الذي يختلف في قياساته عن الزمن المخلوق الذي تقيسه الساعة وكلما جاءت عقاربها إلى الثانية عشرة عادت إلى الصفر مرة أخرى. إن ملء الزمان هو تعبير يحمل فيه حقيقته أنه لا ينتهي. لأن ملأه فيه، بل هو الاستمرار نفسه. إنه الملء الذي لا يأتيه نقصان. و كل ما مرَّ به لم ينقض بل هو إضافة. فهو من ملءٍ وإلى ملء ”ونعمة فوق نعمة“.

طرحت فكرة على أحدهم فقال لي: ”أنت مش عارف عمرك قد ايه؟“ بمعنى أن ما تقترح عمله، هو للذين يصغرونك سنًا، لأنه لم يعد في العمر بقية. ولكني الحقيقة لم أشعر بثقل العبارة أو عدم لياقتها وكأنها لا تخصني. ليس هذا معناه أن يعيش الإنسان ”متصابي“ أي يتصرف كصبي في حين وهو متقدم في العمر فيلبس ما لا يليق بعمره … ألخ، ولكن ما أعنيه هو ما يعنيه الكتاب في قوله ”يُجدِّد مثل النسر شبابك“. أو ما تمناه الشاعر في أغنية أم كلثوم ”حبك شباب على طول“.

والسبح لله،

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

ملء الزمان 1
[ + مقالات ]