من إمتى أبوكي بيبعت لك فلوس؟

جلس العقيد “هشام” على الأرض يسحب أنفاسًا من سيجارته بعمق ثم ينفث دخانها الساخن في ضيق في فضاء الغرفة، وهو يقلب أمامه أوراقا متناثرة على الأرض، في حين إن “منى”، زوجته، كانت منشغلة بإعداد الغداء بالمطبخ.

لا تمضي لحظات حتى تفتح “منى” باب جهاز التسجيل الصوتي القديم الجاثم على رخامة المطبخ، وتسقط فيه شريطًا غنائيًا لعبد الحليم حافظ، وتغلق خلفه الباب وتدير زر التشغيل، فيصدح صوت العندليب عاليًا منه وهو يغرد “يا مغرمين.. يا عاشقين”.

بعدها بلحظات قليلة يجد سيادة العقيد ورقة ضالة أطاح بها هواء النافذة على الأرجح، بجواره على الأرض، فسقطت وسط أشياءه، يفضها سريعًا بفضوله الأمني المجنون، فيجدها حوالة بريدية مالية، فيمسك بها ويقوم غاضبا ويندفع صارخًا نحو المطبخ وهو يسأل زوجته منى بصوت عالٍ “ايه ده؟!”

الكروديا!

تبتلع ريقها وتشيح بوجهها بعيدًا نحو “البصل” التي تقطعه، ثم تبلغه إنها حوالة بريدية بخمسين جنيهًا أرسلها لها والدها: “دي حوالة بخمسين جنيه بعتهالي بابا!”
و..

ويبدأ المشهد الرئيسي الأيقوني في أحد أهم أفلام الإمبراطور أحمد زكي، “زوجة رجل مهم!”

“والله عال! من إمتى أبوكي بيصرف عليكي؟ بقينا بنشحت؟! بقيت كروديا؟!”

لمن يرمز أحمد زكي؟

رأيت في “أحمد زكي” لحظتها “محمد ” مثلما رأيت في “ميرفت أمين” -زوجته، “منى”- مصر (بشكل رمزي)، خصوصًا إنني كنت أشاهد هذا الفيلم الرائع في عام 2011، ورأيت بعين الخيال كيف وقف حسني مبارك في هذا المشهد “يبيع” و”يشتري” في مصر، ويعايرها بإنجازاته وبطولاته وعبوره واستقراره و.. و..

ثم بعد ذلك ذهبت من وراء ظهره لـ”تتسول” من “الأغراب”

لمن ترمز ميرفت أمين؟

“ميرفت أمين” بالنسبة لي كانت ترمز لمصر التي شاخت وجاعت ومرضت قبل أوانها، نتيجة زواجها من “بطل الضربة الجوية” التي فتحت باب اللا مؤاخذة “الحرية” الذي أغرقها بغشامة في الديون والهموم والفشل والترهل الإداري وتركها فريسة للبلطجية واللصوص والإرهابيين (بالنسبة لمقاييس وقتها طبعًا، ليس بالنسبة لنا اليوم فهي غارقة في النعيم ولله الحمد والشكر!)

لمن ترمز زيزي مصطفى؟

بعد أن تطاير الشرر من العقيد “هشام”، وبات عليه الاستعداد للفتك بها، جرت “منى” نحو شقة جارتها “سميحة” [زيزي مصطفى] التي طالمَا استضافتها عندها، ورأيت في “سميحة” نفس إقبال “مصر” على حضن الجماعة الإرهابية الأشهر في تاريخ العرب -وربما العالم- جماعة الإخوان، طبعا لم يقصد لا المخرج ولا المؤلف ولا “أحمد زكي” هذا، لكنني رأيت كل هذا بعين الخيال لسبب ما لا أعرفه، خصوصًا إن “سميحة” في الفيلم، كانت متمرسة في لعب القمار وعلمته لـ”ميرفت أمين”، “منى” أو “مصر”.

وهو يشبه حد بعيد فعلًا ما عملته الجماعة مع الشعب المصري، إذا علمته المقامرة الخاسرة وأقنعته بممارستها كهواية لتسرية الوقت وخسرته فعلًا العمر والصحة والمال والعقل!

وما لبث أن أدمن الشعب [أو منى] مخدر الإخوان [أو سميحة] بالفعل..

أين تذهب هذا المساء؟

يرتدي العقيد المهزوم “هشام” ملابسه ويذهب مساءًا للجماعة الإرهابية لاسترضاءها وينجح فعلًا. ثم يسلم “سميحة” وزوجها للشرطة بسلطته ونفوذه، بتهمة استغلال العقار في ممارسة لأنشطة المخالفة للقانون كالقمار. ويخرج “هشام” مع “منى” لتناول العشاء الفاخر مساءًا كنوع من المصالحة والترضية، وبعد أن تعود معه، تجد أن شقة [الإخوان] تم تشميعها بالشمع الأحمر، وألقي بهم في غياهب السجون حيث مكانهم المفضل.

وتتوالى الأحداث..

فيلم: زوجة رجل مهم

يسرد الفيلم سيرة حياة ضابط أمن دولة، يتظاهر بالطيبة وهو شيطان مريد، يتزوج إنسانه جميلة ورقيقة، ويذيقها هي وأسرتها من العذاب ألوانًا، تقوم ثورة (أو انتفاضة) 1977 فتطيح به ومن معه وأصحابه أجمعين لمزبلة المعاش الإجباري المبكر، فيسقط في دوامة إنكار عنيفة جدا.

أين عقلي؟ أين قلبي؟ وأين الكرسي؟

لا يصدق.. لا يريد.. يستأجر سائقًا.. يظهر للجميع كذبًا أنه ما زال في السلطة.. لا يجد لنفسه عملًا لائقًا.. تنفذ منه النقود وتجوع معه “منى” [أو ميرفت أمين]، [أو مصر].. يفقد 90% من امتيازاته.. تدب الخلافات بينه وبين مصر.. تطلب مساعدة أبيها.. فيرسل لها المعونة.. يكتشف مبارك الأمر.. تثور ثائرته.. ويعتبر أن “منى” تأخذ تمويلا من الخارج لقلب نظام الحكم عليه، وتحاول “منى” الهرب مع والدها.

أنا أو الفوضى.. أنا أو داعش

يستل “مبارك” مسدسه ويطلق النار على والد “منى”.. تنهار “منى” وتبكي وتهجم على “هشام”، الذي يدرك أن النهاية حانت.. ويقرر التنحي بعد أن قضى تمامًا ونهائيًا على مصر وشعبها.. فيطلق الرصاص على نفسه.. ويسدل “محمد خان” الستار على الفيلم الرائع الذي هز دور العرض السينمائي بمصر منذ 35 عامًا، ومثلها بجدارة بمهرجانات دولية حقيقية وكبيرة: أفضل تمثيل..

الخلاصة في الباكيتة

ويبقى السؤال.. ترى هل بعد خمسون عامًا أو أقل من أحداث الفيلم العظيم، هل سيكرر العقيد “هشام” أو أيًا كان اسمه.. أخطاء فيلم: زوجة رجل مهم؟

100 مليون صحة

أعتقد من يستطيع منع كوارث المستقبل، يحتاج لقراءة التاريخ الفني والسياسي للفيلم، وأخذ خطوات في الحاضر..

حفظ الله ميرفت أمين..

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية!

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

دي حوالة بخمسين جنيه بعتهالي بابا! 1
[ + مقالات ]