يعتمد هذا المقال على ما كتبه العلامة الدكتور بباوي الذي جاء بقولين لإثنين من آباء الكنيسة القديسين:
“نحن نولد من الله ونكون أبناء له، ولكننا نولد منه في كل قول وفعل، أي نصير ما نحن عليه (أي نصير أولاد الله)”
(العلامة أوريجينوس)
“ما معني الشركة؟ نحن الجسد نفسه. ولكن ماهو الخبز؟ هو جسد المسيح. وماذا يصبح الذين يشتركون؟ يصبحون جسد المسيح، ليس أجساداً كثيرة، بل جسدٌ واحدٌ”
(القديس يوحنا ذهبي الفم)
وللتفسير نقول إن الكنيسة بكونها جسد المسيح -إذ إن الروح القدس في سر المعمودية يزرعنا في الطبيعة الجديدة للإنسان التي تأسست في المسيح يسوع “لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ” (هو جسد المسيح) (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس الأولي 12: 13)، فإن الكنيسة أيضاً تكون إلى ما هي عليه -أي تكون جسد المسيح- بأن تشترك في جسد المسيح بالإفخارستيا: ”مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيَّ وأنا أكون فيه“.
وكأني هنا أري الإنسان هو من جسد أمه جنيناً في أحشائها، ثم يشترك في لبن ثدييها لينمو ويكون مثلها، بالرغم من أنه منها.
كذلك مؤمني الكنيسة يشتركون في جسد المسيح من خلال سر الإفخارستيا، إذ هو نمو للاتحاد الذي بدأت منه الكنيسة كيانها، لكي ما يكون لها دائماً ملء المسيح كلما أتسعت تخوم أبنائها في نموهم الروحي.
لذلك يبدأ القداس الإلهي بما ينتهي إليه وهو بنيان الكنيسة جسد المسيح : “مجداً و إكراماً للثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس سلاماً وبنياناً لكنيسة الله“.
ما تقدمه الكنيسة على مذبحها الإلهي ليس مرادفًا أو مشابهًا لما يقدمه الوثنيون أو إسرائيل العهد القديم. هم كانوا يقدمون ذبيحة لا علاقة لها بهم. أما ما نقدمه نحن الكنيسة فهو مختلف جذرياً لأنه ”شركة“. لهذا فإن سر الإفخارستيا هو سر ”الشركة“:
فالشعب يقدم خبز وخمر يمثل بشريتهم وعصارة جهدهم وحياتهم على الأرض. والرب من السماء يشترك في تقدمتهم الناسوتية بحلوله لاهوتياً فيها. إن تجسد المسيح إلهنا ”الكلمة صار جسداً وحل بيننا“ لم يكن حدثاً زمنياً تمَّ وانتهي نحتفل به كذكرى عقلية كما يؤرخ له العالم، بل هو سرٌ يمتد ويستمر في حياة المسيحيين دون أن يتكرر ”ها أنا معكم كل الأيام“.
نحن نصلي في القداس قائلين: “هوذا كائنٌ معنا الآن على هذه المائدة عمانوئيل إلهنا حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. الجالس على كرسي مجده، الذي يقف أمامه جميع الطغمات السمائية“. واضحٌ أن الصلوات تربط بين جسد المسيح في سر الإفخارستيا وبين جسد المسيح إلهنا المولود في بيت لحم ”عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا “.
ما صنعه الرب له المجد في جسده الخاص ينتقل -بالإيمان والأسرار- إلينا بأن يزرعه الروح القدس في طبيعتنا البشرية فيصير ”جسد المسيح“ ليس بَعد جسدٌ خاصٌ به بل المسيح و الكنيسة. لذلك لا تفرقة في اللاهوت الأرثوذكسي بين جسد المسيح المولود في بيت لحم الذي ارتفع على الصليب، وبين جسد المسيح في الإفخارستيا، أو بين الكنيسة جسد المسيح الذي احتوى الرب فيه كل المؤمنين به في الأرض والسماء.
في الإفخارستيا نحن لسنا أمام ذبيحة مثل العهد القديم أو كما عند الوثنيين، بل هي شركة بين ما يقدمه الشعب -كنيسة الله- بشرياً وبين ما يقدمه المسيح لاهوتياً بواسطة روحه القدوس وحلوله وعمله في الخبز والخمر حتي يجعله جسداً مقدساً ودماً كريماً له.
واشتراكنا بالتناول من سر الإفخارستيا هو تأكيد لكينونتنا في بشرية المسيح إلهنا: ”مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيَّ وأنا أكون فيه“. وتردد صلواتنا قول الرب هذا فنقول في القداس الإلهي:
“لكي إذ طهرتنا كلنا تُوحِّدنا بك من جهة تناولنا من أسرارك الإلهية”
(القداس الباسيلي)
“لكي إذ نتناول بطهارة من هذه الأسرار نصير شركاء في الجسد وشركاء في الشكل وشركاء في خلافة مسيحك”
والسُبح لله.
بقلم د. رءوف إدوارد
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟