لقد أنعم الله علي الإنسان بالإرادة الحرة في تقرير مصيره، إذ أعطاه حرية الاختيار أن يحب الله ويقبله ويسعى إليه مثلما أحب الله الإنسان وسعي في تدبير خلقه ”نحن نحبه لأنه أحبنا أولاً“.

من أجل هذا خلق الله في جنة عدن بالأرض وليس في السماء لكي يمارس الإنسان حرية إرادته بالاختيار الحر أن يستمر في مجال حياة الله ثم يدخل ملكوت السموات وينال نعمة ”الخلود“ وحياة الأبد عند الله.

كانت طاعة الوصية هي المجال والوسيلة للإنسان لممارسة حرية أرادته بأن يأكل أو لا يأكل من ”شجرة معرفة الخير والشر“ في جنة عدن، ليكون له أن يدخل بملء أختياره الحر إلي مجال حياة الله في ملكوت السموات. وقد أشار الوحي المقدس في سفر التكوين إلي هذا الاختيار  السعيد للإنسان عن الأكل من ”“ ليحيا الإنسان إلي الأبد.

كان الله إيجابياً بتقديم العون والسند لحرية الإنسان وأرادته خلال مرحلة الاختيار هذه. فلم يترك الله ذاته بلا شاهد أمام أختيار الإنسان الحر. فكان إستعلان ذات الله منذ البدء بواسطة حلوله في الخليقة و في داخل كيان الإنسان نفسه: ”فإن أمور الله غير الُمدرَكة، مُدرَكة منذ البدء في المصنوعات“.

وينبغي التنويه أن حلول الله في الخليقة لم يكن حلولًا جوهريًا لله. فالخليقة أصلها من العدم وليست من جوهر الله، وبذلك فإن كيانها مختلف عن كيان الله:

– فالخليقة لها وجود زمني، غير واجب الوجود، بل متغير ومحدود وله نهاية.
– بينما كيان الله هو أبدي، واجب الوجود، ثابت، مطلق، وله الخلود.

هذا معناه أن الخليقة لا تستمر في وجودها ذاتيًا بقوتها الذاتية لأن لا أصل لها، بل هي من العدم. واستمرارها هو بسبب قوة من خارجها يمنحها الله علي سبيل النعمة المجانية.

إن علم اللاهوت المسيحي يرفض ما يُسمَّي ”الحلول الإلزامي لله“ ومعناه حلول الله بجوهره وبطبيعته في جوهر الأشياء المادية كعِلَّة لوجودها ودوامها. فهذا معناه  تأليه الكون ويعطيه صفة الأزلية.

ولكن لله حضوره الكلي في العالم منذ تدبير الله لسر الخلق الذي يسميه علم اللاهوت المسيحي ”الحضور الفعَّال لله“. فالله ”الآب“ خلق الإنسان/الخليقة ”بأبن الله / كلمة الله“ في ”الروح القدس“، دون أن يكون ”اللُّوغس/ كلمة الله / أبن الله الوحيد الجنس“ له أي تشابه طبيعي بينه وبين المخلوقات.

فوجود اللُّوغس في الخليقة والعالم بقوته وقدرته هو وجود المحرِّك الفعَّال المحيي، أما جوهره (كيانه الذاتي) فهو فائق عن كل العالم المخلوق.

فإن ”كلمة الله“ لا يحل في جوهر الأشياء المادية كعلِّة لوجودها ودوامها، ولكنه يضبطها تلقائياً من الخارج بالإرادة والنعمة. إن الوحي الإلهي في الكتاب المقدس يشير إلي الحلول الفعَّال للآب والابن في الخليقة قائلاً ”حامل كل الأشياء بكلمة قدرته“. وبالتالي فإن مفهوم ”الحلول الفعَّال“ في الخليقة يلغي مفهوم ”الحلول الإلزامي“ لله في الخليقة.

وقد تسبب عدم فهم هذا الأمر عند الهراطقة إلي اعتقاد خاطئ بضرورة تنزيه جوهر وكيان الله عن عمل الخلق أو التدني بالاتصال بالبشر. وهو ما يُسمَّي ”التنزيه الجوهري لله“.

هذا الفكر أنحدر بفهمهم إلي الاعتقاد بأن ”أبن الله“ هو مخلوق وسيط خلقه الله ليقوم بهذا العمل والاتصال بالبشر، وبذلك يضمنون تنزيه الله عن هذا التدني في نظرهم أن الله يخلق له العالم والإنسان. هذا كان مضمون هرطقة آريوس والة. والممتد حاليًا  في معتقدات شهود ومعتقدات بعض الأديان المعاصرة.

وبينما هم يبتدعون في تفسير كلمات الكتاب المقدس نجد أن العكس صحيح. فالوحي المقدس يعلن عن حب الله وأنه  قريبٌ من الإنسان بالحلول الفعَّال وليس بعيدًا عنه بالتنزيه. وذلك لأن فعل الخلق هو فعل إرادة الله وفيض نعمته، وليس أمتدادًا لكيانه أو جوهره. هذا هو إيمان المسيحية بكافة طوائفها.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

الحلول الفعَّال والحلول الإلزامي 1
[ + مقالات ]