”الناموس الكامل ناموس الحرية“.. ”ما جئت لأنقض بل لأكمِّل“.
وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ - نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ - وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ.
(رسالة يعقوب 1: 25)
ناموس الله كامل، لأن الله كامل:
”ناموس الرب كامل يَرُّد النفس“
(مزمور 19: 7)
فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
(إنجيل متى 5: 48)
ناموس الله كامل للكاملين
نفهم هذا عندما ينادي الكاهن على الشعب في القداس الإلهي أن الإفخارستيا الموضوعة على المذبح لا يتناول منها إلا القديسون: ”القدسات للقديسين“. فيعترف الشعب مع الكاهن أنهم غير مستحقين ولكن الرب يجعلهم قديسين ومستحقين بسبب تبرير وتقديس الثالوث القدوس لهم، فيقول الشعب: ”واحدٌ هو الآب القدوس، واحدٌ هو الابن القدوس، واحدُ هو الروح القدس“.
أما الإنسان فكان ينقصه الكمال، ويصل الإنسان إلى الكمال عندما تتحقق فيه صورة الله فيصير على شبه اللهبحسب وعد الله الصالح ”نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“ (عقيدة التأله Theosis)، لكن الإنسان لم يصل إلى الكمال بسبب تغربه عن الله بغواية الحية ”الكل زاغ و فسد وأعوزهم مجد (كمال) الله“.
لذلك تجسد المسيح وتمَّم في ناسوته الكمال للإنسان، وقد أشار الرب إلى هذا عندما اعتمد على يد يوحنا المعمدان وقال له ”أسمح الآن لأنه ينبغي أن نكمِّل كل بر“. ثم أشار إلى منح بره وقداسته للمؤمنين من خلال اتحادهم به ”من أجلهم أقدس أنا ذاتي“.
”ما جئت لأنقض (الناموس) بل لأكمِّل (نقص الإنسان)“، هكذا تصف رسالة يعقوب الرسول ناموس الله أنه ”الكامل“ دون تفرقة بين عهد جديد وعهد قديم. نعرف أن خلاص المسيح وهب لنا الحرية من موت الخطية. فالمسيح له المجد لحظة ميلاده لبس طبيعتنا الإنسانية، فهرب أمام وجه لاهوته الموت الذي كان مُمسِكاً بها. وليس من فراغ أن هتفت ملائكة السماء لحظة ميلاد المسيح ”المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسر..ة اليوم حصل خلاص لهذا الشعب“.
هذه حقائق إلهية/ إنسانية أوجزها الوحي هنا في رسالة يعقوب الرسول عندما وصف ناموس الله أنه ”الكامل“ دون تفريق بين العهدين. فإن كمال الناموس ليس بجديد، ولكن الجديد هو كمال الإنسان عندما نال نعمة الحرية من موت الخطية فأنفتح له باب الكمال باتحاده بالمسيح القدوس. هذا سر إضافة وصف ”الحرية“ لناموس الله في العهد الجديد بينما التصق وصف ”العبودية“ بناموس الله في العهد القديم لأنه تعامل مع الإنسان عندما كان في عبودية موت الخطية قبل خلاص المسيح، وليس أن ناموس الله كان يستعبد الإنسان بل إن الإنسان كان مٌستعبد تحت موت الخطية.
”وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ“، إن العمل بالناموس كلمة الله في العهد الجديد لا يعتمد على قدرة ذاكرة الإنسان للوصايا بالمقارنة لممارسات العهد القديم التي لاحصر لها ليتذكر الإنسان وصايا الله. فالإنسان لا ينسى أن يتنفس والقلب لا ينسى أن ينبض والمعدة تطلب الطعام بانتظام، فضمان عدم نسيان أمر يتطلب أن يكون من صميم طبيعة الإنسان وفي لحمه ودمه فلا ينساه. هكذا صارت ”كلمة الله“ في العهد الجديد. فوصفها ق. يعقوب الرسول بأنها ”الكلمة المغروسة فيكم“.
ونحن في سر الأفخارستيا نشترك في ”قداس الكلمة“ أولاً حيث نسمع القراءات ثم نتحد في ”كلمة الله“ كيانياً بالاتحاد في سر جسده ودمه الأقدسين في قداس المؤمنين. بالتالي فإن الحياة المسيحية ليست تعاليم نسمعها ونحاول ألا ننساها، بل هي المسيح فيكم“، وهذا هو عمق قول الآية ”عاملاً بالكلمة“، أو بتعبير آخر إن المسيح يعمل فيكم ليس بقدر ما تتذكرون نص وصاياه بل بقدر ما أنتم متحدون بشخصه
”لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِن أَجْلِ الْمَسَرَّةِ “
(رسالة بولس إلى فيلبي 2: 13)
ولم يكن الأمر كذلك في العهد القديم حيث كانت ”كلمة الله“ مكتوبة بأصبع الله على ألواح حجرية، وفي العهد الجديد صارت بكمالها دون نقصان مكتوبة في ”قلوبنا اللحمية“ التي اتحد بها المسيح ”كلمة الله“ عندما لبس جسدنا بالتجسد الإلهي. فلم تعد ”كلمة الله“ شيئاً خارجاً عن كياننا منذ أن غرس المسيح ذاته في لحمنا ودمنا ”والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا“. بهذا نفهم المكتوب عن كلمة الله/ رسالة المسيح أنها:
أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ.(رسالة بولس إلى كورنثوس الثانية 3: 2، 3)
والسُبح لله.
بقلم د. رءوف إدوارد
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟