على مدار الأيام الماضية، منذ اندلاع حرائق الغابات في جنوب كاليفورنيا ومنطقة لوس أنجلوس، طفحت علينا العديد من المنشورات والتعليقات من بعض الأشخاص ذوي الخلفيات العربية والإسلامية، تحمل في طياتها سواد الشماتة والغل والبُغضة. تعبر هذه التعليقات عن فرح غريب، وكأن ما أصاب جنوب كاليفورنيا هو غضب إلهي أو انتقام سماوي، وكأن السماء تقاتل لتمنحهم نصرًا افتقدوه في واقعهم، متناسين لها آثارًا اقتصادية سلبية ليس على اقتصاد كاليفورنيا والولايات المتحدة فحسب، بل على الاقتصاد العالمي أيضًا، بسبب الدور المهم الذي تلعبه كاليفورنيا في الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

وبنفس منطق الشامتين، تعالوا على سبيل المثال لا الحصر نراجع بعض الكوارث الطبيعية الكبرى التي حدثت في السنوات الأخيرة:

زلزال تركيا وسوريا 2023

بلغ عدد الوفيات حوالي 50,000 شخص، إضافة إلى آلاف المصابين. وتم تدمير 214,000 مبنى، وتشريد ونزوح أكثر من 3,300,000 شخص.

فيضانات وسيول ليبيا 2023

عدد الوفيات تجاوز 11,000 شخص، في حين بلغ عدد المفقودين حوالي 20,000 شخص، بين من جرفتهم السيول إلى البحر ومن دفنوا تحت المباني التي سوتها المياه بالأرض ولم يتم انتشالهم بعد. وتم تدمير 18,500 وحدة سكنية بالكامل.

زلزال المغرب 2023

عدد الوفيات وصل إلى حوالي 3,000 شخص، وأكثر من 5,000 مصاب. والخسائر المادية تضمنت تدمير آلاف المنازل وتسوية أحياء بِرُمَّتها بالأرض.

تسونامي المحيط الهندي 2004

في إندونيسيا وحدها، بلغ العدد التقديري للوفيات والمفقودين حوالي 50,000 شخص، إلى جانب الخسائر المادية الفادحة.

وفي المقابل، دعونا ننظر إلى حرائق كاليفورنيا الحالية:

عدد الضحايا حتى الآن هو 24 شخصًا فقط، أي أقل من عدد ضحايا حادث سير لبيس هنا في مصر! والمباني المتضررة بلغت 12,000 مبنى، وجميعها ستغطيها تعويضات الحكومة وشركات التأمين.

لو أردنا أن نحكم وفق نفس روح الحقد والشماتة، فما الذي سيراه الشامتون لو قارنوا حرائق كاليفورنيا بالكوارث المذكورة أعلاه؟ هل سيَرون الغضب والانتقام الإلهي حاضرين في تلك الكوارث التي حلت في بلادهم؟! أم سيقنعون أنفسهم أن هذه الكوارث مجرد ابتلاءات وليست انتقام؟! فأصبح الله يتشكل على حسب رغبتهم كصنم من العجوة، يشكلوه كما تهوى أنفسهم المريضة.

نقطة أخيرة، في الكوارث التي ذكرتُها عاليا، كانت أكبر مساعدات مادية وتقنية لتلك البلاد مقدَمة من الولايات المتحدة الأمريكية التي يشمتون الآن في شعبها!

الشماتة ليست سلوكًا يعبر عن إنسانية أو تدَيُّن. فمن يشمت في مصائب الآخرين يحتاج أن يتأدب أولًا، ثم يبحث عن إنسانيته المفقودة حتى يُشفَى من أحقاده. الكوارث ليست فرصة لإظهار الكراهية والشماتة، بل هي درس نتعلم منه إظهار التعاطف والمحبة وتقديم العون للآخرين.

التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي

حرائق الغابات الحالية في جنوب كاليفورنيا بالتأكيد سيكون لها أثار اقتصادية سلبية ليس على اقتصاد كاليفورنيا والولايات المتحدة فقط بل على الاقتصاد العالمي أيضًا، بسبب الدور المهم الذي تلعبه كاليفورنيا في الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

اقتصاد كاليفورنيا يُعد من أقوى الاقتصادات عالميًا، فإذا كانت كاليفورنيا دولة مستقلة، فستكون خامس أكبر اقتصاد في العالم، متقدمةً على دولًا كُبرى مثل بريطانيا وفرنسا والهند[1].

لذلك، سيكون هناك تأثيرات على التجارة والإنتاج محليًا وعالميًا لعوامل متعددة:

1- جنوب كاليفورنيا توجد به بعض أكبر الموانئ في العالم، مثل ميناء لوس أنجلوس وميناء لونج بيتش، وهما مسؤولان عن نسبة كبيرة من التجارة الأمريكية مع آسيا التي تقترب من 40% من التجارة العالمية[2]. فأي تعطل في عمل هذه الموانئ بسبب الحرائق يمكن أن يؤدي إلى تأخيرات في الشحن، مما يؤثر على التجارة العالمية.

2- كاليفورنيا تعتبر واحدة من أكبر الولايات المنتجة للمنتجات الزراعية في الولايات المتحدة. حرائق الغابات قد تدمر الأراضي الزراعية والمزارع، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المنتجات الزراعية محليًا وعالميًا.

3- شركات التأمين ستواجه خسائر كبيرة بسبب تعويضات الأضرار الناتجة عن الحرائق. مما سيؤدي إلى رفع أقساط التأمين محليًا، بجانب تأثير هذه الخسائر على البورصات العالمية، خاصة إذا كانت شركات التأمين متعددة الجنسيات.

4- تكاليف إعادة الإعمار في المناطق المتضررة تؤدي إلى زيادة الطلب على الموارد مثل الأخشاب والمعادن ومواد البناء الأخرى، مما سيرفع أسعار العقارات محليًا، ويؤثر على أسعار مواد البناء عالميًا.

5- إذا أدت الحرائق إلى تعطيل خطوط الطاقة والبنية التحتية المرتبطة بها، فسيزيد ذلك من تكاليف الطاقة محليًا. بالتالي قد يؤثر على الإمدادات الدولية للطاقة والأسعار في الأسواق العالمية.

التأثيرات المباشرة الأكثر وضوحًا ستظهر على المدى القصير في الاقتصاد المحلي لكاليفورنيا والولايات المتحدة، ولكن نظرا للتشابك بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، حيث يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي[3]، سيجعل لهذه الحرائق انعكاسات غير مباشر للاقتصاد العالمي ككل.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. https://www.gov.ca.gov/2024/04/16/california-remains-the-worlds-5th-largest-economy/ [🡁]
  2. https://www.forbes.com/sites/kenroberts/2022/01/28/for-first-time-majority-of-top-10-us-trade-partners-will-be-asian/ [🡁]
  3. https://ycharts.com/indicators/us_gdp_as_a_percentage_of_world_gdp [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟