نعيش في منطقة الشرق الأوسط مع تحدي غياب الحوار، فأغلبنا في هذه البقعة الملتهبة اعتاد أن يتحدث لا أن يسمع، يريد أن يكون الجميع على مقاس رؤيته مهما كانت ضيقة، لا نؤمن بتعدد الأصوات والرؤى والتنوع، بل نريد اللون الواحد والصوت الواحد، وأي محاولة للتعاطي مع هذا الواقع وتغييره هي ضربا من الخيال، لكن مركز الحوار العالمي "كايسيد"، الذي يعمل منذ عدة سنوات في مجال الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة قدم خلال العام الماضي برنامَج زمالة "الصِّحافة للحوار" وهو نموذج حقيقي بالعمل مع صحفيين وإعلاميين من المنطقة العربية من أجل صِحافة تدعم الحوار.
القصة تعود لعام 2021، عندما ظهر إعلانا على صفحة مركز “كايسيد” بفيسبوك عن إطلاق برنامَج زمالة جديد من نوعه تحت مسمى “الصِّحافة للحوار”، وقتها تشجعت للتقديم على برنامَج الزمالة لكنني تحسست مسدسي كما يقول المصطلح الشائع للتعبير عن الشك، فدار بذهني أفكار مختلطة، فرغم إيماني بأن الصِّحافة “مهنة تنوير”، إلا أنني تساءلت كيف يمكن أن تدعم الصِّحافة الحوار أو تصنعه؟ فهي مهمتها نقل الأحداث وليس صناعتها، هذه التساؤلات جعلتني متشوقا لبدء الزمالة بعدما علمت بقبولي بعد التقديم والمرور بالمقابلة الشخصية.
وجدت برنامَج زمالة “الصِّحافة للحوار” يكمل رحلة انطلاقي بعالم الصِّحافة التي بدأت في شهر سبتمبر/ أيلول 2006 بواسطة مركز “التكوين الصحفي” بجريدة وطني، الذي تأسس على نهج التربوي البرازيلي المهم “باولو فريري”، فكنت أتوقع عند دخولي “التكوين” أن أتعلم فنون العمل الصحفي، لكن وجدت مما مررت به إنني أريد إعادة بناء نفسي من جديد، وأردت أن أكون “إنسانًا” قبل أن أكون “صحفيًا”، فالمركز أهتم بأن يكون لدينا رؤية ومعرفة وثقافة، وكان هذا المسار سببا في تميز خلال رحلتي بعالم الصِّحافة، وهكذا كان برنامَج زمالة “الصِّحافة للحوار”.
فبعد 16 عاما من تجرِبة “التكوين” الملهمة، حظيت بفرصة للتطوير والبناء والنمو بنفس النهج لكن بمعارف مختلفة فـ”الصِّحافة للحوار”، برنامَج تم تصميمه بعناية من قبل الفريق المسؤول في مركز “كايسيد” عن البرامج، يعتمد على التجربة الإنسانية والتواصل بجانب المعارف والمواد العلمية والتدريبات، وهو ما أتى بثماره حرفيا، فكل أعضاء البرنامَج 26 صحفي وصحفية من 11 دولة بالمنطقة العربية لديهم خبرات متنوعة، في بلادهم، لكن برنامَج الزمالة دمجهم، وجعلهم يدركون تنوعهم واحترام اختلافاتهم وخلفياتهم الثقافية والدينية والمذهبية المختلفة، وكيف يمثل كل هذا ثراء، فأصبحت هذه المجموعة تشعر بأنها عائلة كبيرة تساند وتدعم بعضها، والأهم أنهم يؤمنون بأن هناك تحديات يمكن مواجهتها بالحوار والتواصل ومساندة بعضهم البعض ويريدون أن ينقلوا هذا لمجتمعاتهم التي تتميز بالثراء والتنوع.
أجاب البرنامَج عن سؤالي في البداية بكيف يمكن أن تدعم الصِّحافة الحوار، وعرفت بعد المرور به أنا وزملائي كيف يمكن أن تساند الصِّحافة التنوير وتدعم الحوار وأن تقدم تغطيات مسؤولة خاصة للقضايا التي تخص أتباع الأديان والثقافات المختلفة بالمنطقة العربية، والأهم أن بعض الزملاء كان لديهم توقع مبدئي بأن مهمتهم الدفاع عن دينهم، لكن مع الوقت اكتشفوا واكتشفنا جميعا بأننا لسنا في حاجة للحديث عن الأديان أو الدفاع عنها بل يمكن تقديم قيمها السامية من خلال ممارستنا وسلوكياتنا.
أود شكر مركز “كايسيد” بتوجيه الشكر لوسيم حداد مدير البرامج العربية، ومايا سكر مسؤولة البرامج، من حولوا حلم صعب المنال إلى واقع من لحم ودم، ففي 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، كان حفل تخرج الدفعة الأولى، في نهاية البرنامَج التدريبي الأخير الذي استضافته عمان عاصمة الأرْدُنّ، ومعه تبدأ مرحلة تالية من مشروعات صحفية وإعلامية ترتكز على أهمية الحوار ودوره ونشر قيم التعددية وقبول الآخر ومواجهة خطاب الكراهيَة.
وأود أن أوجه تحية لعائلتي الكبيرة منتنة وياسر والمحجوب من المغرب، تيبرا وهيثم من تونس، عبد العزيز ونور وهلالي من السودان، ريما ومحمد من ليبيا مايكل ومايكل وتريزا وهاجر وهناء من مصر، جسار من الأرْدُنّ، فاطمة من لبنان، زيد وأحمد من العراق، رزاق وحفصة من اليمن، جبير وأحمد ونوال وسوزانا من السُّعُودية، شكرا على الخبرات الإنسانية والمهنية التي تشاركنا معًا طوال تلك الرحلة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.