- من أنت يا سيد؟
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)
- ☑ أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]
- أيها الأسقف.. من أنت [١٥]
واقعتان يفصل بينهما ألف عام ويزيد، يؤكدان محورية دور المرأة القبطية في تسليم الإيمان في صمت، وهو الأمر الذي يؤكده القديس بولس الرسول وهو يكتب لتلميذه تيموثاوس في مستهل رسالته الثانية له:
أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلًا وَنَهَارًا، مُشْتَاقًا أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِرًا دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحًا، إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا. فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ، لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.
(رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 1: 3- 7)
الواقعة المعاصرة ما زالت ندوبها قابعة في الذاكرة المصرية، التي روعتها بيانات الجماعة الإرهابية “داعش” بليبيا، وعام 2014 يلفظ أنفاسه مع يومه الأخير، والأسبوع الأول من يناير 2015 أعلنت اختطافها لنحو واحد وعشرين عاملًا مصريًا، وهي بصدد إعدامهم، ووثقت جريمتها عبر فيديو عالي التقنية، نشر عشية يوم 15 فبراير من نفس العام.
كان المذهل أن القتلة ملثمون خوفا من كشف هويتهم فيما الضحايا الشهداء مكشوفة وجوههم برباطة جأش وثبات ورفضهم النجاة حال إنكارهم إيمانهم وجحدهم للمسيح، وكان السؤال كيف لأناس بسطاء جل همهم البحث عن الرزق والارتحال بعيداً عن الأهل والبيت بل والوطن سعياً له، أن يصمدوا هذا الصمود حتى الموت دون إنكار الإيمان، فيما أنكره غيرهم ممن توفر لهم رغد العيش واتساع المعرفة، كانت الإجابة “الأم”، تلك السيدة البسيطة الكادحة التي لا تقرأ ولا يعنيها جدل المتلهوتين، ولا يشغلها سوى شخص الرب يسوع، تعيش يومها موقعًا على لاهوت التجسد، وتعيش في ود بالغ مع أمه العذراء مريم وتتسامر مع القديسين، وتنقل هذه الحياة وتلك العشرة لأولادها.
في واحدة من لقطات الفيديو يصطف الشهداء راكعين وهاماتهم شاخصة للسماء، كلما أراها يحضر أمامي المشهد الذي سجله سفر الأعمال، لحظة استشهاد القديس إستفانوس رئيس الشمامسة وعيناه شاخصتان للسماء، ولسانه يتهلل بالتسبيح، وهو يسأل الله من أجل راجميه.
وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ.
فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ».
فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ.
فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي».
ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ.
(سفر أعمال الرسل 7: 55- 60)
أما الواقعة الأخرى فتدور أحداثها في القرن العاشر الميلادي، سمعتها قبل عقود وأنا بعد شماس صغير، لكنها لم تبرح ذاكرتي، فقد اختطفتني وأبونا يقرأها كما سجلها كتاب السنكسار ـ المعنى بتسجيل نماذج من وقائع الكنيسة بامتداد تاريخها المديد موزعة على أيام السنة القبطية ـ واستأذنكم في نقلها كما هي:
في مثل هذا اليوم من سنة 668 ش. [20 مايو سنة 952م] تنيح الأب القديس الأنبا مقاريوس التاسع والخمسون من باباوات الكرازة المرقسية. وقد ولد في بلدة شبرا وزهد العالم منذ صغره واشتاق إلى السيرة الرهبانية. فقصد جبل شهيت بدير القديس مقاريوس، وسار في سيرة صالحة أهلته لانتخابه بطريركا خلفا للبابا قزما. فاعتلى الكرسي المرقسي في أول برمودة سنة 648 ش. [27 مارس سنة 932م]
وحدث لما خرج من الإسكندرية قاصدا زيارة الأديرة ببرية شهيت كعادة أسلافه، أن مر على بلدته لافتقاد والدته. وكانت امرأة بارة صالحة. فلما سمعت بقدومه لم تخرج إليه. ولما دخل البيت وجدها جالسة تغزل فلم تلتفت إليه، ولا سلمت عليه. فظن أنها لم تعرفه.
فقال لها: “ألا تعلمين أني أنا ابنك مقاريوس الذي رقي درجة سامية، ونال سلطة رفيعة، وأصبح سيدا لأمة كبيرة؟”
فأجابته وهي دامعة العين: “إني لا أجهلك وأعرف ما صرت إليه، ولكنى كنت أفضل يا ابني أن يؤتى بك إليّ محمولا على نعش، خير من أن أسمع عنك أو أراك بطريركا. ألا تعلم أنك قبلا كنت مطالبا بنفسك وحدها. أما الآن فقد صرت مطالبا بأنفس رعيتك. فأذكر إنك أمسيت في خطر، وهيهات أن تنجو منه”.. قالت له هذا وأخذت تشتغل كما كانت.
أما الأب البطريرك فخرج من عندها حزينا، وباشر شئون وظيفته:
• منبها الشعب بالوعظ والإرشاد.
• ولم يتعرض لشيء من أموال الكنائس.
• ولا وضع يده على أحد إلا بتزكية.
• وكان مداوما على توصية الأساقفة والكهنة برعاية الشعب وحراسته بالوعظ والتعليم.وأقام على الكرسي الرسولي تسع عشرة سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة وعشرين يوما في هدوء وطمأنينة. ثم تنيح بسلام.
(سيرة البابا مقاريوس التاسع، السنكسار)
ما هذا الوعي الذي تكلمت به هذه الأم؟ وما هذه القوة التي تغلبت بها على مشاعر الفرح الطبيعية، وهي لم تنتظم في حلَقات بحثية، ولا تلقت تعليمًا إكليريكيًا، ها نحن نقف أمام امرأة بسيطة تدرك أبعاد ومهام الأسقف الجسيمة، وما هذا الوعي الذي يقبل به هذا البطريرك (الأسقف) كلام أمه الصادم، ويراه صوت الله له؟ ويترجمه في سني حبريته بتدقيق وحكمة؟
من الذي علم هؤلاء النسوة هذه الحكمة، مع إنهن في الغالب لم يطرقن باب المدرسة ولم ينتظمن في دورات تنمية بشرية أو كورسات إعداد للزواج، وهي أمور نافعة لعصرنا بلا شك إذا لم تختطف لدوائر الاستثمار المادي والشو المجتمعي وإذا لم تبتلعها بيروقراطية الأداء وتستيف الأوراق.
وإذا ذهبنا إلى مقولة “بضدها تعرف الأشياء” سنرى نماذج لقادة روعوا العالم والكنيسة أيضًا بشطط قراراتهم، ونرجسيتهم، وكتب التاريخ محتشدة بسيرهم، التي تكشف عن اختلال التنشئة لغياب الأم في سنيهم الأولى، ولم يتوفر لهم بديل، واختفاء الدفء الأسري، وقد نفهم تلك الجملة التي تتكرر في سير القديسين “أنه ولد لأبوين تقيين ربياه في مخافة الله” وأنه تتلمذ على فلان وفلان وفلان الذين قادوا خطواته في طريق الإيمان، هي إذن التنشئة والتلمذة.
مفاتيح شخصية الأسقف تجدها عند “الأسرة والدير ومراكز التكوين”، فالأسرة التقية تعيش المسيح وتترجمه في حياتها عطاء ومحبة واحتمالًا، فتكون مرشحة لأن يخرج منها أحد أولادها قاصدًا التكريس، وحين يطرق أبواب الرهبنة كواحدة من طرق التكريس، يجد ديرًا يقر ويعيش التلمذة فيودعه أمانة في يد أحد شيوخه ليتتلمذ عليه، كما جرت حياة الرهبان، وحين يرى مرشده ورئيس الدير أنه يصلح للخدمة الكنسية بعد مرور سنوات كافية لتقويم وبناء شخصيته الروحية والنفسية يقدماه حال طلب الكنيسة ترشيحات الدير لشغل مواقع الأسقفية.
والكنيسة ترتب للمرشحين دراسات متخصصة في الأمور التي لا تقع في دائرة اختصاص الدير، والرهبنة، بالانتظام في دورات ترتبها مراكز تكوين كنسية في علوم الإدارة والعلوم الإنسانية ذات الصلة، والتعريف المعمق بطبيعة ومهام ومسئوليات التدبير الكنسي، وهي مرحلة قد تمتد لسنوات، وخلالها يكون المتدربون تحت الملاحظة والمتابعة والتقييم، حتى يستقر الرأي على من يصلح لتولي الخدمة في الكنيسة.
سطورى الأخيرة هي تصوري لَمَّا ينبغ أن تسير عليه الأمور، حتى نتجنب الوقائع الصعبة والمقلقة والضاغطة التي تعيشها الكنيسة بامتداد قرن من الزمان أو يزيد، وتأتي خصمًا من سلامها، وتعويقًا لرسالتها المكلفة بها.
السؤال من يعلق الجرس؟ ومن يوقف النزيف الأسري والديري والتعليمي؟ ومن يملك شجاعة الإقرار إننا لسنا في أفضل حالاتنا؟ ومن يفتح لها غرفة العناية المركزة ويستدعي الطبيب الأعظم، راعي نفوسنا وأسقفها حسب توصيف القديس بطرس الرسول في رسالته الأولى.
ومن يتدبر توجيه الرسول بولس لتلميذه تيطس:
مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا كَمَا أَوْصَيْتُكَ.
إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ، لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ.
لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلًا، بَارًّا، وَرِعًا، ضَابِطًا لِنَفْسِهِ، مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ.
فَإِنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرُونَ مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ، وَيَخْدَعُونَ الْعُقُولَ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ مِنَ الْخِتَانِ.
(رسالة بولس إلى تيطس 1: 5- 10)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨