مقالنا السابق في رسالة تكلم عن إن صلاح طبيعة الله قد ظهر جلياً في الخلاص المجاني والولادة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع ”كلمة الله“. ويستكمل الوحي المقدس في عدد 21 حديثه عن كيف أن كلام المسيح ”كلمة الله“  قادر أن يملأ  كيان الذين يَقبلون شخصه بقراءة الكلمة بروح الصلاة والوداعة فيخلصون ويتخلصون من كل نجاسة وكثرة شر تملكت عليهم. وهذا، لأن كلام المسيح ”كلمة الله“ إنما هو روح وحياة ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة“ قبل أن يكون حروفاً في كتاب.

لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ، فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ.

(رسالة يعقوب 1: 21)

إن استعلان المسيح في هذه الأية أنه: ”الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص وبنيه“، هي تلخيص لما جاء في مواضع كثيرة بالكتاب المقدس، نذكر منها:

لقد أتى المسيح من حضن الآب ”في البَدْء كان الكلمة، الكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله“ (إنجيل يوحنا 1:1). وجاء إلينا علي الأرض مِثل زارعٍ ”خرج الزارع ليزرع“ (إنجيل متى 13: 3)  ليغرِسَ ذاته ”الكلمة المغروسة“ (رسالة يعقوب 1: 21). في طبيعتنا الجسدية “والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا” (إنجيل يوحنا 1: 14). فهو ”حبة الحنطة“ التي وقعت في أرضٍ هي لحم ودم طبيعة البشر.

فألتفَّ الموت الذي فينا يحاول أن يُمسك بالحياة التي فيه. لكن حبة الحنطة لا تموت حتى لو دُفِنَت في الأرض، بسبب الحياة التي فيها. فليس أحدٌ يشك في حياة حبة الحنطة حتى لو أحاطت بها ظلمة تراب الأرض. هكذا هو المسيح إلهنا الحي لا يغلبه الموت.

فالمسيح مجرد أنه ”ذاق الموت“ (عبرانيين) الذي فينا لكي يتواجه معه بالحياة التي فيه ويلاشيه ويقضي عليه:

اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ.

(إنجيل يوحنا12: 24)

فتعبير ”ذاق الموت“ يستعلن أن حياة رب المجد قد ”ابتَلَعت الموت“ الذي أمسك بكل ابن إنسانٍ إلا ”ابن الله“ الذي لبس جسدنا وصار ”ابن الإنسان“، ونفس الاستعلان ينطق به داود بالنبوة على لسان المسيح ”وإن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك معي“. فالموت انقشع كالظل عندما تواجه مع حياة رب المجد على الصليب.

لهذا حرص الوحي المقدس أن يؤكد على لسان القديس يعقوب الرسول (كما شرحنا في مقال سابق) أن الله ”ليس فيه ظل دوران“. فالله هو ”الحق“. والحق غير متغير ولا يخضع لدورة زمن مخلوق تدور الأرض بمقتضاه حول الشمس فيظهر ظل للأشياء ثم يزول.

أتي الرب إلينا يطلب أن نَقبَل شخصه الإلهي في قلوبنا فينقشع موتنا بمسيح الحياة عندئذ نطرح كل شر ونجاسة من القلب لأن الرب قد سكنه.

والآن فلنقرأ الإعداد 19-21 بشكلها الإجمالي:

إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ. لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ، فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ.

(رسالة يعقوب 1: 19- 21)

لو أخذنا في الاعتبار ضرورة الترابط من جهة الموضوع الذي يتناوله نص الآيات فسنجد فيها تعليما مستيكياً/ سرائرياً:

فلا أعتقد أن موضوع الآيات هو عن تعليم مهارة الحديث بين الناس لنتلاف به الغضب الذي ينتج أحياناً بسبب الحوار. إذ لا أميل إلى الخروج بالنص عن إطاره الروحي الذي يربطه معاً في وحدة واحدة موضوعها الرب يسوع المسيح  ”كلمة الحياة“، بل نحن نجد الوحي المقدس يسترسل ويدعونا أن نسرع إلى سماع كلمة الرب وقبول شخصه الساكن فيها. وأمام شخص ”كلمة الله“ في كلمته يسكت الفم فيتكلم الرب في قلوبنا وتتلاشى أمامه شهوات قلوبنا التي كانت قبلاً تثور فينا كبركانٍ غاضبٍ.

 وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ.

(رسالة يعقوب 1: 22)

وهنا يتطرق القديس يعقوب الرسول إلى مفهوم ”الجهاد والعمل“ في المنظور المسيحي من حيث أنه نتيجة لمفاعيل ”كلمة الله“ في القلب. وهذا موضوع حديثنا في المقال المقبل بإذن ربنا.

والسُبح لله.

بقلم د. رءوف إدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كلمة الله المغروسة في لحمنا ودمنا 1
[ + مقالات ]