” يا من أنقذ يوسف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا ”
(من الصلوات الليتورجية في التراث العربي)
ما تراه أمامك موثقا، هو جزء من الصلوات الليتورجية القبطية (المحلية) المدونة بالعربية حسب مخطوطات دير اﻷنبا أنطونيوس بالبحر اﻷحمر. وبالتحديد في مخطوط الصلوات الطقسية، للراهب ميخائيل الأنطوني الباقوري، وهذا المخطوط العربي أعتبره هام وخطير في دراسة التيارات الفكرية المعادية للقومية المصرية (اﻷرثوذكس اللا-أقباط)، وتناقلهم للأفكار ذات الجذور العبرية والعربية واﻹسلامية والوثنية، والموجودة شعبويًا واجتماعيا بدعم مشايخ وأساقفة ورهبان أصوليين، والذين يضفون على هذه الليتورجيا المعادية للمرأة المصرية: سلطة المقدس العقائدي.
كبداية، كتاب “الصلوات الطقسية” للراهب الباقوري موجود على الأنترنت بمجهودات شعبية، ويستخدمه بعض اﻷصوليين في الدفاع عن أفكارهم، أو صناعة مرجعية دينية لها، باعتباره “حاجة تاريخية عظيمة جدا”، بينما في الحقيقة هو كتاب تاريخي متهالك يحوي أكبر كم يمكن تخيله من الطقوس التي تم إبطالها، أو دمجها، أو التخلص منها، أو توفيق أوضاعها كي تصير مسيحية.
خد عندك من أسماء فصول الكتاب مثلا: طقوس عقد الأملاك- طقوس الزواج الأول- طقوس الزواج الثاني- طقوس أبو تربو.
ربما بمستوى معرفي عادي تعلم فعلًا اﻵن أنه تم إلغاء النظر للزواج كـ “عقد أملاك”، وربما تعلم أن مسألة “الزواج الثاني” تعتبرها الكنيسة من المحرمات وليس الطقسيات. لكن، هل تعلم ما هو طقس “أبو تربو” باﻷساس؟ ﻻ تندهش إذا علمت أنها طقوس خاصة بعضة الكلب ولدغ الثعابين والعقارب، ومهمتها ليس العلاج الشعبي من عضة الكلب مثلا، بل فعليا هي معالجة لـ”الخضة” وليس العضة!
وأنا طفل، جري ورايا كلب، واتفزعت فعلا، وبطلت أهوب الشارع.. فعملولي طقس شعبي.
ست كبيرة كانت بتقول تعاويذ (دينية طبعا على حسب اعتقادها) وتخبطني بالشبشب على صدري وهي بتقول “يا خضة الكلب إطلعي من القلب (واحد)” وبعدها شوية طلاسم وتمتمات وتخبطني تاني وهي بتقول “يا خضة الكلب إطلعي من القلب (إتنين)”، وهكذا لحد ما يوصلوا 7 مرات.. خلالهم إنت بتحس إنك شخص مهم وبتكون أهدا.. أو بتتفزع من الست ذات نفسها أكتر من الكلب!!
باﻹضافة لقسم ضخم جدا في طقوس التجنيز الشعبية، التي تميز بين الرجال والأطفال والنساء الثيب والبنات الأبكار والقمامصة والقسوس والشمامسة والرهبان. أي أنه ﻻ توجد مساواة -في صلاة الموتى- بين أيا مما سبق. وقد نتفهم مثلا حكمة ما في التمييز بين العلمانيين والإكليروس كأن يقدم للإكليروس خدمة أكثر تميزا نظير خدمته (شيء أشبه بالجنازات العسكرية للعسكريين) لكن ما الحكمة وما التأصيل وما الداعي للتمييز بين الرجل والمرأة في الموت؟ أو بين المرأة البكر والمرأة الثيب؟ لماذا التدخل في هذه التفاصيل الجنسية والشديدة الخصوصية أساسا؟
أيضاً هو مُفصّل وثرثار جدا فيما يقال في الذكريات، مثل الذكرى السنوية وعلى القبور وغيرها من العادات غير المسيحية أساسا. يعني كتاب شعبوي تراثي بامتياز.
أسطورة “زليخا” غير المصرية
الجزء المشار إليه كصلاة “يا من أنقذ يُوسُف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا” موجود تحت فقرة: ”يقول الكاهن هذه الطلبة لمن يكون في شدّة“، وبطبيعة الحال فهي أفكار ذات مدخل ذكوري يداعب الذكر القبطي اﻷسمر الجميل سواء الذي في شدة أو في فرج! “كيد المصرية” -يا سطى موجود أهو- في مخطوطات الكنيسة وأنت بعد مئات السنين كمؤمن صالح من حقك “ترازي” بها -مراتك المصرية وتهيهيخو- على المساطب مع الرهبان القديسين وتتسامروا حول “كيد النسوان” -اللي ربنا ابتلا الذكور التقية بيهم!
مسألة وصم امرأة فوطيفار (“امرأة العزيز” في التراث اﻹسلامي) بكونها “مصرية”، هي ثقافة عنصرية ضد المصريين، وهي ثقافة ﻻ تخرج من إنسان مصري إﻻ لو كان مختطف ذهنيا وعميل لمصلحة شيئ ما يحركه ضد انتماؤه الوطني الطبيعي. وهذا سهل حدوثة في حياة الرهبنة، فهم أكثر ناس يسهل اختطافهم ذهنيا لكونهم باعوا العالم والأسرة والانتماء الشخصي أساسا، وذابت فردانيتهم لتعلي من قيمة الجماعة، تماما كما هو سهل حدوثه في المستشيخين المنضمين لأخويات وجماعات دينية من عينة “المسلم الماليزي أهم من المصري المسيحي”، فكلها ولاءات فاسدة ومشكوك فيها طرديا. بمعني، كلما زادت جرعة التدين كلما زاد اللعن للنسوان وللبلد وللعالم الشرير الفاسد (الكافر برضو، ميضرش).
أكاديميا قصة يُوسُف يقال عنها كلام غير محسوم، في إن يُوسُف جاء مصر وقت احتلالنا من الهكسوس (وهناك كلام أخر غير محسوم يرجح أن الهكسوس/ حكاو خاسو/ القوم الرعاة/ العرب) لكن لن ندخل في تفاصيل هذا أو نحاول حسمه ونتركه لأكاديميوه ومتخصصوه. فقط سأكتفي أن أقول لك إن التوراة نفسها من أوحى بكل هذا، فهي من أشارت لعلاقة “رعوية” (من رعي اﻷغنام) سهلت لبني إسرائيل (رعاة اﻷغنام) وجودهم في مصر عبر حاكم راعي غنم أيضا، بعكس ثقافة المصريين التي ذكرت التوراة أنهم ﻻ يشاركون “رعاة الغنم” المأكل والمشرب. المصريون ﻻ يطيقون الخرفان وﻻ الخرفان تطيقنا. هذه طبيعتنا من آلاف السنين التي سجلتها التوراة!
ثم قال يوسف لإخوته ولبيت أبيه: «[…] إذا دعاكم فرعون وقال: ما صناعتكم؟ أن تقولوا: عبيدك أهل مواش منذ صبانا إلى الآن، نحن وآباؤنا جميعا. لكي تسكنوا في أرض جاسان. لأن كل راعي غنم رجس للمصريين»
(سفر التكوين، الإصحاح 46: 31-34)
اﻷنكى، أن من يرفضون هذه الأطروحات، وهم أكاديميون أيضا، يرفضونها من باب عدم الثقة في التوراة كحجة على التاريخ، وليس العكس! فيوسف الذي سجلته التوراة ﻻ وجود تاريخي واضح له عند كتبة التاريخ. هذه الجماعة اﻷكاديمية في رفضها تُتهم طيلة الوقت بعدم اﻹيمان أو عدم اعتبار النص المقدس أحد اﻷدوات التاريخية المعتبرة. أما أصحاب الإيمان الذين يعتقدون بأن التوراة وحي وما جاء فيها هو معصوم -مثل الراهب الباقوري مؤلف الكتاب العربي- فما هي حججه في معاداة “المرأة المصرية” سوى المعالجة الانتقائية لقيمة مصر المهيبة والبالغة الجلال عند كتبة التوراة؟
يُوسُف (بتاع “كيد المصرية”) في نفس الكتاب المقدس عند نفس الراهب الباقوري، كان متزوجا من امرأة مصرية بنص التوراة! ولم تكن أي امرأة مصرية حضرتك، إنها “أسنات”، بنت “فو-تي فا-رع”، كاهن مدينة “أون” (عين شمس حاليا).
وقال فرعون ليوسف: «أنا فرعون. فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر». ودعا فرعون اسم يوسف «صفنات فعنيح»، وأعطاه أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون زوجة. فخرج يوسف على أرض مصر. وكان يوسف ابن ثلاثين سنة.
(سفر التكوين، الإصحاح 41: 44-46)
وليس هذا وحسب، إنما هي أم لابنيه المصريين: «منسى»، و«أفرايم»، وغير إن ابنيه مصريين، إﻻ إن اختياراته لأسماءهما تعكس أبعادا قومية مصرية عند يُوسُف نفسه، وأنه “نسى بيت أبيه” (إسرائيل/ يعقوب):
وولد ليوسف ابنان قبل أن تأتي سنة الجوع، ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون. ودعا يوسف اسم البكر «منسى» قائلا: «لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي». ودعا اسم الثاني «أفرايم» قائلا: «لأن الله جعلني مثمرا في أرض مذلتي».
(سفر التكوين، الإصحاح 41: 50-52)
ولو قرأ الراهب الباقوري نصوص التوراة التي يقدسها، لوجد أن هذين الابنين صارا سبطين من أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، بعدما رفض يُوسُف نفسه أن يدخل اﻷسباط ويترك مصر، وأدخل بدلا منه ابنيه المصريين، «منسى» و«أفرايم»، اللذان أنجبهما من “المصرية”، بنت الكاهن المصري:
ابناك المولودان لك في أرض مصر، قبلما أتيت إليك إلى مصر هما لي. أفرايم ومنسى كرأوبين وشمعون يكونان لي. وأما أولادك الذين تلد بعدهما فيكونون لك. […]
[…] ورأى إسرائيل ابني يوسف فقال: «من هذان؟». فقال يوسف لأبيه: «هما ابناي اللذان أعطاني الله ههنا». فقال: «قدمهما إلي لأباركهما». […]
[…] وأخذ يوسف الاثنين أفرايم بيمينه عن يسار إسرائيل، ومنسى بيساره عن يمين إسرائيل وقربهما إليه. فمد إسرائيل يمينه ووضعها على رأس أفرايم وهو الصغير، ويساره على رأس منسى. وضع يديه بفطنة فإن منسى كان البكر. وبارك يوسف وقال: «الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق، الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم، الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين. وليدع عليهما اسمي واسم أبوي إبراهيم وإسحاق، وليكثرا كثيرا في الأرض».
(سفر التكوين، الإصحاح 48: 5-16)
سبطان من إثني عشر سبطا، أمهما “مصرية” وعند من؟ عند شعب إسرائيل الذي يوّرث دينه باﻷمهات ﻻ باﻵباء.
أمهم، التي هي من ياسطى الراهب؟ هي امرأة مصرية، بنت كاهن “رع”، المصري. ومن حي عين شمس!
امرأة مصرية واحدة، جعلت المصريون يشكّلون نسبة السدس في إسرائيل. شعب الله المختار واليهود ذات نفسهم لنا فيهم السدس، ومن كتابهم المقدس لم نخرج خارجه، ولم نقترب حتى من أطروحة د. سيّد القمني في أن سبط “ﻻوي” (كهنة اليهود) هو كله مصري من كهنة “رع”، وأهو “رعنا” أمر بالستر برضو.
ويبقى أبونا الراهب ميخائيل الأنطوني الباقوري، الذي جمع كتاب “الصلوات الطقسية” التاريخي، هو ﻻ شيء سوى ذكر انتقائي جاهل بأبسط المكتوب عن يُوسُف، ومختطف ذهنيا في صراعات ميتافيزيقية عن الموت وعضة الكلب وجنسية البكر والثيب، وقاعد على المسطبة الحجرية يتف على بنات مصر وهو ميعرفش كوعه من بوعه.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟