الكثير من البلايا موجودة ومتجذرة بجسد المجتمع الكنسي وضاربة حتى النخاع منذ قديم الأزل، لكن مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة أجهزة الأشعة الطبية الفاحصة والموَضِّحة لتلك الأمراض، لعلنا، يومًا ما، نفيق وندرك المرض فنسعى للعلاج. أو لعل الله ينظر إلينا ويسمعنا ويشفينا ويعود ويرحمنا مما يفعله بنا المتطرفين والمتعصبين وأخرهم القمص صموئيل البحيري.
الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر الجاري انتشر مقطع مصور للقمص صموئيل البحيري يقول فيه إن “زواج البروتستانت زنى”، وحسب ما تقول صفحته على موقع فيسبوك، فهو كاهن عام بمنطقتي عزبة النخل والمرج الجديدة بالقاهرة.
انتشر الفيديو الذي أذاعه كالنار في الهشيم على صفحات السوشيال ميديا المختلفة. وكان محتوى تلك التصريحات نصًا:
“يا شعب يا مسيحي يا غلبان يا طيب يا مبارك، البروستانتية هرطقة، ومش ها تروحوا السما.. هاقولها تاني، مش ها تروحوا السما، مالهمش سما الكتاب قالها صراحةً… العماد البروستانتي باطل، الجواز البروستانتي أقولها كلمة واستسمحكم في اللفظ المُغَلَّظ “زنى”، بقول “زنى”، المتجوز بروستانتي راجل، ست، أنتوا زناة… وعايشين في الحرام زي أي اتنين راحوا الشهر العقاري وكتبوا على بعض“
التصريح الكارثي للكاهن الذي يحمل رتبة القمصية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليس الأول من نوعه في هذا الصدد، ولكنه ربما كان البيان الوحيد المُسَجَّل صوت وصورة، بل وتمت إذاعته، وما خفي كان أعظم. فبغض النظر عن محتويات البيان الطائفية المتعصبة والمتعددة، سألقي الضوء على الزواج في المسيحية والنقاط الخاصة به في بيان القمص صموئيل.
زواج المسيحيون الأوّلون مدنيا
تزوج المسيحيون الأوائل زواجًا مدنيًا طبيعيًا مثل باقي المجتمع من حولهم، لم يذكر الكتاب المقدس أي طقس معين أو صلوات في أثناء الاحتفال بالزواج، بل لا يوجد في تاريخ ولا كتابات آباء الكنيسة بالقرون الأولى من المسيحية أي طقوس أو صلوات تشترط حضور أي رتبة كنسية أو إقامة أي طقس معين في مناسبة الزيجة، بالرغم من أن تلك الكتابات تحتوي طقوس أخرى مثل الإفخارستيا والمجموعة وترتيبات رسامة أساقفة أو قسس أو شمامسة.
فالزواج المسيحي تاريخيًا هو زواج مدني، لاقى -كأي شيء- تغييرات وإضافات على مر التاريخ في طقوسه وصلواته حتى وصل للشكل الحالي في كل كنيسة حسب ترتيبها، فالقول بإن الزواج المدني زنى في حد ذاته يندرج تحته الكثر من الأسئلة والاتهامات، اتهامات لكل الديانات الأخرى بالزنى لأنها لا تتزوج زواجًا مسيحيًا قبطيًا أرثوذكسيًا وهذه ادعاءات لها صدى طائفي سيء جدًا وتبعات وخيمة لا أعتقد أن الكاهن المذكور يعيها ولا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برمتها يجب أن تقبلها أو تستطيع تحمل تبعاتها، وهذا ما واجه به أحد الأصدقاء الكاهن في أحد التعليقات.
وقد نستنتج من كلام الكاهن أيضًا أن جدودنا المسيحيين أنفسهم في القرون الأولى كانوا جميعًا في حالة زنى! لأنهم لم يقيموا نفس الطقوس والصلوات بحضور أسقف أو كاهن وشمامسة بالطبع ذلك الطرح ساذج جدًا كسذاجة ما تفوه به الكاهن نفسه.
بالتالي تلك الاشتراطات التي ذكرها القمص صموئيل في بيانه تنطبق فقط وحصريًا على المسيحيين الأقباط الأرثوذكس في عصرنا هذا ولا يمكن بأي شكل من الأشكال قبول اتهام غير المسيحيين أو المسيحيين من الطوائف غير القبطية الأرثوذكسية أو أي شخص بالزنى في حال اختلاف مراسم وطقوس الزواج.
ظهرت على شبكة فيسبوك نوايا ورغبة بعض الإخوة من الطوائف البروتستانتية تقديم شكوى في حق القمص صموئيل البحيري لدي مجمع أساقفة الكنيسة القبطية، والبابا تواضروس الثاني بل وتطور الأمر لإمكانية التقدم بشكوى للجهات القضائية لاتخاذ اللازم تجاه الكاهن المذكور باعتبار تصريحاته تحث على الكراهيَة تجاه بعض طوائف المجتمع وتكدر الأمن والسلم العام.
فيلزم تحويل تصريحات هذا الكاهن إلى عبرة لكل من تسول له نفسه سب وقذف الآخرين، سواء كان من الديانات الأخرى أو من الطوائف الأخرى، حتى يتوقف ذلك المشهد العبثي من التصريحات الطائفية التي تثير الفتن وتشعل النفوس.
نصلي أن يعطي الله القادة والمسؤولين بالدولة والكنيسة الحكمة اللازمة للتعامل مع هذا الموقف ليمر بسلام ولا يتكرر هو أو مثله مرةً ثانيةً.
اقرأ أيضا:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟