في مكان عملي (خارج مصر) في الإدارة المالية، فريق العمل الصغير الذي أعمل معه مكون من حوالي 15 شخصا، من 14 جنسية، منحدرين من 4 قارات، ولغاتنا الأم الأصلية حوالي 10 لغات، ولو من نفس اللغة فهي بلهجات مختلفة، نتبع حوالي 5 أو 6 ديانات مع اختلاف المذاهب والطوائف داخل الديانة الواحدة، طبعاً بخلاف اللا دينيين والملحدين وكلنا من خلفيات ثقافية وعرقية واجتماعية مختلفة، لكننا نتواصل عن طريق لغة واحدة فقط وهي الانجليزية!
أعد نفسي مؤمنا مسيحيا، ومؤمنا بقيم المدنية والعلمانية، وأرى أنه بالرغم من التنوع الثقافي والاجتماعي الكبير جداً في بلاد المهجر، لكن الناس يعيشون في تناغم جميل متناسق. مارس عبادتك، عبر عن حريتك، عبر عن انتمائك، أنت حر في كل ما تعتقد وما تؤمن به، ولن تجد نفسك عليك شيئا لأحد ما دمت لا تعتدي على حقوق الآخرين وطالما (وهي الأهم) أنك لا تفرض ديانتك أو معتقداتك أو آرائك أو أفكارك على الآخرين بالقوة أو حتى باللين! وكما يقول المثل الأوروبي القديم من القرن الـ17.
Live and let others live [عيش وسيب غيرك يعيش]
(مثل أوروبي)
هذه مجرد عينة للتعددية الحقيقة داخل قسم صغير من أصل 120 فردا داخل الإدارة المالية فقط، ولو تم القياس على الشركة كلها التي يعمل بها أكثر من 9 آلاف موظف فسيظهر التنوع والتعدد أكثر وأكثر، فما بالك لو وسعت الدائرة أكثر وشملت الولاية أو البلد ستجد معدل ونسبة التنوع تضاعفت 10 أو 20 مرة!!! ستجد نفسك تعيش وسط ناس أصولهم من 200 دولة يتكلمون أكثر من 100 لغة وعندهم عشرات الديانات بخلاف تنوع ثقافاتهم وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم و(سلاطاتهم وباباغنوجهم)!
لكن الكل يعيش في سلام، في تناغم وتكامل، غير ضروري أن يكون تماثل أبداً، وغير ضروري أن نكون “شبه بعض” بالضبط حتى نتعلم ونعرف أن نعيش معًا أو في الأقل كل واحد يعيش في هدوء وراحة بال وفي حاله وفي احترام لعادات وتقاليد الآخر! إلا بعض المجتمعات العربية في المهجر بكل أسف!!
لا يحكم أحد على تصرفات الآخر، لا يكفر الآخر بسبب آرائه الدينية أو الفكرية أو حتى معتقداته الغريبة، لا يخون أحد زميله في الشغل بسبب انتمائه السياسي أو الحزبي، لا يتدخل أحد في حياة جاره الخاصة ويحشر نفسه فيها، لا تسفيه ولا تقليل من شأن الآخر بسبب ديانته أو لغته أو لون بشرته أو جنسيته أو أصوله العرقية!! لأن كل واحدة منهم جريمة في حد ذاتها في عرف القانون والمجتمع (بالرغم من أنها تحدث حقيقة، وسأتكلم عليها في الجزء المقبل ولا أنكر أن هناك حوادث عنصرية تحدث لكنها ليست اتجاه دولة ولا اتجاه مؤسسات وتقابل بحزم وشدة من الدولة).
في أغنية حلوة يتعلمها الأطفال في المدارس خارج مصر تقول: We are one, but we are many ومعناها (كلنا واحد بالرغم من تنوعنا)، التعددية تشعرني إننا كقطع البازل Puzzle التي تكمل بعضها بالرغم من اختلاف أشكالها لكي تكون في الآخر الصورة الواحدة الكاملة.
الدول المتقدمة ودول المهجر بتطلب العمالة المهاجرة المتنوعة لأنها وجدت في التعددية غنى وإثراء كبير لمجتمعاتهم اقتصادياً وثقافياً بالرغم من سيطرة العنصر الأوروبي على السياسة والاقتصاد! لكن اتضح أن هم من يحتاجون للمهاجرين أكثر من احتياج المهاجرين لهم!