الحقيقة، لا أنكر للحظة إعجابي بروعة وجمال فكر الة ومذهبهم العقلي والفلسفي. أعشق محبتهم لله المتدفقة في عروقهم وأتصور أن هؤلاء الناس لو انتشروا بين ربوع مجتمعاتنا، لكانت منطقة شرق أوسطنا الكئيبة أصبحت جنة! لكن في بعض النِّقَاط أرى فيها المسيحية مشبعة جدا ليَ في مقابل الصوفية.

ملحوظة: أنا لا دارس ولا متعمق ولا حتى قارئ بما فيه الكفاية، ولكن من علم عام وقراءات متفرقة لهم وعنهم، نِقَاط الاختلاف بالنسبة لي، حيث شبع المسيحية أكثر من الصوفية، هي:

الهدف النهائي

الصوفية عشق كامل لله، لدرجة الاتحاد به، ولو عن طريق الذوبان فيه وانسحاب كياني الإنساني خارج الصورة تمامًا.  في مفهومنا المسيحي نسميها .

هي حلوة جدا كمسعى في حدود السعي الإنساني تجاه الله، لكن لإنسان له دعوة الله العليا، تكون هذه النظرة قاصرة جدا.

المسيحية دعوة كمال واكتمال، كمال الإنسان باتحاده بالله واكتمال هذا الكيان بالشركة مع الآخرين أيضا لأن دعوة المسيحية دعوة شمولية وليست فردانية.
وهذا ما نسميه كنسيًا “الثيؤسيس” و”الأناكيفاليوسيس” بالترتيب: والانجماع.

الأدوات

في التصوف، هناك قصور في الأدوات التي تمهد الوصول إلى الله ومبنية بقوة على الشق الإنساني تماما، الذي يستدعي الوجود الإلهي له كما هو يسعى في اتجاهه.

لكن المسيحية كلها مبنية على مجيء الله لنا أولا وسكناه فينا، التجسد الإلهي، وهذا بسبب عقم أي محاولة فردية أو جماعية سعت نحو وصول الإنسان لله من بعد السقوط، المحاولة/المحاولات التي كرس لها البشر كل طاقاتهم الأخلاقية والأدبية والوجدانية منذ السقوط من أجل “الصعود” أو “الرجوع” مرة أخرى للحضرة الإلهية التي حُرم منها.

الله أخذ المبادرة في المسيح يسوع لحل معضلة استحالة الوصول من أسفل لأعلى وقرر في أنه ينزل لأسفل لكي يقدسه ويجعله كما فوق (كما في السماء، كذلك على الأرض) وأَقْفَل الباب على حيرتنا وقلة حيلتنا وعدم مقدرتنا. وتجلى هذا بوضوح في الإفخاريستيا، وسيلة الاتحاد والتأله والانجماع، حضور الرب بنفسه فينا وليس وسطنا فقط، لا، فينا شخصيا. دون هذه الوسيلة، يصبح كل سعي إنساني بعد قيامة الرب ليس فقط باطل، بل يصبح عبث وحرق بنزين في الهالك.

الشوق مقابل الاختبار

كلام المتصوفين حلو كالشهد، وحين تقرأه أو تسمعه تشعر أنه من عند مثلا ولا آباء السياحة الروحية. لكن في نقطة مهمة تكشفه: شوقه غير قائم آنيًا وواقعه غير متحقق، مستقبلي ومُتَطَلَع إليه.

الحوار المسيحي مع الله حوار يتم في التو واللحظة، لأنه حوار حياة معاشة اختباريا حاليا، (مش لسه “ها” يحصل ده “بـ” يحصل زي ما بيقولوا بالإنجليزي) as we speak). حوار بين الإنسان ومن يحياه بالإيمان، لأن الإيمان المسيحي هو شخص وليس إيديولوجية، لذا يسهل إقامة جسر واعٍ من التواصل والتفاعل الكياني مع هذا الإيمان.

في المسيحية؛ ليس هناك طريق يقود إلى الرب لأن الرب بتجسده أصبح هو نفسه الطريق. ببساطة، كل قيمة عليا وقضية فكرية وكل شيء نابع مننا، ولنا نحن السيادة عليه، هو حلو ومقدس ونقي مادام وضعناه تحت يد الرب الروح، ويعبر عن اشتياقنا الأصيل جدا لله، لكن لا يمكن أبدا أن يرقى لدرجة عطية الله التي هي ذاته نفسه والشركة في طبيعته ب.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

ماركو إيميل
[ + مقالات ]