قدم الحاخام اليهودي "هارفي فولك" دراسة عن الأصول الفريسية لتعاليم المسيح والكنيسة الأولى في كتابه "يسوع الفريسي: نظرة جديدة على يهودية يسوع". كما قدم الأب الكاثوليكي "باتريك جيه هارتن" مقالا عن "الجذور الفريسية ليسوع والكنيسة الأولى". فما معنى كل هذا؟

اقترنت كلمة فريسي في الوسط المسيحي بتوصيفات سيئة، مثل التزمت والتدين الظاهري. لكن، الفريسية طائفة يهودية ضخمة بها مدارس مختلفة، وهي الطائفة اليهودية التي أمنت بالبعث بعد الموت على عكس باقي طوائف اليهودية. وقد اتبع يسوع ومن بعده بولس المدرسة الفريسية الهليلية (بيت هليل) وعارضا المدرسة الفريسية الشمايية (بيت شماي) بشدة. وظهر ذلك في تسليم روايات يسوع عبر العقود. لكن، مع الأسف، قد تم تعميم معارضة يسوع لبيت شماي على أنها معارضة موجهة ضد الفريسيين عمومًا.

لقد طمست الكنيسة تمييز مقاربات هليل وشماي في سياق تسليم تعاليم يسوع. فبدلاً من توضيح أن انتقادات يسوع وجهت إلى مجموعة واحدة من الفريسيين [مجموعة شماي — الأغلبية في وقت يسوع]، عممت الكنيسة الأولى انتقادات يسوع ضد الفريسيين واليهود بشكل عام، وكان ذلك بسبب الاضطهاد الذي تعرضت له الكنيسة على أيدي القادة اليهود، فقد تم توجيه أقوال السيد المسيح بشكل عام ضد المعلمين اليهود

(الأب باتريك جيه هارتن)

تساعدنا معرفة الجذور اليهودية للمسيحية على فهم الكثير من أقوال يسوع بشكل أوضح؛ لأن الكثير منها قد تناول صراع هليل وشماي في ذلك الوقت.

شخصية الحاخام هليل والحاخام شماي

في زمن يسوع والمسيحيين الأوائل بالكنيسة، لم يكن الفريسيون مجموعة متجانسة إذ كان هناك حاخمان بالأخص وهما هليل وشماي. كان لكل منهما مجموعة من التلاميذ، ومدرسة استمر نشاطها حتى نهاية القرن الأول الميلادي.

قدم كل من هليل وشماي مساهمة ملحوظة في القانون الشفهي لليهودية. فقد وجدت تعاليمهما طريقها إلى المشنا (القرن الثاني الميلادي) وبعد ذلك إلى التَّلْمُود (القرن الخامس الميلادي).

كان شماي ومدرسته يميلون إلى تقديم تفسيرات صارمة للقانون مقارنة بهليل ومدرسته. وهناك أسباب متعددة لاختلاف وجهات نظرهما، أحد تلك الأسباب يستند إلى طبائع الرجلين؛ إذ كان هليل لطيفًا وطيب القلب حين كان شماي صارمًا وسيء المِزَاج.

عندما جاء رجل وثني لشماي وقال له: “سأهتدي إلى اليهودية بشرط أن تعلمني ال بأكملها وأنا أقف على قدم واحدة“. فصده شماي بذراع البنّاء التي كانت في يده. لكن، عندما ذهب الرجل إلى هليل، أجابه هليل قائلا: “ما لا تحبه لنفسك… لا تفعله بغيرك… تلك هي التوراة كلها والباقي شرحا لذلك: اذهب وتعلمها.

(B. Talmud: Shabbat 3IA)

وقبل تدمير الهيكل الثاني في القدس، كان لمدرسة شماي التأثير الأكبر على الحياة اليهودية. أما بعد الدمار في عام ٧٠م، تغيرت تعاليم الهيكل وانتصر فكر مدرسة هليل الليبرالي على آراء شماي المتشددة.

قَبُول الأمم

اختلف هليل وشماي في نهجهما تجاه الوثنيين. فقد مدت مدرسة هليل أيديها للأمم، ورأت أن الأمم الذين يخشون الله يستحقون الخلاص تمامًا كاليهود. إضافة إلى ذلك، أعرب هليل عن أمله في أن يؤدي هذا التواصل إلى تفادي تدمير القدس. لكن، عارض شماي بشكل جذري هذا الانفتاح.

وقد تناول يسوع نقطة الخلاف حول قَبُول الأمم بين المدرستين، وعارض مدرسة شماي قائلا:

لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ

(إنجيل متى 23: 13)

كانت مدرسة شماي في وقت يسوع تتمتع بالنفوذ الأكبر، إذ كان أتباعها يشكلون الجزء الأكبر من الحزب الفريسي في زمن المسيح، واعتمدوا باستمرار التفسير الأكثر صرامة للتوراة اليهودية. بالتالي، فإن عبارة “يغلقون ملكوت السماء” تنطبق على بيت شماي فقط، وتناصر الرأي الهليلي. كما علق الحاخام إليعازر (Sanhedrin I05A) أن مدرسة شماي قد منعت الوثنيين من دخول العالم الآتي، وأعلنت أنه من المستحيل على الوثنيين الحصول على الخلاص.

الإصلاح والثورة

عندما شكلت مدرسة شماي أغلبية في وقت المسيح، لم يرفض أتباع هليل الخضوع لسلطتهم، ولم يا عليهم، بل فضلوا المعارضة الإصلاحية. بالتالي، يمكننا ملاحظة اتفاق المسيح مع بيت هليل في هذا النص أيضا؛ لأنه يقبل جلوس مدرسة شماي على كرسي موسى، ويوصي الناس بحفظ ما يعلموا به، لكنه يحذرهم من الاقتداء بهم؛ لأنهم يقولون فقط ولا يفعلون.

حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ قَائِلًا: «عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ

(إنجيل متى 23: 1-2)

ولكن في الوقت الذي شكلت فيه مدرسة هليل أغلبية، رفضت مدرسة شماي الاعتراف بهم على كرسي موسى، وجنحت إلى التمرد، لا الإصلاح. لذلك، فيسوع هنا يميل إلى النهج الهليلي الإصلاحي؛ لأنه لا يرفض مكانة خصومه على كرسي موسى، مع أنه يرفض تفسيراتهم للتوراة.

مساعدة الأبوين

يشير يسوع إلى عادة يهودية شمايية يتعهد بموجبها الابن أن يعطي الهيكل ما كان يمكن أن يعطيه رعاية والديه. يشير يسوع لمستمعيه إلى وجود تناقض بين الشريعة اليهودية وهذا التقليد الشمايي. فقد نصت الشريعة صراحةً “أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ” (خروج 20: 12).في حين أن تقاليد شماي سمحت لهم بمنح المعبد الأموال التي كان ينبغي في الواقع تخصيصها لدعم الوالدين. وعلى سبيل المثال، قد ورد في التَّلْمُود أن الحاخام إليعازر، المنتمي لبيت شماي، قد تبع هذا التقليد وتعهد بالتخلي عن جميع ممتلكاته بالتالي أكد أنه ليس لديه التزامات تجاه ابنه.

فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ أَيْضًا، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟ فَإِنَّ اللهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!

(إنجيل متى 15: 3-6)

أما هليل فقد رفض تمامًا أن ينذر المرء جميع ممتلكاته في المعبد. وفي ضوء ذلك، من المفهوم أن هذه العادة سادت بسبب هيمنة بيت شماي في ذلك الوقت. والتفسير الذي قدمه يسوع يتماشى مرة أخرى مع الاتجاه الذي اتخذه بيت هليل.

قوانين نوح السبعة كبديل عن الشريعة

وضعت اليهودية شرائع نوح السبع كأساس لكل دين، معتبرة إياها ملزمة للجنس البشري بأسره.

وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ.  وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ.  سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ. فَأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَاكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا».

(سفر التكوين 9: 1-7)

على مدار الوقت، اختلف عدد وصايا نوح لتتراوح من خمسة إلى سبعة حتى ثلاثين. ويرجع لويس فينكلستين أصلها إلى حِقْبَة ال عندما كان اليهود والأمم داخل الدولة بحاجة إلى المصالحة.

(باتريك جيه هارتن)

يعبر التَّلْمُود عن وصايا نوح السبع بهذه الطريقة:

علم حاخاماتنا: سبع تعاليم أمر أبناء نوح بتنفيذها: القوانين الاجتماعية؛ الامتناع عن التجديف؛ عبادة الأصنام؛ الانحلال الجنسي؛ إراقة الدماء؛ السرقة؛ أكل لحم حيوان حي

(B. Talmud: Sanhedrin 56A-59B)

وبهذه الطريقة يلتزم اليهودي بالتوراة، بينما يلتزم الوثنيون بالقوانين الملزمة لجميع الناس المعبر عنها في قوانين نوح.

وتلك الوصايا ذكرت في سفر أعمال الرسل، حين قبلت الكنيسة دخول الأمم إلى المسيحية:

أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ».

(سفر أعمال الرسل 15: 29)

اعتقد بيت هليل أن الأممي الذي مارس الوصايا النوحية العامة من الHasi dim (الصالحين) ويستحق مكانًا في العالم الآتي. لكن، لم يكن هذا نفس موقف بيت شماي التي ارتأت إلى أن الأمم الذين حفظوا وصايا نوح لا يستحقون مكانًا في العالم الآتي. وفي القرن الأول الميلادي فيما بعد، أصبح رأي هليل هو القائم، وتم حرمان الآراء التي عارضت قَبُول خلاص مؤمني الأديان الأخرى؛ على سبيل المثال، حرمت مدرسة هليل رأي الحاخام أليعازر بن هيركانس لتمسكه بتعاليم شماي وإصراره أن غير اليهود ليس لهم مكانًا في السماء حتى إن حفظوا الوصايا النوحية.

استمرت تعاليم هليل مع تطور المسيحية. فقد كانت مناصرة للأمم استمرارا للتعليم الذي تلقاه على يد معلمه اليهودي جماليل الذي كان هليليا. وبعد تحول بولس إلى المسيحية، دخل في صراع متكرر مع المسيحيين المتأثرين بيهوديتهم السابقة؛ إذ طالبوا المسيحيين من خلفية وثنية بالالتزام بجميع أحكام الشريعة اليهودية، كطقس الختان. ونلاحظ أن هذا الصراع قريب جدا من صراع مدرسة هليل وشماي.

كما انتصرت مدرسة هليل في اليهودية، كذلك انتصرت في المسيحية في النهاية، وأصبح موقف بولس هو الموقف الرسمي للكنيسة

( باتريك جيه هارتن)

الطلاق: ما المقصود بعلة الزنا؟

إن الفهم الصحيح لتعليم يسوع بخصوص الطلاق يعد مستحيلًا دون فهم صراع مدرستي هليل وشماي؛ فكما وضح الحاخام فولك في السابق، إن أغلب تعاليم يسوع كانت تعليقات على صراعات دينية يهودية قائمة في عصره.

بادئ ذي بَدْء، لم تختلف المدرستان، بل والمدارس اليهودية الأخرى حول السماح بالطلاق بموافقة كلا الزوجين. فكل المدارس اليهودية قبلت الطلاق وكتابة كتاب طلاق.

إن اليهودية لا تشجع على الطلاق بالطبع، لكنها اعترفت بصلاحيته دائمًا. فقد تأسس خط ي من خلال زواج داود من -التي كانت والدة سليمان- وطلقها . ويعتمد هذا على التقليد الحاخامي القائل بأن جميع الجنود الذين غادروا لحروب داود طلقوا زوجاتهم أولاً

(الحاخام هارفي فولك)

لكن، بالرغْم من اتفاقهما على شرعية الطلاق، اختلف هليل وشماي حول الطلاق في حالة واحدة، وهي إذا كان بإرادة الزوج وحده: وسمح شماي بالطلاق بإرادة الزوج المفردة فقط في حالة الزنا، بينما سمح به هليل في حالة حب امرأة أخرى، ولأسباب سطحية عدة مثل الطبخ الرديء، إلخ. وتاريخيا، في وقت زعامة مدرسة هليل، كان مسموحا فعلًا للزوج أن يطلق زوجته رغما عن إرادتها حتى القرن العاشر الميلادي لأي سبب يراه مناسبًا.

(Jewish Encyclopedia)

من الجدير بالذكر أن هذا الخلاف كان خلافًا خاصا باليهود فقط، ولم يشغل الأمم. ولم يكن مطلوبًا من الأمم تطبيق شريعة التثنية بخصوص تقديم كتاب للطلاق، فيمكن للزوج والزوجة تسوية الأمر بينهما دون كتابة مستندات بذلك. وقد عارض بعض حاخامات اليهود هذا الأمر، ورفضوا طلاق الأمم مطلقا بهذا الشكل، والبعض الآخر، ارتأى إلى أن الأمم غير ملزمين بما جاء في شريعة اليهود.

أما عن رأي يسوع حول خلاف هليل وشماي بخصوص الطلاق بإرادة الزوج وحده، فسنجده يخالف الخط الهليلي الذي رسمه لنفسه. فلأول مرة، يرفض يسوع تأييد هليل في قَبُول طلاق الزوج لزوجته رغما عنها لكل سبب، بل نجده يقتبس مقولة شماي عن السماح بالطلاق لسبب الزنا فقط.

وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي

(إنجيل متى 5: 31-32)

بالطبع، لم يفهم الناس قول يسوع في هذا الوقت على أنه رفض للطلاق عمومًا؛ لأن تطابق مقولة يسوع مع مقولة شماي يوضح أن يسوع يعلق على الخلاف الهليلي-الشمايي الشهير بخصوص طلاق الزوجة لأي سبب يراه الزوج مناسبًا رغمًا عن إرادتها، وهذا الخلاف لم يكن خفيا على أحد في هذا الوقت، إذ كانت خلافات هليل وشماي تمثل قضايا عامة، يتناقش فيها الجميع، ويؤكد هذا سؤال الجموع ليسوع في البداية:

هَلْ يَحِلُّ لِلرَجُلِ أَنْ يُطَلِقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَب؟.

(إنجيل متى 3:19)

لقد اعتاد يسوع التعليق على خلافات المدرستين وإبداء رأيه الذي لطالما ناصر آراء هليل ال. وكما اعتاد يسوع أن يقتبس من كلمات هليل، مثل قول هليل: ما لا تحبه لنفسك… لا تفعله بغيرك… تلك هي التوراة كلها والباقي شرحا لذلك التي أصبحت: فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ. (إنجيل متى 7: 12)، اقتبس يسوع قولا لشماي في حديثه عن الطلاق، وهي المرة الوحيدة التي ناصره فيها؛ لأن الرأي الهليلي لم يكن منصفًا للمرأة، ويعطي سلطة للرجل لإنهاء العلاقة بلا أسباب.

أما عن قول يسوع: وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق (إنجيل متى 31:5)، يعلق الحاخام فولك قائلًا:

يبدو أن يسوع لم يرغب في أن يمارس أتباعه قاعدة الطلاق المكتوب الموضحة في سفر التثنية… لقد أراد يسوع أن يؤسس دينًا للأمم على أساس نظام نوح: فيسوع في (متى 19: 5-6) يؤسس تعاليمه المتعلقة بالطلاق على نص في التكوين (2:24)، وهذا النص قد نوقش صراحة في ال على أنه ينطبق على قوانين نوح.

(الحاخام هارفي فولك)

ويعلق باتريك جي هارتن:

حين أشار يسوع للزنا، استخدم لفظة porneia [بورنيا] المكتوب في القانون النوحي. وقد أثار هذا اللفظ جدلا واسعا واختلف الناس على معناه. ويبدو أنه يشير إلى طهارة طبيعة الإنسان الداخلية.

(باتريك جيه هارتن)

إن إشارة المسيح للزنا بلفظته في القانون النوحي (porneia) توضح أنه لم يرد لأتباعه تطبيق شرائع اليهود، ويذكرنا هذا مجددًا بفكرة قَبُول الأمم دون الحاجة إلى التهود، وانتهاء صَلاحِيَة شريعة العهد القديم عند المسيح وبولس.

من يقول إن يسوع قد رفض الطلاق عمومًا وأحله لعلة الزنا فقط، هو في حقيقة الأمر جاهل بالخلفية التاريخية لنصوص الطلاق، بل والخلفية التاريخية لنشأة المسيحية كليًّا.

 


مصادر:

Jesus the Pharisee: A New Look at the Jewishness of Jesus, (Harvey Falk)
كتاب “يسوع الفريسي: نظرة جديدة على يهودية يسوع” للحاخام هارفي فولك

The Pharisaic Roots of Jesus and the Early Church, (P.J. Hartin)
مقال “الجذور الفريسية ليسوع والكنيسة الأولى” للأب الكاثوليكي باتريك جيه هارتن

DIVORCE: Jewish Encyclopedia (Solomon Schechter & David Werner Amram)
مقال “الطلاق”، الموسوعة اليهودية

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

يسوع الفريسي 1
[ + مقالات ]