سؤال لزملائي من الصحفيين المتابعين لملف الكنائس المصرية: هل يصح اللجوء لشخص باعتباره مصدراً -لمجرد أنه يضع "عمة" (أسقف/ كاهن) على رأسه وليس له أي دراسة أكاديمية لاهوتية في جامعة معترف بها أكاديميًا- للحديث عن أمور لاهوتية تخص العقيدة المسيحية؟

جال في خاطري هذا التساؤل خلال جلسة بعنوان “خطاب الكراهيَة وتغطية الأديان”، مع دكتورة زاهرة حرب أستاذة الصِّحافة الدولية في جامعة سيتي لندن، وعضوة مجلس الأمناء في شبكة الصِّحافة الأخلاقية، ضمن برنامَج زمالة “الصِّحافة للحوار” الذي نظمه بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (KAICIID) في المدة بين 3إلى 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، في لشبونة بالبرتغال، خاصة مع توصية دكتورة حرب بتوخي الحذر في التعامل مع مصادر تدعي أنها “داعية” أو من “رجال الدين” وهم ليسوا مؤهلين للحديث في شئون الدين.

دون وعي بدأت في عمل إسقاط على الحالة المصرية التي أتعامل معها كصحفي وأقصد هنا مِلَفّ الكنائس المصرية وشئون المواطنين المصريين الذين يدينون بالمسيحية، الذي أعمل عليه منذ عام 2011، فخلال تلك السنوات ظهرت شخصيات تطلق على نفسها “نشطاء أقباط”، دشنوا ما يسمى بـ”حركات قبطية”، لكن على أرض الواقع لم يكن لها وزن حقيقي في الشارع أو على المستوى السياسي، وكنت أتحفّظ دائما على التعامل مع أغلبهم باعتبارهم مصادر ذات صلة بالملف الذي أتابعه، وبمرور السنوات ومع التغيرات التي طرات في خريطة الشارع السياسي المصري اختفت أغلب تلك الشخصيات عن الساحة.

لكن في السنوات الأخيرة بينما اختفى بشكل كبير “النشطاء الأقباط”، ظهرت مجموعات متشددة تنتمي فكريا للأصوليات الدينية، وتخاطب الجمهور بلغة اﻷغلبية (الأرثوذكسية) على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحت زعم “حماية الإيمان”، لكنها واقعيا تبث سموم الكراهيَة والتحريض والتمزيق والتفتيت بشكل واضح، وتتخطى حقوق الاختلاف السلمي في التعبير عن الرأي مثل أن تكون ضد المختلف دينيا أو مذهبيا، لتكون جماعات سلطوية إقصائية ضد من ينتمون لنفس الكنيسة معهم، ويطلقون عليهم “المستنيرين”، لكونهم  ﻻ يوافقونهم نفس خطاب الانغلاق والتشدد الرافض للآخر دائما، وكانت تَرْجَمَة لهذه التحريضات مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس في 29 يوليو 2018.

بعد هذا العرض أخاطب نفسي وزملائي من الصحفيين المتابعين لشأن الكنائس المصرية، بهذا السؤال هل يصح أن نفتح المساحة المتاحة لنا في جرائدنا ومواقعنا للكتابة، لشخصيات تبث خطاب كراهيَة وتحريض وتدعي أنها تملك “شهادات لاهوتية”، لكنها غير أكاديمية أو من جهات ليست تحظى بالاعتراف الأكاديمي؟

والسؤال الآخر الذي طرحته في بداية هذا المقال هل لأن هناك شخص على رأسه “عمة”، وهو بمعايير الصِّحافة يعد مصدرا رسميا ذو صفة كـ”أسقف إيبارشية”، يجب الرجوع له في أحداث أو فعاليات تخص نطاقه الإداري، لكن سؤالي ليس عن هذه الصفة بل عن “الصفة اللاهوتية”، والمقصود بها ما يخص “شئون اللاهوت” باعتباره علم يدرس أكاديميا في الجامعات، فهذه الأمور داخل الكنيسة لا يتحدث فيها إلا المتخصص و”العمة”، هنا ليست صفة التخصص بل الدراسة الأكاديمية في جامعة معترف بها.

فهل ننتبه لذلك؟! حتى لا نكون منابر لمن يبث خطاب الكراهيَة، أو خطاب “غير دقيق علميًا”، يهاجم به أطراف أخرى ويوصمهم بكلمات مثل “الهرطقة”، وهي تهمة شديدة الْخَطَر في المسيحية تعادل تهمة “الكفر” في الإسلام، وبهذا يتم استغلالنا لكي نكون منبر لهذا الخطاب أو لشخص يقول هذا الخطاب تجاه أشخاص أو مجموعات أخرى ويحرض ضدهم، فالنتيجة هنا قد تكون حياة إنسان لو لم ننتبه ولنا في مقتل إبيفانيوس عبرة.

أعود هنا لبرنامج زمالة “الصِّحافة للحوار”، وهو خبرة مهمة لأنه جمع مجموعة متنوعة ومختلفة من الصحفيين والصحفيات من عدة دول عربية، والبرنامج مهمته إنارة الطريق للصحفيين الذين يعملون في تغطية الشئون الدينية أو شئون الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، وكيفية تقديم تغطيات صحفية مهنية وموضوعية، وخلال مقابلة صحفية مع فريق الإعلام التابع لـ(KAICIID) أوضحت أنه عندي مسؤولية لنقل تلك الخبرة التي اكتسبتها من البرنامَج إلى زملائي، وهنا أوجه دعوة لزملائي وزميلاتي لترتيب لقاء فيما بيننا حتى نرسم معالم خريطة التعامل مع المتغيرات التي طرأت مع مِلَفّ مهم نعمل على متابعته منذ عدة سنوات.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات