Search
Close this search box.
تفتح عينيك فجأة لتجد نفسك داخل مكان رائع، ويخبرونك أنك الآن ميت! لا بأس لأنك في "المكان الجيد" الجنة أو الفردوس، وذلك ناتج عن إن نقاطك الجيدة التي حصلت عليها على الأرض كانت أكثر من السيئة، لذلك أنت هنا.

"مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا 1تلك كانت بداية المسلسل الكندي “المكان الجيد” حيث أربعة من أبطاله انتقلوا إلى “المكان الجيد” كلاً على حِدَةٍ حيث يرحب بهم “مايكل”، المهندس المعماري في “المكان الجيد”، ويأخذهم تباعاً في جولة داخل المكان الذي صُمم بناء على ما كانوا يفضلونه وهم على الأرض. الأربعة هم “شيدي”، بروفيسور في علم الأخلاق، وشريكته “إليانور”، محامية وعاملة بمجال حقوق الإنسان، و”تهاني”، أرستقراطية معنية بمجال الأعمال الخيرية، و”جيانيو”، راهب بوذي صامت.

لا تمر الحلقة الأولى حتى تكشف “إليانور” لـ “شيدي” أن هناك خطأ ما في النظام، وأنها ليست “إليانور” المحامية، بل أنها فتاة عادية تبيع دواء مغشوش لكبار السن، وأن نظام الجنة لابد وأنه أخطأ ويجب أن يساعدها حتى لا يرسلونها إلى “المكان السيئ”، وعلى مدار الموسم الأول نكتشف أن “جيانيو” أيضا ليس راهب بوذي صامت، بل مشغل أَغَانٍ “دي جي” وحرامي، وأنه جاء “المكان الجيد” بالخطأ أيضا، ويقع على “شيدي” عاتق أن يعلمهم الأخلاق ويُحسن من سلوكهم حتى يبقوا في “المكان الجيد”، ولكن أيضا يجب أن يتكتم على سرهم، وهو يتعذب من أجل ذلك لأنه عاش كامل حياته على الأرض يُدرس الأخلاق ولا يؤدي عملًا واحدا دون التأكد من أنه أخلاقي، لذلك، يصاب بالتردد والخوف من كشف أمرهم.

بالنهاية، ينكشف أمرهم من قبل “مايكل” ويحاولون إقناعه بأن دروس “شيدي” في الأخلاق جعلتهم أشخاص أفضل، وأنهم يستحقون البقاء في “المكان الجيد”. لكن الأمور تتعقد ويكون الحل النهائي إن اثنين منهما يجب أن يذهبا إلى “المكان السيئ”، وعليهم أن يختاروا فيما بينهم. هنا تشعر “إليانور” أن ما يحدث غير طبيعي وأن المكان يدفعهم لتعذيب بعضهم البعض نفسياً، لذا لابد أن هذا المكان هو “المكان السيئ” (الجحيم) وليس “المكان الجيد”، وهنا يكشف “مايكل” عن نفسه بأنه شيطان يعمل كمهندس معماري بـ”المكان السيئ” وأنه أقترح على مديره طريقة جديدة لتعذيب البشر بدلا من سحقهم وحرقهم ودهسهم، أن يدعهم يعذبون بعضهم البعض نفسياً لأنه أكثر إيلاماً من التعذيب الجسدي.

“تهاني” و”شيدي” لا يصدقان أنهما في “المكان السيئ”. كيف وهو بروفيسور في علم الأخلاق و”تهاني” جابت العالم تساعد الآخرين، ليكشف لهم “مايكل” أن تردد “شيدي” الدائم تجاه كل القرارات في حياته حتى أبسطها، قد أفسد حياته وحياة الآخرين من حوله، و”تهاني” لم تشفع لها أعمالها الخيرية التي كانت تفعلها لجذب انتباه والديها الذين يفضلون شقيقتها عليها.

على مدار مواسم المسلسل التالية، يكافح الأربعة لإثبات أنهم تحسنوا أخلاقياً وإنسانياً في تلك الجنة المزيفة، لأنه حتى وأن كانوا يعذبون بعضهم البعض داخلها دون أن يدروا، إلا أن تلك الجنة المزيفة كانت أرحم مما كانوا يتعرضون له على الأرض ليثبتوا أن الإنسان يتحول للأفضل مهما كان سيئ إذا توافرت له البيئة المناسبة ليكون إنسانا جيدا، وكانه على استعداد لذلك، وكان أبطالهم الذين أثبتوا ذلك وغيروا نظام الكون هما “إليانور” وشيدي” و”تهاني” و”جيسون”…

ولكن بطلنا اليوم هو “” الذي أثبت نفس نظريتهم على مدار أعوام.

"مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا 3

“مو صلاح” ذاك الشاب ابن قرية “نجريج”، من أسرة بسيطة لا تملك الكثير حتى يكون “صلاح” متفوق دراسياً أو خلافه، ولن أحكي لك عن مسيرة نجاح “صلاح” الكُرَوِيّة حتى وصل إلى “”، فتجربة “صلاح الإنسان” بالنسبة لي اليوم هي الأهم.

كيف تحول ذلك الفتى الفقير مادياً واجتماعياً ودراسياً وثقافياً إلى رمز رياضي غني مادياً وثقافياً وإنسانيا؟ ولماذا “صلاح” تحديدا مع أننا رأينا الكثيرين من لاعبي كرة القدم المصريون يحترفون في الخارج ولكن لا أحد منهم وصل لما حققه “صلاح”؟

“صلاح” ليس أفضل لاعب كرة قدم، وربما يكون في المستقبل وربما لا. لكنه تجرِبة حيّة ثرية أتمنى أن يسعني العمر حتى أراه في كهولته يجلس مع أحد المحاورين المصريين وهو يحكي كيف تحول ذلك “النجريجي” إلى “المو” إنسانيا وليس كروياً.
امتيازات “مو” ليست في قدمه بل في رأسه، ذلك العقل الذي قدر ما قُدم له وكان عنصرا قابلًا وليس طاردًا و لا مُصمتًا، “مو” الذي يسمع ويفكر ويُغير لأنه تعلم أن الثابت الوحيد في الحياة هو التغيير، ذلك التغيير الواعي الممتد على مدار سنوات من التجربة والخبرة. ومع ذلك “محمد صلاح” بالنسبة لجمهوره من العرب والمصريين يتحقق بواسطته معنى واقعي لأغنية عمرو دياب “أحبك أكرهك”.

عمرو ديابأحبك، أكرهك.. أسيبك، أندهك..
أعلق نفسى بيكي.. ولا أعمل فيكي إيه..

أضمك، أبعدك.. أخونك، أوعدك..
غريب إحساسي بيكي.. مش مطمنله ليه..

(عمرو دياب، ألبوم اكتر واحد بيحبك، 2001)

فتارة يُرفع على الأكتاف (فخر العرب)، وتارة على غفلة يطرحونه أرضاً، تارَة يكون “صلاح” الذي رفع رأس مصر والعرب والإسلام والرجال المصريين وأهالي نجريج وبسيون والغربية وعمي وخالك وعم سيد بتاع الفول،  وتارة يكون “صلاح” الذي أغرته الشهرة وتنصل من تقاليده وأهان عقيدته وتنكر لأصوله وزعل عمي وخالك وتسبب بجلطة لعم سيد بتاع الفول.

ماذا حدث؟ ما الذي تغيّر؟

كل شيء تغير، تغير بالتدريج، فصلاح الذي رفعوه على الأكتاف في 2017 حين رفض حمل زجاجة خمر إلى جوار الجائزة المقدمة من الشركة الراعية لجائزة أفضل لاعب في ليفربول خلال شهر أغسطس 2017 كالعادة مع أغلب اللاعبين كنوع من الدعايات، طرحوه أرضاً بسبب حواره مع “عمرو أديب” في 2021 حين سأله “عمرو” عن الخمور فأجابه “صلاح” أن كل ما في الأمر أنه لا يحبها ولا أحد من حوله يجبره على شربها، وهنا تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة لقذف “صلاح” بسبب تصريحه مع تذكيره بأن الخمر حرام وأن إجاباته مخالفه للدين.

“خسارة.. صلاح كان حاملاً للقرآن والآن يحمل كتب لا معنى لها”
“عار.. بنات صلاح لم يرتدوا الحجاب حتى الآن”
“عار.. صلاح يجعل زوجة تتسلم جائزة بدلا منه”
“عار.. صلاح يظهر في صور له عاري الصدر على الشاطئ”
“عار.. صلاح في صوره مع وكيل أعماله وإلى جواره خمور”
“عار.. صلاح يحتفل بال مع أسرته”

(نماذج من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي عن صلاح)

"مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا 6إجابات “صلاح” كانت بعيدة كل البعُد عن الإجابات النموذجية التي يضعها الشعب (المتدين بطبعه) للاعبي كرة القدم والفنانين تحديدا، لم يُحسب له أنه يرفض بقرار شخصي شرب الخمر بل أرادوا أن يخبرهم أنه مجبر لأنه حرام! و من هنا الموضوع دائما في تطور مستمر. لم يشفع له تفوقه الأخلاقي والكروي والإنساني أمام تفوقه الديني الذي أرادوه.

لا يلتفت صلاح كثيرا لكل ما يدور حوله ولم نسمعه أبدا يرد على منتقديه وشاتميه، فأهم ما يميز انشغاله بتطوره الذاتي والعمل عليه بجد، فصلاح ممتن لتلك الفرصة التي أتاحت له أن يكون في مناخ أفضل على المستوى حرية الإنسان الفردية بعيدا عن ضغوط مجتمع أصابه الهوى الهستيري، لذلك فهو ماض في طريقه يمارس حريته دون النظر لتوابع ذلك على المجتمع.

"مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا 8

هذا الأسبوع تصدر “صلاح” الأخبار مرتين والمرتين أثارا الجدل بين من يسموهم نبض الشارع! من هم نبض الشارع؟ فأنا من ذلك الشارع ولم يجس أحد نبضي!
نبض الشارع المتمثل في المواطن المصري الأصيل ابن القرية الذي كان يعود من الخليج بالجلباب الأبيض وهو مُعوج اللسان ويحلف بحياة الملك وحياة كفيله ومع ذلك ينعت صلاح بالخائن عندما ينعي ملكة البلد الذي يعيش به ويتمتع بخدماته ويلعب لأحد أنديته في مجاملة واجبة على أي شخصية عامة، ومن الغريب إن نفس الفئة التي انتقدت “صلاح” لتعزيته في “الملكة إليزابيث”، منذ أسبوع كانوا يروجون من خلال منشوراتهم إن “إليزابيث” من نسل الرسول.

عمرو ديابأنا رايح فين.. أنا راجع تاني..

(عمرو دياب، أغنية حبيبي يا عمري، ألبوم علم قلبي،  2003)

أهانوه ووصفه في بعض التعليقات على حسابه بأنه خروف بريطانيا وأنه خائن، مع العلم بالشيء، أن صلاة الجنازة التي حضرها رؤساء دول ورؤساء وزراء، حضرها أيضا رئيس مجلس الوزراء السيد “” نيابة عن الرئيس، “ازي الحال بقى يا بلدينا؟”.

"مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا 11

أما بالنسبة لصورته مع “سونيا جرجس” ملكة جمال مصر السابقة فلن أخبرك لماذا أثارت الجدل لكني أعلم وأنت تعلم وعم سيد بتاع الفول أعلم مننا نحن الاثنين لماذا ثاروا على الصورة لدرجة تجعلني أشعر بالضيق والاشمئزاز تمنعني أن أُكرر ما قالوه.

هل علمت الآن لماذا فكرة المسلسل عبقرية؟

فلا عذاب أبشع من تعذيب البشر لبعضهم البعض فهم بكل بساطة قادرين تحويل حياة بعضهم إلى جحيم بأقل مجهود ولكن على الطرف الأخر، حينما يتوفر لإنسان أن يوجد في مكان أكثر إيجابية ولديه “القبول” للتغيير، بالتأكيد يتطور للأفضل.. ولا عزاء لقوابل المجتمع المصمتة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

فيبي أنور
[ + مقالات ]