تبعتهم في خوف، إذ إن الموقف مهيب ومخيف فعلا.
كانوا قد أمسكوا بها في ذات الفعل!
متهمة بالزنا ومقبوض عليها في حالة تلبس.
بالنسبة لهؤلاء، هذه ليست صيدة عادية، هي قمة ما يسعون إليه.
أخذوا يصرخون عليها.
كانت في نظرهم عاهرة ساقطة ولم يروا فيها إنسان ساقط من المجد.
خفت أن انكشف أمامهم، ارتعت من أن تظهر خفايا نفسي أمام هؤلاء.
أنا مثلها، فقط لم أفتضح في العلن.
ولكن… أي أمان وسط وحوش كأولئك؟!!
رغم الخوف، إلا أن الفضول دفعني لكي أستكمل المسيرة خلف الجمع.
صاح قائل: لنأخذها إليه.
ضج الجميع: نعم، نعم، فلنر ماذا يحكم فيها؟
وفي الخلف كان ذلك اللعين يبتسم ساخرا.
كان قد نجح في ليّ عنق الحقيقة وجعلهم يصدقون أنهم حراس الحقيقة وأطهار الناموس.
كان هادئا، يشع من كيانه كله ضي الألوهة المعتاد.
الحقيقة، هو شخص محير وله من المواقف المتعددة ما يضفي عليه قدسية خاصة.
وهذا الموقف لهو اختبار حقيقي:مثلها تُرجم حسب الناموس، فماذا يقرر هو؟
إن وافقهم، فقد كسر قانون الرحمة الذي يحياه ويبشر به.
أما إن خالفهم، فقد كسر ناموس الأعظمين وأصبح هو نفسه مستحق الحكم.
طرحوا عليه تساؤلهم، تجاهلهم.
ألحوا عليه، فأنتصب قائما بعد أن كان يكتب على الأرض.
“من كان منكم مبررا بالكلية أمام ناموس الحكم، فليرمها بالحجر”>
كانوا يحملون الحجارة بالفعل في أيديهم؛ كانوا متحفزين لإرسالها إلى الهاوية بلا تردد.
في دقائق قليلة، انفضوا من حولها وحوله.
لم يوجد بعد من يستطيع أن يواجه حكم الناموس في ذاته.
واقترب هو منها، طمأنها وكفكف دموعها.
أوصاها ألا تعود مجددا لما أدانها وجعلها عبدة للجسد.
سألته مباشرة بعد أن مضى الجميع:
“فسر لي كل ما حدث”.
ضحك في عذوبة:
“هم ظنوا أن الناموس يعطيهم حق الحكم، لا.
لم يرسله أبي لهذا الغرض. به تعرفون الخطية وتشتاقون للخلاص.
لم يكن غرضه أن تحكموا في بعضكم البعض، بل أن تعرف عن نفسك.
أن تعي أن ما ترنو إليه من مجد لن يتم بتطهيرات وشرائع.
تناولوا حجارة ليرجموها ولم يدركوا أنها سقطت من المجد ولكنها لم تسقط من مراحم الله.
تناولوا حجارة ليرجموها ولم يدركوا أنهم هم أنفسهم مستوجبين الحكم تحت الناموس ذاته”.
ثم تنهد، وأكمل:
“أرسلني الآب للعالم، مبررًا أمام الناموس ولا شكاية علي.
كنت أنا الوحيد الذي يملك أن يرميها بالحجر، و لكن…”
ونظر لي في عيني:
“لم آت للحكم عليكم بل لتكون لكم حياة وليكون لكم أرحب وأوفر.
هذه التي رأيتها ماضية، أحضروها إلي كسيرة ومنطرحة.
لكنها أيضا ابنة لإبراهيم ولا يمكن أن أهمل عنها خلاصا هذا مقداره.
لم تتشوه صورة الله فيكم بالكلية، لكن الخطية خاطئة جدا وأعمت أعينكم.
وجعلت من سقط فيها كسير ومن أدانه قاتل.
كلكم سقطتم وأعوزكم مجد أبي”.
ولن أنسى ما حييت ما قاله لي ختاما:
“أنا الوحيد بينكم من كان يملك أن يرمها بحجر حسب إنسانيتي؛ إذ إني بلا خطية.
وأنا أيضا الوحيد بينكم من كان يملك كسر الناموس حسب بنوتي؛ إذ إني أنا معطيه.
ولأنكم أحباء الله ومدعويه للتبني، لم أكن لأقيم الناموس في عهد النعمة.
أسقطت شريعة الحجر لتسود نعمة المحبة”.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟