كان خاطئا حسب فهمنا.
أمسكناه، طردناه خارجا، شهّرنا به.
أخذناه إلى خارج، إلى قارعة الطريق حيث طرحناه أرضا وضربناه.
تركناه ملقى بين حي وميت جسدا وهو مذبوح روحا.
عدنا حيثما كنا، ولبسنا ملابس الخدمة المسائية.
وقفنا أمام مرايا أنفسنا وتيقننا من بريق مظهرنا.
عدنا إليه لكي نعبر عنه ونجوزه.
فإذا بالوقح يمد يده طلبا للمساعدة، ويحك!!!

نحن رجال الله و مستأمنيه في الأرض، أتنجسنا بدمك الملوث؟ أتدنسنا بملمسك القذر؟ إنما أنت إلا خاطئ أثيم.
لفظناه وعبرنا ودخلنا إلى غير موضع.
أبدلنا ثيابنا ولبسنا زي جديد.
وقفنا ثانية أمام مرايا أنفسنا، وتيقننا من بريق مظهرنا.
عدنا إلى نفس الموضع، موضع الدَّم.
عدنا لكي نراه يهوى في ظلام ساحق يبتلعه ويخنق ما تبقى من روحه.
كدنا نفتك به لننتهي، لكنه قال:

من أنتم؟ لما لم أراكم من قبل؟!!!
هذيان الموت إذن!
حسنا، فلننتظر
اقترب أحدنا منه وأخبره بمن نحن، نحن من ضربك وتركك وجاز فعبر عنك مجددا وها نحن نسعى لكي نقضي عليك.
ضحك بعصبية، ليست لكم وجوه، فكيف أعرفكم؟

ليست لنا وجوه؟!!!!!
كيف؟
ظللنا ننظر حولنا فكنا فعلا دون وجوه.
حقا؟
ربما يكون شيء جيد
ولكن عبر الأفق رأيناه قادما.
في حنو ورفق مال إلى جانب ذاك المطروح ليطببه.
احتضنه ونظر له بأبوة وأخوة في آن.
ارتاح قلب المجروح له، وجهه له ضي الألوهة.
حضنه واسع وآمن، وله وجه مريح كان ليعرفه في وسط ألوف وربوات
صوته مألوف، ينادي قلبي.
لابد وأني أعرفه بشكل أو بآخر.
لا يمكن أن يعرفني إلا إذا كنت من خاصته.
يبدو إنه يعرف خاصته والمحتاجون إليه.
يناديهم بأسمائهم وهم يعرفون صوته ويتبعونه.
من أين أتى ذلك الغريب؟
لقد أخذ ذاك من وسطنا وجاز به، دون خوف ولا وجل.
كنا قد أخذنا حجارة لكي نجهز عليهما، ولكن لم نستطع.
لم يرم أحدنا بحجر أولا.
لم ينتهرنا، لم يغضب منا.
لم يواجهنا أو يخزنا بخزي الضمير المائت.
كان عبوره مثل قدومه: سلاميا ومنيرا
أخذ المطروح أرضا فتبعناه صامتين.
ترك خلفه تلك المدينة التي طردنا منها ذاك، فسرنا خلفه.
قادنا إلى رحب عظيم ومدينة جديدة كما لو لم تكن هناك.
أدخلنا في هيبة ووقار، اصطف الكثيرين ليرحبوا بِنَا.
لم نفهم، لم نعي.

طوال الطريق، كان الجريح يشفى تدريجيا.
كان ينهض بأكثر قوة ويتشدد بأكثر نشاط.
كان يتغير إلى تلك الصورة عينها، كما لو كانت تنطبع عليه من كثرة التطلع.
نخسنا في قلوبنا وبكتتنا ضمائرنا.
سالت دموعنا في صمت خجول.
كان الألم يكتنف جنباتنا ويتسرب إلى أرواحنا.
وفي هذه كلها، كان يبتسم ويحتضن.
ظهرت لنا وجوه ورأينا أنفسنا.
ولكن!!!!

كنا كلنا نشبه الجريح!
كنا كلنا هذا الجريح
أصبحنا كلنا أنا بمفردي ووجدته يمسك بيدي ويد الجريح في سلام وألفةٍ.
جعلنا واحدا معا وأشركنا فيه.
قال بحنو: هكذا أحببتكم، بل أحببتك
وأرى دمه يسيل علينا كلانا أنا والجريح.
أنا هو الجريح ولكني لم أعرفني.
أنا هو الجريح ولكني لم أقبلني.
أنا هو الجريح ولكني من جرحني وطرحني وكرهني.
لم نكن عدة ولم نكن اثنين، بل أنا وذاتي التي لم أقبلها.
وبدمه صنع سلاما لي معي.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

ماركو إيميل
[ + مقالات ]