بين الحين والآخر تندلع على ساحات "السوشيال ميديا" معارك جديدة، وفي كل معركة يتبارى فيها كل فريق بنص، إما نص كتابي، أو نص آبائي، أو ليتوروجي وفي كل مرة يكون البطل نص، إما نص غير كامل ومجتزأ من سياقه، وفي كل مرة نقدس النص ونزدري الإنسان الذي من أجل خلاصه وجدَ هذا النص.

يحاول كل فريق أن ينتصر في معركة حوارية سلاحها ليس المنطق أو العقل، ولكنها معركة تبدأ بسلاح السخرية مرورا بالسباب وتنتهي بالبلوك، الهدف الذي يضعه البعض أمامه الانتصار وحصد التعليقات و”اللايكات” حتى لو كانت على حساب ما تبقى من أنقاض من يحاوره، وكله تحت عباءة حماية الله والنص!!

ننسى أو نتناسى أنه قبل أن يكون هناك نصًا، أي قبل الشريعة المكتوبة، كان هناك الضمير الحي المتواجد في حضرة الإله الحي، فيصرخ يُوسُف الصديق قبل الشريعة التي كتب فيها الله بأصبعه “لا تزن” في نفس الوقت الذي كان الشعب يتنجس أمام البعل:

“كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟

(سفر التكوين 9: 39)

نتناسى أن النص يصبح عديم الفائدة بالنسبة لإنسان أمات الروح القدس عَنْوَة في داخل قلبه، والغريب يا صديقي أن البعض أصبح بارعًا في لي الحقائق واستخدام النص ليثبت فكرته، ويستخدم نص آخر ليثبت عكس الفكرة الأولى، مادام تبناها شخص لا ينتمي لفريقه أو جماعته، فإذا تكلم الفريق الأول عن الغفران.

“مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا.”

(إنجيل لوقا 6: 29)

يصرخ الفريق الثاني ما هذه المهانة والاستكانة، ما هذا الذل والخنوع لقد عارض السيد المسيح عندما لطمه واحدا من خدام رئيس الكهنة قائلا:

“أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟ “

(إنجيل يوحنا 18: 23)

فتجد أن آيات عدّة تتراص في مواجهة بعضها في غير موضعها السليم، آيات عن الهروب وآيات عن المواجهة “اهرب لحياتك” في مقابل “ليقل الضعيف بطل أنا”، آيات عن التبرير بالإيمان وآيات عن التبرير بالأعمال.

“مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟”

(رسالة يعقوب 2: 14)

في مقابل

“لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ”

(رسالة بولس إلى تيطس 3: 5)

آيات عن أن الإنسان خاطي وآيات عن أن الإنسان مبرر

“إِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا، إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ”

(رسالة يوحنا الأولى 1: 8، 9)

“صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا”

( رسالة بولس الأولى إلى  تيموثاوس 1: 15)

“وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ”.

(رسالة بولس إلى العبرانين 9: 26)

“لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ”

(رسالة بولس إلى رومية 8: 2)

“كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ الله”

(رسالة يوحنا الأولى 3: 9) 

 “نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ”

(رسالة يوحنا الأولى 5: 18)

وبالطبع لا يحتاج القارئ الواعي أن يدرك أن المشكلة كل مرة ليست في النص ولكن في سوء استخدام النص، في التربص بالآخر المختلف عني في تقسيم الجسد الواحد إلى فرق هذا لبولس وهذا لأبولس وهذا لصفا، المشكلة في ادعاء البعض باحتكار الحقيقة والدفاع عن الإيمان وحمايته، وفيما هم يدعون الحفاظ على الإيمان يغتالون المؤمنين، وفيما هم يدعون أنهم يحمون النص يصلبون المسيح من جديد، غير مدركين أن الكنيسة الأولى آمنت وصدقت يسوع المسيح الغالب لأوجاع الموت قبل أن يوجد نص مكتوب بين أياديهم.

إن كنتم تعبدون نصًا فضعوه في سياقاته الصحية أولا، وإن كنتم تعبدون الإله المتجسد فاعلموا أنه عندما كان بالجسد حارب تأويلات وتفسيرات الفريسيين الذين قدسوا تفسيراتهم المعيبة والمزيدة للنص حتى صلبوا صاحب النص، وما أشبه اليوم بالبارحة هؤلاء صلبوه وأولئك يغتالون أبناءه.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

مايكل جميل
[ + مقالات ]