لا نجد بلدًا يتحدث عنه الكتاب المقدس مثل مصر، وذلك بعد كنعان. والسبب ، أن إسرائيل كشعب الله المختار أقام في مصر حيث عاش اليهود هناك حوالي 400 سنة وأخيرًا خرجوا ”بذراع رفيعة “.
منذ عدة سنوات وجدوا كتاب مقدس طافياً على وجه ماء النيل حيث توقف علي ضفة كنيسة السيدة العذراء بالمعادي بالقاهرة . وكان مفتوحا على الإصحاح ١٩ من سفر أشعياء . وقد يشير هذا الحدث إلى أن الله يريد أن ينبه شعبه في مصر إلي الوعد الذي ضمنه الرب – ومن وراء الزمن – في العدد الأول من الإصحاح ١٩عن مجئ المسيح إلي مصر والبركة التي جال بها في كل بلاد مصر . وأن هذه البركة مازالت قائمة ، إذ أكدها ثانية في نهاية الإصحاح (آية 25) .
آية1 ”وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا“
الرب يسوع المسيح يأتي إلى مصر مع أمه العذراء ويوسف النجار، متجنباً مواجهة قبل الأوان مع هيرودس الملك وقوات الظلام . و في تجوله في مصر كلها باركها قاصداً شيئاً لمصر هو إيمان مصر بالمسيح لاحقاً علي يد القديس مار مرقس و زوال الوثنية : ” ترتجف أوثان مصر“.
آية2 ”وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً“.
لم يهدأ الشيطان وهيج الوثنيين ضد المسيحية في مصر ، وبدأ الإضطهاد ضد كنيسة مصر . ولكن لا خوف على الكنيسة من أي إضطهاد، فقد أنتشرت المسيحية خلال فترة الإضطهاد هذه .
آية 3 ، 4 ”وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ . وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ“.
إشارة لإضطهادات عنيفة بل ومستمرة كما توضح كلمة ” أُغلق“ على المصريين في يد مولى قاسٍ . وهذا واضح في تاريخ الإضطهادات التي عانت منها المسيحية في مصر علي أيدي المستعمرين من فرس ورومان وبيزنطييين وعرب . و أمتدت المسيحية وإنتهت فترة الإضطهاد، وأتت فترة راحة . ومع الراحة – للأسف – يبتعد الناس عن الله و نرى بداية ظهور ضعف في المسيحية ويشير إليه قول الوحي ” فيسألون الأوثان “ أي يتناقص أعتمادهم علي الرب .
أيات5 – 10 ”و تُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ (نهر النيل لا يزال يُدعى في كثير من بلدان الصعيد “البحر”)، وَيَجِفُّ النَّهْرُ ( تفريعات نهر النيل ) وَيَيْبَسُ. 6 وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ، وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ.7 وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8 وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصًّا فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ. وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ،9 وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ، وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ.10 وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ .“
نرى هنا صورة مؤلمة نتيجة هذا المولى القاسى والحُكم القاسى ، إذ ضعفت مصر ومعها الكنيسة وتركها المؤمنون وتحولوا الي إيمان وأديان غير مسيحية .
أيات11 – 16 ” 11 إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءُ ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ ! كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ : « أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ » ؟ 12 فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13 رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ . رُؤَسَاءُ نُوفَ إنْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا .14 مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا ، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ .15 فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ . 16 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا “ .
فحلَّ الضعف بمصر بسبب المولى القاسى القادم إليها من ثقافة متبدية وأيديولوجية ليس لها تاريخ بين الحضارات ، وما تبعه ذلك من تحول شعبها الذي تغرب عن أيمانه المسيحي ومبادئ الصدق والإنتماء لوطنه المستقاة من المسيحية . لذلك نري الآيات تصف ما حلَّ بمصر من ضعف ، ربما سياسى / إقتصادي / عسكرى ناتج عن تخبط الحكام إذ كانوا بلا حكمة . ولم ينفع المصريين التمسح في تاريخ مصرهم القديم ونهضتها المدوسة « كَيْفَ تَقُولُونَ : أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ ». كما تصف الآيات كيف عميت بصيرة المصريين عن أن ينفتح ذهنهم ليستبصروا العوامل الرئيسية وراء أنحدارهم بمصر بلدهم من جنوبها ( نُوفَ : ممفيس عاصمة مصر العليا جنوبي مصر) إلي شمالها( صُوعن : عاصمة شمال مصر القديمة) .
آية17 ”وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْبًا لِمِصْرَ . كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا “ .
قد يكون هذا حينما خضعت يهوذا( اليهود) لأشور أو لبابل وصار رجال يهوذا ضمن جيوش هذه الدول القوية. أو فترة أخرى في التاريخ كانت فيها أرض يهوذا أقوى من مصر و ترعبها بأسلحتها. وصارت ”يهوذا ( دولة أسرائيل الحالية ) رعباً لمصر“ علي مدي أزمنة حروب ٤٨ و ٦٧. ولتكون هذه الفترة الكئيبة بداية لبركات أرادها الله لمصر التي باركها بها حينما زارها من قَبل مع أمه العذراء . وكان ظهور العذارء في الزيتون بمصر سنداً لمصر في تلك الأيام الحالكة السواد بعد هزيمة ٦٧.
آيات18 ، 19 ” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا « مَدِينَةُ الشَّمْسِ ». 19 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا “ .
بداية البركات نراها في طريقة كتابة مدينة الشمس فهي قد تُقرَأ مدينة الهلاك وقد تقرأ مدينة الشمس . وهذا مقصود لأنه مع الضيقات التي يسمح بها الله يتشدد شعب الله، ويتركوا خطاياهم ويعودوا بالتوبة إلى الله . وبعد أن كانوا مدينة للهلاك صاروا مدينة للشمس، يسكن وسطهم المسيح الذي أسمه ” شمس البر“. ويكون مذبح للرب في وسط أرض مصر إشارة للكنيسة القوية التي إمتلأت بالمؤمنين التائبين الأقوياء.
”مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ“ . تاريخيًا قد تشير هذه العبارة إلي أن اليهود عاشوا في مصر في بعض الفترات. وتكلمت المناطق التي سكنوها بلغتهم . وروحيًا ، قد يشير أمتداد لغة المسيح في مصر إلي تحول مصر من الوثنية إلي المسيحية .
أيات 20 – 21 ” فَيَكُونُ ( مذبح الرب ) عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ . 21 فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ “.
إستمراراً لتدبير (مخطط) الله في مباركته لمصر، نجد أن هناك بعض الضيقات التي يسمح بها الله،( حكم الإخوان المسلمين بمساعدة أوباما ، وتهديد الإرهاب بإسم الدين ، وتهديد أثيوبيا بسد النهضة ، …ألخ ) وهذه الضيقات دائما تدفع المؤمنين إلى أحضان الله . فيجدون الله لهم معزياً (إش18: 4 – 6). وبعد فترات الضعف يتحولون إلى جبابرة في الإيمان. بل ويُرسل الله معزياً ومُعيناً لشعبه ( ربما هو الرئيس السيسي ). وهذه خطة الله دائماً ليعيد أولاده إلى حضنه، إذ يسمح بضيقات تأتي عليهم فيعودون يرتمون في حضنه كما عاد الأبن الضال إلى أبيه .
آية.22 ” وَ يَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ “ .
هذه الآية هي خلاصة الإصحاح كله، فالله لا يضرب إلا ليشفي بعد أن تكون مصر قد تعلمت من الضيقات المنصبَّة عليها، فتعود لإلهها .
آيات23 – 25 ” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ .24 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ،25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
ختام الأمر نراه هنا – الكنيسة القوية التي يكوِّنها الله في مصر ، يكون مثلها في أشور ، ويكون مثلها في إسرائيل . وتقف هذه الكنيسة القوية و الواحدة في إيمانها في وجه ” ضد المسيح “ الذي سيأتي في الأيام الأخيرة .
بعد سبي اليهود من أرض الموعد قديماً ، تشتت شعب الله ، جزءٌ في أورشليم وجزءٌ في بابل ( العراق ) وجزءٌ في مصر . ولما كان تعبير ”سكة “ أي ” الطريق“ هو من ألقاب المسيح التي سَمَّي نفسه بها ، لذلك قد تكون كلمات الوحي هنا هي نبؤة بأنه في الأيام الأخيرة سيكون ”شعب الله“ في هذه المناطق التي تمتد من مصر عبر إسرائيل إلى العراق ، في وحدة إيمان من خلال ”طريق“ الإيمان بالمسيح ، ويكون سلام عن ”طريق“ ملك السلام .
وقول الوحي ” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ“ هو إشارة لنوع من الوحدة بين إسرائيل ومصر وأشور. وهي ليست وحدة سياسية بل إيمانية لأنه يقول أنها ” بركة في الأرض “.
وفي زمان أشعياء النبي كان الصراع العالمي قائم بين آشور العراق ومصر، وكانت الدول الأخرى ومن بينها إسرائيل ضحية هذا الصراع . وكانت إسرائيل في ذلك الحين في صراع بين التحالف مع مصر أو آشور ، القوتين العالميتين المتضادتين في ذلك الحين .
دارت الحروب بين مصر وأشور وإسرائيل علي مدار التاريخ القديم والحديث . و في نهاية الأيام ربما سيرتبطون إيمانيًا في وحدانية العبادة ، حينما تؤمن ” البقية “ من بني إسرائيل – كقول الوحي علي فم بولس الرسول في العهد الجديد – ويتحدون إيمانيًا مع مؤمني مصر وأشور، فتكون هذه الوحدة في الإيمان القوي هي بركة للأرض و خميرة تخمر العالم كله.
فرب المجد يسوع يُعطي للكل سلامًا، يشعر الكل – في المسيح يسوع – أن الأرض للرب ولمسيحه، وليست مركزًا للنزاع، ويشترك الكل معًا في العبادة .
فالإيمان بالسيد المسيح يجعل الكل أعضاء في كنيسة واحدة تتمتع بالعمل الإلهي، لذلك دَعَى الوحي المقدس المصريين شعب الله، وآشور عمل يديه، وأسرائيل ميراثه .
لقد تكررت عبارة “في ذلك اليوم” حوالي خمس مرات في الأعداد [18-25]، وهي أشارة الي ملء الزمان أو إكتمال دورات زمن المآسي إلي أن يجئ ملء الزمان بالإيمان بالسيد المسيح ليحقق لنا هذه البركات بكونه “الطريق” الذي فيه تجتمع الأمم لتتمتع بروح الوحدة الروحية وفيض البركة . أمين .
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟