المقال رقم 1 من 2 في سلسلة اﻷقباط والحداثة
كانت بَذْرَة هذا الكتاب بعض من المقالاتِ التي كتبتْ ونشرتْ في موقع "الحوار المتمدّن" على شبكة الإنترنت، وبعض مشاركاتي في صحيفة "روز اليوسف" مع الزميل الصحفيّ الأستاذ "" (في صفحة قضايا تنويريّة)، ومحاضرة بعنوان "التماس والتضادّ بين الأقباط والعلمانيّة في مصر" كنت قد ألقيتها في صالون علمانيّون الثقافيّ في وسط البلد بالقاهرة، وقرّرت تجميع كلّ هذا بين دفتي هذا الكتاب مع إضافة هوامش، وإضافة موضوعات أخرى، كي تكون جل كتاباتي/ أفكاري المنشورة الخاصّة بالإصلاح الدينيّ/ الكنسيّ، مجموعة بين دفتي كتاب، وليست مبعثرة بين الجرائد والمواقع الإلكترونيّة والفيديوهات! حتّى يسهل الوصول إليها وقراءتها معاً، مما سيجعل فكرتي العامّة (التنويريّة) أكثر وضوحاً.

“السبب في انتشار الجهل أنّ من يملكونه متحمّسون جدًّا لنشره”.

(فرانك كلارك)

يجمع هذا الكتاب بين المقالات والأسلوب البحثي، ولكني راعيت تبسيط الأفكار قدر استطاعتي، حيث إن همّيّ الأوّل دائماً (الوصول للجماهير) وسؤالي الشاغل هو: كيف نصل بأفكارنا إلى الجماهيرِ؟!

فليس هذا كتاب”لاهوت” فحسب، بل هو كتاب عن (الإنسان المسيحي في مصر) وعلاقته بالكنيسة واللاهوت والمجتمع والسياسة، والهدف الأساسيّ من الكتابة هو المساهمة -ولو بقدر بسيط- في إثارة ودعم قضايا التنوير في مصر المحروسة! وتفجير وتثوير الوعي العامّ ضدّ كلّ قوى الشرّ في هذا البلد الطيّب! وبذلك سيكون نهجنًا في هذا الكتاب ليس الركون إلى اليقين المميت، بل النقد والفحص والمُساءَلة.

 إن النقد هو أهمّ أداة بناء عرفها العقل الإنسانيّ.

(الفيلسوف الألمانيّ: إيمانويل كانط (), 1724 – 1804)

انطلاقا من هذا المبدأ الهامّ، سنغوص في قضايا وهموم مسيحيّة-وطنيّة، فلا أحد هنا سيكون فوق النقد، فالجميع تحت سطوة النقد، الكلّ سيكون في موضع المُساءَلة والفحص والنقد. ولا بدّ أن ننوّه -حتّى لا يساء فهمنا- إنّنا في هذا الطرح لا ننطلق من مقارنة الأديان أو إثبات صحّة دين على آخر -وهذا ليس كلامًا دبلوماسيًّا، بل هذا هو عين الواقع- لأنّ هذا الكتاب ليس مجالًا للمقارنة في هذه المساحة، وليس الهدف من هذا الكتاب إثبات صحّة دين أو إثبات صحّة عقائد، بل الهدف هو (التنوير) كما أوضحنا، فالخلاف هنا ليس أيّ دين صحيح؟ أو هل هذا الدين صحيح أم لا؟ بل السؤال: كيف نقرأ هذا الدين؟  بل وننطلق أيضاً من فرضيّة أخرى وهي أنّ (الدين للشعب) حيث أنّ الله لم يرسل الدين لبعض رجال الدين أو ثلة من الكهنة لهم سمات خاصة، وهم فقط وحدهم يفقهون الدين وتفاصيله وباقي الشعب من الرعاع المسوقين بالخوف، لا وألف لا، فالدين (يسر وليس عسر) كما نردّد كثيرًا، والدين في جوهره بسيط، فلا يمكن أن يكون أرسل الإله الدين للتحكّم والسيطرة، كما يزعم “لصوص الدين” وسارقيه، بل جاء المسيح (ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل)! كما جاء في إنجيل يوحنّا الإصحاح العاشر.

لقد ظهر في الكنيسة القبطيّة مفكّرون كثيرون ومصلحون مخلصون كالأب متّى المسكين؛ و بباوي؛ وهاني مينا ميخائيل، والشهيد الأنبا إبيفانيوس أسقف ، ولكن لا بدّ من الاعتراف أنّه تمّ التنكيل بكلّ صاحب فكر، سواء كان لديه مشروعًا تنويريًّا شاملاً، أو مجرّد دارس ولاهوتي ضلعياً، وتمّ تجنّب وإقصاء مشاريعهم لمصلحة “الزعامة الدينيّة السياسيّة”!

  إنّ كلّ تقدّم معناه الحرب مع المجتمع. 

(جورج برنارد شو. (George )، مسرحيّة الزواج)

نعرف جيداً مقدار ما سنعانيه بهذه (الجرأة) على من ظنّوا أنفسهم أسياداً! ولذلك أظنّ أنّه من الجيّد أن ننّوه إنّنا نعلم جيّداً أنّه لا بدّ أن نخوض حرباً ضروس ضدّ ماهو سائد، وأنّ كتابتنا هذه لم تُقابل بترحاب شعبيّ -حيث أنّها تُقدّم حقائق وأفكار صادمة للمخيلة الشعبيّة- ولكن أيضاً لا بدّ أن يعرف القاصي والداني إنّنا لا ندعو إلى الصراع ولا التناحر، بل ندعو -وبكلّ صراحة- إلى خطابٍ واضح، وصوت جرئ، صوتٌ لديه وعي لاهوتيّ عميق، وعلى دراية بلاهوت الكنيسة ومفاهيمها وقضاياها، وله وعي بتاريخ مصر القديم والحديث، لتقديم خطاب “ثوريّ” وليس إصلاحيّ فحسب، فلا يجب أن نخاف من جيوش الجهلاء وجحافل البلهاء!
وهذا هو ما يحاول هذا الكتاب أن يقوم به، فهل ينجح؟
فهذا سيكون حكمك أنت أيّها القارئ العزيز!

علينا أن نعترف أن هذا ليس نبت جديد، أو فكر غريب، بل إنّنا نبنّي على من سبقنا من التنويريّين العظام (كما سنوضّح) وعلى دربهم نسير وعلى نورهم نهتدي!
و ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول: 
الفصل الأوّل: وال، والفصل الثاني: أزمة الفكر اللاهوتيّ في الكنيسة، والفصل الثالث: في نقد التخلّف والخرافة، والفصل الرابع: الشخصيّة القبطيّة الأزمة والحلّ والفصل الخامس: ، وثوريّة المسيح. 
وقرّرتُ إضافة ملحق: حوار لي كان قد نُشر في موقع الحوار المتمدّن وكان قد أجراه معي الكاتب الزميل سامح سليمان، وأيضاً ملحق طريف بعنوان “فتاوى” وهي صيغة فكاهيّة كنتُ قد استخدمتها للتهكّم على الفكر الأصوليّ والسخرية من الخرافات ال، على موقع التواصل الاجتماعيّ (الفيسبوك)!

وأحبّ أنّ أؤكّد إنني لا أعد هذا الكتاب وحيٌ منزّهٌ عن الخطأ، بل هي آراء تحتمل الصواب أو الخطأ، في كُلّيّتها مجملها أو بعض منها.
وثمّة ملحوظة أخيرة لا بدّ من التنويه والتكرار ففي الإعادة إفادة -كما يقولون- وحتّى لا يتاجر علينا “محدودي العقول وأصحاب الأهواء المريضة والأفكار المختلفة”، وهي أنّ النقد الذي يحويه هذا الكتاب ليس له علاقة بالمسيحيّة ولا العقيدة ولا الإيمان، بل هذا نقد لبشريّتنا كأقباط في جغرافيا معيّنة وزمان معين، وليس نقداً للمطلق الدينيّ المُنزّه عن الخطأ -على الأقل- بالنسبة لنا نحن المؤمنون به! وأي شخص يستخدم مادة هذا الكتاب للطعن في الكنيسة أو المسيحية محاولاً الاصطياد في المياه العكرة! سيثبت جهله وحماقته ولن ينال من المسيحية ولا من الكنيسية! ولكن سيعطينا دليلاً إضافياً على بلاهته!

وفي النهاية لا بدّ أن أشكر صديقي الأستاذ مينا فؤاد الذي كان لقراءته للمسودة الأولى لهذا الكتاب عظيم الأثر، فكانت تعليقاته هامّة جدًّا وقد استخدمتُها في تطوير وتوضيح بعض الموضوعات داخل الكتاب، ولا يفوتني أيضا أن أشكر المفكّر القبطيّ كمال زاخر لتقديمه للكتاب ودعمه المعنويّ وتشجيعه على الكتابة.
وأرجو من الله أن يكون هذا الكتاب نافعاً، وأن يكون محرّكاً لبركة الفكر الراكدة!

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: اﻷقباط والحداثة[الجزء التالي] 🠼 الزواج المسيحي بين سندان الدولة ومطرقة الكنيسة
باهر عادل
[ + مقالات ]

صدر للكاتب:
مجموعة قصصية بعنوان: "تحوّل"، ٢٠١٩
كتاب: "اﻷقباط والحداثة"، ٢٠٢٢