حصل نيافة الأنبا رفائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة على ماجستير في علوم اللاهوت (هكذا، دون تخصص!) من كنيسة هولي صوفيا التي يديرها زميله اﻷنبا ديفيد أسقف ايبارشية نيويورك ونيوإنجلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، وأجاز الرسالة مع التوصية بنشرها وترجمتها، وحملت رسالة الباحث عنوان: "تدبير الخلاص: كتابيًّا وآبائيًّا وليتورجيًّا وقانونيًّا"، وترأس لجنة المناقشة القمص إبراهام عزمي.
احتفى الشعب القبطي وصفحات الكنيسة القبطية بالباحث، بل وكتب البعض تعليقات على غرار أكسيوس أكسيوس، وأنّ الماجستير قد نال بركة حصول الأنبا رفائيل عليه. وعلى الجانب اﻵخر، وصف البعض الأمر بأنه مهزلة أكاديمية متكاملة الأركان، إذ جلس الباحث على المنصة ﻻ أمامها، وقدم شيئا أشبه بعظة تحذيرية من الطوائف الأخرى التي لا تعرف معنى الخلاص. ودون مناقشة جادة للرسالةـ وكانت بالمجمل لا تقارن على الإطلاق بمناقشات الرسائل التي تطحن فيها اللجنة الباحث بالأسئلة.
وقد سارعت صفحة “هولي صوفيا” على الفيسبوك بغلق التعليقات بعد حذفها لتعليقات الناقدين والإبقاء على تعليقات المحتفيين بدلا من الرد على الحجة بالحجة كما يفعل الباحثون. كما اتهم البعض صفحة “هولي صوفيا” بانتحال صفة “جامعة” دون اعتماد.
فهل الصفحة فعلا تنتحل صفة جامعة؟ ولماذا لم يختر الأنبا رفائيل جامعة معتمدة ينشر بها بحثه؟
الجامعات غير المُعتمدة
يقع الكثير من الباحثين عن الدرجات العلمية في فخ الجامعات المزيفة وبالأخص الجامعات الأونلاين التي تمنح درجات الدراسات العليا بالخارج، لسهولة الوصول إلى شهادة من مؤسسة مرموقة دون الحاجة إلى زيارة المؤسسة فعليًا، ويمكنك قراءة العديد من المقالات في هذا الصدد، مثل كيف يمكنك تجنب التعرض للخداع من قبل الجامعات المزيفة؟ وما العلامات التي تدل على صحة شهادة ما؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعرف أن الفاصل الحاسم بين الجامعة الحقيقية والجامعة المزيفة هو الاعتماد (Accreditation)، لأن بدونه تصبح المؤسسة غير مرخصة وغير معترف بها قانونًا. وعلى الرغم من سعي الحكومة في الولايات المتحدة لإغلاق مثل هذه الكيانات، لا تزال هناك جامعات جديدة تظهر كل يوم لأنه من السهل جدًا إنشاء جامعة مزيفة – إنشاء اسم يبدو مألوفًا وإنشاء موقعًا على الإنترنت يشبه الجامعات الحقيقية.
ويوجد مصطلح شهير في الولايات المتحدة يسمى Degree Mill (مصنع التقديرات) يطلق على الجامعات المزيفة التي تمنح درجات دون أي مجهود أكاديمي حقيقي. لكن، لا يمكننا أن نعمم ونقول إن كل الجامعات غير المعتمدة جامعات مزيفة، لكن كل الجامعات المزيفة هي جامعات غير معتمدة. مع ذلك، يمكنك الالتحاق بكيانات غير معتمدة إذا كان ما تقدمه من محتوى تجده مفيدًا لك، لكن لا تتوقع أن يعترف أحد بشهادتك. أو أن تعتبر نفسك قد حصلت على درجة علمية.
العلامة الثانية بعد الاعتماد هي مصاريف الجامعة. الشائع أن الجامعات المعتمدة ذات الثقل في العالم يحق لها طلب مصاريف طائلة لصعوبة اجتيازها وقيمة درجتها العلمية، أما الكيانات غير المعتمدة وبالأخص عبر الإنترنت التي تطلب مبالغًا مرتفعة من الطلبة مقابل الحصول على شهادة غير معترف بها بعد حضور عددا من الكورسات عبر الإنترنت، فعادة ما يتم تحذير الطلبة من الانضمام إليها؛ لأن مثل هذه المؤسسات ترفع من مصاريفها في مقابل تسهيل متطلبات الدخول وتسهيل الحصول على الدرجة بالتقليل من المجهود الأكاديمي، ويقصدها من يريد الحصول على درجة بلا مجهود؛ لأن بالطبع، تسجيل رسالة والعمل الدؤوب عليها لا يهم كل من يبتغي الحصول على درجات علمية.
أما بالنسبة للجامعات التي تسعى للاعتماد فيتم الإشراف على اعتمادها من مجلس اعتماد التعليم العالي (CHEA) ويتم فحصهم من قبل وزارة التعليم الأمريكية، وتدخل الجامعة برامج الاعتماد، ليتم تقييم أهداف الجامعة ومواردها من الأقران، وبعدها تحصل على الاعتماد.
بالعودة لهولي صوفيا، فوفقا لموقع الجامعة، تعرف جامعة هولي صوفيا نفسها بأنها جامعة عبر الإنترنت غير معتمدة، لكنها تسعى بنشاط للحصول على الاعتماد، وتقدم كورسات أونلاين من أعلى المستويات، ورئيس الجامعة هو نيافة الأنبا ديفيد، أسقف إيبارشية نيويورك ونيوانجلاند بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن الجامعة لم تذكر كيف تسعى للاعتماد؟ هل يشرف مجلس الاعتماد عليها؟ فهذه معلومات هامة من أجل الشفافية لأن التعامل كله يتم عبر الإنترنت.
لذلك، من المفترض أن تقدم “هولي صوفيا” ما يثبت وجود إشراف عليها حتى قبل الحصول على الاعتماد. كما يذكر الموقع أن قيمة الكورس الواحد في الجامعة 200 دولار أمريكي (4000 جنيه) وللحصول على ماجستير، يتطلب حضور 24 كورس للطالب الذي لم يلتحق بالإكليريكية و18 كورس للحاصل على شهادة الإكليريكية.
الرسالة منتج متخصص، وليست منتجا شعبويا
كما يعرف معظمنا، يشترط لتسجيل أي رسالة ماجستير أن تكون محددة ودقيقة، ولذلك، يجب على المشرف على الباحث فرض قيود (محددات) على الرسالة؛ للإجابة على استشكاليه محددة. لأن تشعب الرسالة وعدم تحديد مخرجات بعينها وفق منهجية (Approach) بعينها يدل على ضحالة الرسالة. على سبيل المثال، لا يمكن أن يتقدم أحد بموضوع عن دراسة رواية أدبية مثل “أوليفر تويست” من منظور فلسفي، سياسي، اجتماعي، نفسي؛ ينبغي على الباحث تحديد منظور معين ثم تحديد منهجية بحثية معينة يبرز من خلالها إشكالية معينة يبحثها باستفاضة وعمق؛ لأن رسالة ماجستير من 40 إلى 80 صفحة لن تحتمل كل الرؤى المفتوحة. كثرة المنهجيات الفضفاضة المسمى والمختلفة اﻵلية، تعد تناولا لقشور سطحية عابرة من كل منهجية وليس التعمق بمنهجية محددة. وحتى في أبحاث التخرج، يتم رفض المواضيع الفضفاضة.
كما يشترط أيضًا أن يكون موضوع الرسالة جديد وغير مسجل من قبل لإجراء بحث أصلي وإضافة معرفة جديدة إلى مجال علمي محدد. لذلك، فتغطية موضوع مثل تدبير الخلاص من منظور كتابي، آبائي، ليتورجي، قانوني في رسالة ماجستير واحدة أمر غير مألوف ولا يتوافق مع قواعد الأكاديميا؛ كما أن هناك العديد من رسائل الماجستير المنشورة بالفعل قد تناولت موضوع الخلاص من الرؤى الأربع المذكورة. فعلى سبيل المثال، هناك رسالة عن تدبير الخلاص من منظور كتابي في جامعة مانشستر وتتناول الخلاص في إنجيل لوقا تحديدا، وهناك رسالة عن تدبير الخلاص من منظور آبائي في جامعة داكوتا الشمالية، لكنها ليست بالطبع وعظية متشعبة مثل رسالة الأنبا رفائيل، فقد خصص الباحث أربعة أعمال بارزة في الأدب الرهباني تم تأليفها خلال القرن الثالث حتى القرن السادس، وهناك رسالة عن الخلاص من منظور ليتورجي في جامعة درهام، تتناول الخلاص تحديدًا في ليتورجية القديس يوحنا الدمشقي، وهناك رسالة عن الخلاص والقانون في جامعة كونكورديا، حول القانون في رسالة غلاطية حسب تفسير مارتن لوثر.
وبالتالي، من المنصف أن نقول أن الأنبا رفائيل لم ينجح في تقديم أطروحة جديدة لم تطرح من قبل، ولم ينجح أيضا في تحديد منهجية محددة للبحث. فالرسالة أشبه بموضوع يجيب عن سؤال “أكتب ما تعرفه عن الخلاص”. فهل لهذه الأسباب لم يختر جامعة معتمدة ينشر فيها بحثه وفقا لمتطلبات الأكاديميين واختار جامعة أونلاين ناشئة وغير معتمدة؟
اقرأ أيضا:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟