- تعليقات على سفر ملاخي [أحببتكم واحتقرتموني]
- ☑ تعليقات على سفر ملاخي [انحراف الكهنة والشعب]
- تعليقات على سفر ملاخي [ارجعوا إليَّ أرجع إليكم]
- تعليقات على سفر ملاخي [مجيء يوم الرب العظيم]
وَالآنَ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 1)
في هذا الجزء (ملا 2: 1-9) يتكلم ملاخي النبي إلى الكهنة. “الوصية” هي المُشار إليها هنا هي (ملا 2: 7) أن الكاهن مسؤول عن معرفة وصايا الرب والعمل بالشريعة، وهو الأمر الذي أوصت به الشريعة: وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا.
(تث 17: 9-11).
وهو التكليف الذي كلف به الرب هارون من جهة الكهنة بنيه قائلا: وَكَلَّمَ الرَّبُّ هَارُونَ قَائِلًا: خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى.
(لا 10: 8-11). فالرسالة هنا موجهة للكهنة لبيان انحرافهم عن العهد مع الله والوصية التي كانوا مُكلفين بها.
إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ.(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 2)
إن الكهنة خدام الله هم الأولى بسماع وصايا الله وتنفيذها بكل قلوبهم، وأن تكون غايتهم الأسمى هي تمجيد اسم الله. ولكن الكهنة في زمن ملاخي أهملوا الشريعة ولم يقدموا الخدمة اللائقة من القلب لله “لا تجعلون في القلب”، بل كما رأينا في (ملا 1) تهاونهم وتذمرهم من الخدمة واعتبارها عبء غير مُجدي.
عندما ينحرف الكهنة عن غاية خدمتهم تتحول بركة خدمتهم إلى دينونة، لهذا يقول لهم: “ألعنُ بركاتَكم“. كان الكهنة هم وسطاء العهد المقدس الذين يقدمون الذبائح فتتبارك الأمة كلها، فإن تحول مصدر البركة إلى لعنة، فماذا لهم بعد؟ فبالانحراف عن وصايا الرب وإهمالها تتحول بركات الحياة إلى لعنات. والسبب هو: “لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ“، أي لأنهم لم يحرصوا على أن يجعلوا في قلوبهم اتباع شريعة الرب، إِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ… تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ… وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ
(تث 28: 1- 2 و15).
لذلك يُعلن الربُ هنا أنه بالفعل قد لعن بركاتهم، فما يعانوه ويقاسوه في الحياة ليس بسبب عدم عدل وصلاح الله كما ظنوا، لكن لأن بركات حياتهم تحولت إلى لعنات بسبب عدم أمانة قلوبهم نحو الله.
هأَنَذَا أَنْتَهِرُ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، فَرْثَ أَعْيَادِكُمْ، فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ لِكَوْنِ عَهْدِي مَعَ لاَوِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 3-4)
بركة الزرع التي تعطيها لهم الأرض لا يعودوا يأخذونها، مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ… مَلْعُونَةً تَكُونُ.. ثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ.. تَغْرِسُ كَرْمًا وَلاَ تَسْتَغِلُّهُ… ثَمَرُ أَرْضِكَ وَكُلُّ تَعَبِكَ يَأْكُلُهُ شَعْبٌ لاَ تَعْرِفُهُ… بِذَارًا كَثِيرًا تُخْرِجُ إِلَى الْحَقْلِ، وَقَلِيلًا تَجْمَعُ، لأَنَّ الْجَرَادَ يَأْكُلُه. كُرُومًا تَغْرِسُ وَتَشْتَغِلُ، وَخَمْرًا لاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَجْنِي، لأَنَّ الدُّودَ يَأْكُلُهَا. يَكُونُ لَكَ زَيْتُونٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ، وَبِزَيْتٍ لاَ تَدَّهِنُ، لأَنَّ زَيْتُونَكَ يَنْتَثِرُ… جَمِيعُ أَشْجَارِكَ وَأَثْمَارِ أَرْضِكَ يَتَوَلاَّهُ الصَّرْصَرُ.
(تث 28: 16-42).
العهد مع “لاوي” بدأ عندما اختار الرب سبط لاوي ليكون مخصص لخدمة الرب (تث 10: 8-9) ومنه يخرج الكهنة من بني “هارون” فقط. وتم اختيار اللاويين كنصيب للرب عوضا عن تكريس كل بكر من أبكار بني إسرائيل (عد 3: 39-51). ولكن بدلا من أن يكون نصيبهم هو بركة خدمة يهوه “رب الجنود“، أصبح نصيبهم هو اللعنة.
فبدلا من أن تفرح وجوههم في أعياد الرب، يصبح “الفَرْثُ” هو نصيبهم. والفرث الرَوَث والفضلات المتبقية في أمعاء الذبيحة. وكان غير مقبول أن يُقدَّم للرب فكان يُنزع من الذبيحة ولا يُقدَّم على المذبح، بل يُحرق بعيدا خارج المحلة في مكان الرماد لأنه كان يُعتبر نجاسة. فنثر الفَرْث على الوجه كان يُعتبر إهانة لأنهم كما احتقروا الرب فهو سيحتقرهم أيضا. وبرغم أن من المُفترض أن تكون ذبائح الأعياد مناسبة فرح وسرور (عد 2: 10 و15: 3)، إلا أن الله سينزعهم من أمامه كما يُنزع بعيدا فَرْثُ تلك ذبائح، فلا يتمتعون بعد بأعياد الرب لأن الرب كرهها “رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي.” (إش 1: 14)، “بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ… وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحًا..” (عا 5: 21 و8: 10).
كَانَ عَهْدِي مَعَهُ لِلْحَيَاةِ وَالسَّلاَمِ، وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُمَا لِلتَّقْوَى فَاتَّقَانِي، وَمِنِ اسْمِي ارْتَاعَ هُوَ. شَرِيعَةُ الْحَقِّ كَانَتْ فِي فِيهِ، وَإِثْمٌ لَمْ يُوجَدْ فِي شَفَتَيْهِ. سَلَكَ مَعِي فِي السَّلاَمِ وَالاسْتِقَامَةِ، وَأَرْجَعَ كَثِيرِينَ عَنِ الإِثْمِ.(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 5-6)
يُذكِّرهم هنا كيف كان سبط لاوي أمينا لله وكيف إنه وقف ضد ضلال باقي الأسباط عندما عبدوا العجل الذهبي (خر 32: 36-28)، وعندما زنوا مع الوثنيات فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ قَدْ رَدَّ سَخَطِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ غَارَ غَيْرَتِي فِي وَسَطِهِمْ حَتَّى لَمْ أُفْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِغَيْرَتِي. لِذلِكَ قُلْ: هأَنَذَا أُعْطِيهِ مِيثَاقِي مِيثَاقَ السَّلاَمِ، فَيَكُونُ لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِيثَاقَ كَهَنُوتٍ أَبَدِيٍّ، لأَجْلِ أَنَّهُ غَارَ للهِ وَكَفَّرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
(عد 25: 11-13).
لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَحِدْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَأَعْثَرْتُمْ كَثِيرِينَ بِالشَّرِيعَةِ. أَفْسَدْتُمْ عَهْدَ لاَوِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَأَنَا أَيْضًا صَيَّرْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَدَنِيئِينَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ، كَمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا طُرُقِي، بَلْ حَابَيْتُمْ فِي الشَّرِيعَةِ.(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 7-9)
تظهر أمانة اللاويين ودور الكهنة في معرفة الشريعة وتعليمها للشعب كوصية الله، إِذَا عَسِرَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، أَوْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى، أَوْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَضَرْبَةٍ مِنْ أُمُورِ الْخُصُومَاتِ فِي أَبْوَابِكَ، فَقُمْ وَاصْعَدْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا.
(تث 17: 8-11). وفي بركة موسى لسبط لاوي عندما قال: تُمِّيمُكَ وَأُورِيمُكَ لِرَجُلِكَ الصِّدِّيقِ، الَّذِي جَرَّبْتَهُ فِي مَسَّةَ وَخَاصَمْتَهُ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. الَّذِي قَالَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ: لَمْ أَرَهُمَا، وَبِإِخْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِفْ، وَأَوْلاَدَهُ لَمْ يَعْرِفْ، بَلْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ وَصَانُوا عَهْدَكَ. يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ. يَضَعُونَ بَخُورًا فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلَى مَذْبَحِكَ. بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ، وَارْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. احْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ وَمُبْغِضِيهِ حَتَّى لاَ يَقُومُوا.
(تث 33: 8-11).
ما أعظم الفارق بين دور الكهنة كما رسمه الرب: خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ، وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى
(لا 10: 9-11)، والكهنة في زمن ملاخي. فبدلا من أن يقودوا الآخرين في طريق الرب هم أنفسهم ضلوا عن الطريق. وبسبب إهمالهم للوصايا أعثروا الشعب في الشريعة إذ جعلوه يرى أنها مُحتقرة وغير مجدية، فأفسدوا “عهد لاوي” إذ كان منوطًا به أن يكون أمينًا على الشريعة ومُعلمًا لها.
بسبب اختيار الرب لهم والدور الذي رسمه لبني لاوي والكهنة في شريعته كانوا مُكرمين في أعين الشعب ولهم نصيبا في البركات الإلهية، فلما قصروا تجاه شريعة الرب – التي هي سبب كرامتهم – بالإهمال والتساهل فقدوا النعمة والاحترام في أعين الشعب وصاروا مُحتَقرين.
أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟ أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟ فَلِمَ نَغْدُرُ الرَّجُلُ بِأَخِيهِ لِتَدْنِيسِ عَهْدِ آبَائِنَا؟(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 10)
الأب الواحد والإله الواحد هو الرب “أبٌ واحد… إلهٌ واحد”. فالله منذ البدء يتكلم عن شعبه المؤمنين به كأبناء له: “إسرائيل ابني البكر” (خر4: 22)، “قدموا للرب يا أبناء الله…” (مز 29: 1)، “يا ابني أعطني قلبك” (أم23: 26)، والمؤمنون يدعون الرب أبوهم: “فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ… وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ.” (إش 63: 16 و64: 8). فمن حنو الرب ونعمته علينا كخالق لا يعتبرنا عبيد، بل وهبنا نعمة البنوة فيدعونا أبناء ونحن ندعوه أب.
إن خطية الفرد تضر الجماعة لأنها تُدَنس العهد بإدخال فكر غريب ونجس لجماعة الرب، فيُعثر باقي أخوته ويجعلهم معرضين للسقوط وخيانة عهد آبائهم (خر 24: 4-8). فتدنيس الفرد للعهد مع الرب خيانة وغدر لأخوته، فمن يغدر بعهد الله لا يكون أيضًا أمينا في عهده مع أخوته.
غَدَرَ يَهُوذَا، وَعُمِلَ الرِّجْسُ فِي إِسْرَائِيلَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. لأَنَّ يَهُوذَا قَدْ نَجَّسَ قُدْسَ الرَّبِّ الَّذِي أَحَبَّهُ، وَتَزَوَّجَ بِنْتَ إِلهٍ غَرِيبٍ. يَقْطَعُ الرَّبُّ الرَّجُلَ الَّذِي يَفْعَلُ هذَا، السَّاهِرَ وَالْمُجِيبَ مِنْ خِيَامِ يَعْقُوبَ، وَمَنْ يُقَرِّبُ تَقْدِمَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ. وَقَدْ فَعَلْتُمْ هذَا ثَانِيَةً مُغَطِّينَ مَذْبَحَ الرَّبِّ بِالدُّمُوعِ، بِالْبُكَاءِ وَالصُّرَاخِ، فَلاَ تُرَاعَى التَّقْدِمَةُ بَعْدُ، وَلاَ يُقْبَلُ الْمُرْضِي مِنْ يَدِكُمْ.(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 11-13)
أوصى الله شعبه في الشريعة بعدم الزواج من الأمم الوثنية: “وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا.” (تث 7: 3-4). بالعهد مع الله أصبح الشعب وكل إنسان “قُدس الرب” أي مُقدَّس ومخصص للرب والاختلاط بالأمم بالزواج يُفسد شعب الله ككل أو الإنسان كفرد، قدس الرب، ويُنجسه بعبادة آلهة غريبة. وهنا نجد مقابلة بين الرب “الذي أحبه” وإله وثني “إله غريب”، فكأنه يقول لهم: كيف تتركون الرب الذي أحبكم واختاركم وأقام عهده مع آبائكم وشملكم بعنايته وبركاته وتتبعوا “إله غريب” لا تعرفوه ولا يعرفكم ولا يقدر أن يُقدم أي شيء لكم.
ويظهر هنا أن تدنيس العهد مع الله له ثلاث عواقب:
(1) فردية: يُقطع الرجل الذي يفعل هذا. عندما يُنجس المؤمن نفسه فإنه يقطع نفسه رعاية الله ومن جماعة الرب.
(2) جماعية: يُقطع “الساهر والمُجيب من خيام يعقوب”. الساهر والمُجيب هم الذين يسهرون للحراسة فينادون ويجيبون على بعضهم البعض أثناء نوبتهم. وتُشير لفقدان الحماية لأنهم سمحوا للغرباء الوثنيين بالشركة معهم ففقدوا الأمان. وقد تشير “الساهر” للسادة المسئولين و“المُجيب” للشعب الخاضع لسادته، فتكون العواقب على الجميع سيدًا كان أم مَسُودًا.
(3) روحية: يُقطع من يُقدم “تقدمة لرب الجنود”. فلا يعود الرب يقبل عبادتهم وهم على هذا الحال فيُصبح حتى من يُقدم التقدمات مرفوضًا من الله لأنه لا شركة بين الله والأوثان.
إن خطية الاختلاط بالأمم الوثنية فعلوها سابقا عندما زنوا مع بنات موءاب وزاغوا عن الرب “وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ، وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلَى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لآلِهَتِهِنَّ. وَتَعَلَّقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ.” (عد 25: 1-3)، وبعد العودة من السبي فعلوها أيضا في أيام عزرا ونحميا (عز 9: 1-2) و(نح 10: 30).
ويُشير هنا إلى (عز 10: 1) عندما بكى عزرا وجميع الشعب في بيت الرب للتوبة عن زواجهم بالوثنيات وخيانتهم للرب. ولكن هنا في (ملا 2: 13) يتجدد الدموع والبكاء والصراخ من النساء اللائي هجرهن أزواجهن وطلقوهن للزواج من الوثنيات. قام الشعب أيام عزرا (عز 10) بالتوبة وتقديم الذبائح عن هذه الخطية. ولكن الآن لا يعود الله ليقبل ذبائحكم وتقدماتكم لأنكم خنتم الرب مرة أخرى.
فَقُلْتُمْ: لِمَاذَا؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ. أَفَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ وَلَهُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ؟ وَلِمَاذَا الْوَاحِدُ؟ طَالِبًا زَرْعَ اللهِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا.(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 14-16)
الزواج هو من البدء رسم إلهي يكون الرب هو الشاهد فيه بين عهد الرجل والمرأة وفيه يُخصص كل منهما نفسه للآخر فيُصبحان واحدًا، “لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.” (تك 2: 24). لذلك عندما يتخذ الرجل له نساء من الوثنيات فهو يغدر بامرأة شبابه إما بأنه يجعل معها زوجة ثانية تشاركها فيه، أو بتطليقها ونقض العهد معها.
فالله جعلهما – الرجل والمرأة – بالزواج واحدًا، فكل منهما هو بقية روح الآخر كأنهما روحاً واحدًا، وذلك لطلب زرع الله أي النسل المُقدس والذرية التي تتبع الله. لذلك يكره الرب الطلاق لأنه كسر للوحدة – بين الرجل والمرأة – كما رسمها الله منذ البدء (مت 19: 4) و(تك 2: 24). لهذا يُسمى الطلاق هنا “ظُلم” لأنه غدر بالمرأة التي تعاهد الرجل على الحياة معها طوال العُمر، وأيضا كسر لرسم الله الذي وضعه منذ البدء.
لَقَدْ أَتْعَبْتُمُ الرَّبَّ بِكَلاَمِكُمْ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَتْعَبْنَاهُ؟ بِقَوْلِكُمْ: كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ فَهُوَ صَالِحٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَهُوَ يُسَرُّ بِهِمْ. أَوْ: أَيْنَ إِلهُ الْعَدْلِ؟(سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 7)
عندما يفقد الإنسان البركة في حياته بسبب الخطية، بدلا من أن ينتبه ويلوم نفسه، يحاول على العكس تبرير ذاته بنسب عدم الصلاح لله والتشكيك في عدله، فيُدين الله بدلا من أن يُدين نفسه على خطاياه.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- هل التطور ضد الله وضد الدين؟ هل التطور بيتعارض مع وجود إله؟ هل التطور بيتعارض مع الدين؟ السؤالين دول في الواقع سؤالين مختلفين، وإجابتهم هما الاتنين: “على حسب!“. التطور (وأي فكرة علمية) مش بينفوا وجود إله في المطلق، لكنهم دايمًا بينفوا تصورات معينة عن الألوهة. ومن الملاحظ إن العلم دايمًا بيميل لنفي التصورات الـAnthroppmorphic عن الله (يعني التصورات اللي بيتم فيها......