المقال رقم 4 من 3 في سلسلة مدينتا سو ومي

تكلمنا من قبل عن النهضة التي حدثت بين البلاد الثلاث مي وسو وثالثتهما “نو”، التي فضلوا أن يسموها أرض لادان وتعني الأرض الصلبة، حسب لغتهم. وكانت تجمعهم الأخوة المحبوبة التي تبني البلاد لتنمو وتترعرع. وتلك البلاد يُقدَّر إنها كانت في غرب قارة إفريقيَا، قبل أن يسكنها من ينظم تواجد الشعوب في أماكن محددة وبحدود ثابتة.

وهناك في البحر الأبيض المتوسط، كانت تعيش أعداد من الدواب الضخمة التي خلقها الله مثل الديناصورات، حيث كانت تخرج كل أسبوع لتزحف جنوبًا لتأكل من الأعشاب والأشجار العالية، وكانت وجبتها تكفيها لمدة أسبوع. ثم تعود إلى البحر المتوسط لتمرح وتقضي الوقت الهادئ لها في الماء، لتعود في الأسبوع التالي لتأخذ وجبتها من تلك الأشجار.

وحدث في غفلة من الزمان حيث كان فصل الصيف شديد الحرارة، فجذب كثير من الدواب الضخمة إلى منطقة مياه البحر الأبيض المتوسط، ولكن حدث انقلاب في الطقس حيث هبت على تلك المنطقة رياح شديدة غربية، أنتجت عاصفة شديدة مباغتة على المناطق الشِّمالية من أرض لادان، حيث استمرت لعدة أيام مصحوبة بأمطار غزيرة أهالت الرمال من جبال الأطلس غربًا وطرحتها في البحر الأبيض، مما أغرق أعدادًا كبيرة من الديناصورات وهي بطيئة الحركة، والدواب الأخرى وغمرتها بالرمال، فغطست تلك الدواب جميعها في البحر الأبيض المتوسط وكوَّنت كتلة كبيرة من مقبرة جماعية لتلك الدواب كلها. [1].

أما الدواب الصغيرة من هذه الحيوانات فقد حملتها الرياح، كما هي، حتى جاءت إلى مناطق هي الآن جافة جدًا في الصحراء الليبية الواسعة فماتت في تلك المناطق الجافة الموحشة، وتكونت هناك الغابات البيضاء، لكثرة ما وُجد من تلك الدواب المتحجرة وقد أبيضت من كثرة العظام حيث ظهر على سطحها الأملاح!! وجف جزء ليس بقليل من البحر المتوسط حتى بدأ يظهر الملح في الجزء الغربي منه.

أما جبال الأطلس فقد تكوَّن فيها مخرَّات للأمطار تجعل قليل من المياه تكوِّن تحت كل من هذه المخرات بحيرة صغيرة منتشرة في عدة أماكن هناك.

ولكن الأشجار العالية التي كانت في جنوب منطقة “نو”، فقد ظلت أرضها متماسكة بفضل تلك الأشجار العالية وتكوينها لتربة خصبة متماسكة، حافظت على تلك المنطقة.

بالتالي، فقد نجت المنطقة الجنوبية من تلك العاصفة الشديدة، واستمرت الحياة في تلك المنطقة، ونجى سكانها من الآثار المدمرة للعاصفة التي لم تشهد تلك النواحي مثلها! وبعد تلك الحادثة، انتبهت مدن الجنوب كلها إلى هذا الحدث وتقرر أن يتم اجتماع مجلس الحكماء للتشاور فيما بينهم لتفادي مثل هذه الأحداث.

فاجتمع مجلس الحكماء وبدأ مقرر الجلسة الحديث فقال:

إخوتي الأعزاء: تعلمون ما حدث في بلادنا من نكبة طبيعية ألمَّت بكل المنطقة. ولكننا إذ قد نجى أهل تلك المناطق المنكوبة، فإننا نحمد إلهنا الذي حافظ على أهلنا وكان لنا سترًا وعونًا في حينه. ونتذكر جيدًا كيف أسهم سكان أعالي الجبال في نجاة كل الساكنين في الجنوب وأرسلوا لهم لسرعة التحرك من المناطق التي تدهورت وزالت معالمها، لكي ينجو كل من كان في هذه المناطق من العواصف والسيول التي جاءت بها الرياح، فأنقذوا كل من كانوا في تلك الربوع. لذلك فإننا ينبغي أن نُحيي هؤلاء الرجال وسوف تكتب أسماؤهم في السجل التاريخي لأحداث بلادنا الحبيبة، تذكارًا لهم على مدى الأجيال.

أما الدروس المستفادة من تلك الحادثة فهي:

1 – إن التواجد في أعالي الجبال ينبغي أن يكون لمن تدرب على مراقبة الأحوال الجوية ليبلِّغ بها الآخرين عند حدوث أية طوارئ شديدة تستلزم سرعة الحركة وتحذير سكان السهول، مثلما حدث في الأسابيع السابقة.

2 – إن المناطق التي انتشرت فيها الأشجار العالية ينبغي أن يتم رعاية تربتها لكي تكون أكثر قوة وثباتًا في الأرض، حتى تحمي السكان من تلك العواصف، ولا تؤذي أهلنا في معيشتهم.

3 – أن تُحدَّد نِقَاط مراقبة في أعالي الجبال يكون فيما بينها أدوات للمراسلة حتى تنبه كل نقطة النقاط الأخرى عند حدوث أية ظواهر ينبغي التبليغ عنها. مثلًا: أن تمتد حبال طويلة بين كل نقطة وأخرى، وفي كل طرف يكون هناك قرص خشبي يطرق في آخر ليكون منبه من طرف إلى آخر عند حدوث أزمة ما.

4 – بخصوص البيوت التي ستبنى في العام القادم، ينبغي أن تكون الأشجار العالية التي زرعناها، ضمن أسوار تلك البيوت، لتدعمها وتحفظها من العواصف التي تهب علينا في بلادنا.

5 – أن تكون هناك مظلات فوق مزروعاتنا، حتى تحميها من الرياح الساخنة أو الباردة خلال فصول السنة، ولكنها لا تمنع ضوء الشمس الطبيعي أن يخترق هذه المظلات لكي يمد النباتات بالضوء الطبيعي للشمس، لكي تستفيد النباتات وتنمو نموها الطبيعي.

6 – أن تستعمل الأخشاب التي تم تصنيعها في بلادنا، لبناء البيوت التي نتمنى أن ينعم بها شعبنا في كل أقطار أرضنا. فيقوم خبراء البناء بطلب المقاسات التي يجدونها ملائمة للعائلات ويحددوها لكي يتم تصنيعها لكل البيوت.

وبعد أيها الإخوة، فقد سردت عليكم ما انتهى إليه الخبراء في مجلسنا لكي تقرروا رأيكم فيما ارتأيناه مناسبًا لنا، لحماية أرضنا وزرعنا وعائلاتنا من الملمات، التي يمكن أن تؤثر علينا في حياتنا.

وإني أشكر كل من شارك في هذه الدراسات والترتيبات التي خَلُصَت إليها مجموعتنا من الخبراء. وسيتم الآن إجراء تصويت بينكم على تلك النقاط التي طرحناها لكي يتم تنفيذها على أرض الواقع.

ثم قاموا بتوزيع إشارات خشبية بألوان متنوعة، مثل الأصفر والأخضر والأحمر، لكل منها دلالة على الرفض أو القبول أو عدم الرغبة في الإدلاء بالصوت. وتوضع الإشارات الخشبية في صندوق خلف ستار، حتى يتم معرفة نسبة القبول أو الرفض.

وكانت النتيجة مرضية، إذ كانت الأغلبية موافقة؛ فقد كان الرجال ممن خبروا كل ما يدور في الأراضي الواسعة، وهم من أهل الخبرة الذين تمرسوا في عملهم وأثقلتهم الخبرة بالحكمة، فصاروا أفضل عون للساكنين في هذه الربوع الخصبة من بلادنا العزيزة.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. معروف عند من يعملون في مجال العلوم الة إن تلك المنطقة بها أكبر حقل بترول في العالم، وهو المسمى “بير مسعود”، ربما كانت تلك هي الظروف التي كونت هذا الحقل البترولي الضخم. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ مدينتا سو ومي[الجزء السابق] 🠼 سو ومي وشريكتهما نو
برتي المقاري
راهب في دير القديس الأنبا مقار الكبير   [ + مقالات ]
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎