يعتقد كثيرون أن أزمة ال الأرثوذكسية في السنوات الأخيرة، مجرد صراع بين جناحين عند قمتها، ويختزلها طيف من المتابعين في جدلية قَبُول ورفض اختيار وتجليس ال بطريركًا، كتنويعة على صراع أجنحة ، في استدعاء لما يحدث في الفضاء السياسي.

وقد يكون هذا صحيحًا لكنه لا يقرأ المشهد كاملًا، الذى لم يتشكل بشكل مفاجئ، لكنه نتاج تراكمات لسنوات وربما أجيال سابقة، شهدت اجتهادات عديدة في سعي إنقاذ كيان بات مهدَدًا بالأفول لأسباب تاريخية وتحولات في محيطها الخارجي جعلها محل استهداف وضغوط واجهتها بصلابة مكونها الإيماني حتى مع ضعفها المؤسسي، وكان السر في المخزون التقوي اللاهوتي الذي اختزنه عقلها الجمعي الشعبوي. الذي استطاع أن يَعبُر بالكنيسة، الكيان والتراث، حتى انطلقت شرارة الإحياء مع شباب أربعينيات القرن العشرين، وهو ما عرضنا له في عديد من أطروحاتنا.

بقيت الكنيسة بطقوسها وممارساتها التي تحصنت بإصرار جيلي على الحفاظ عليها كما هي كموروث حميمي غالٍ، وبقيت الأديرة بنذورها محمية بعزلتها، بسكانها البسطاء على قلتهم وشيخوختهم، حتي قصدها نفر من هؤلاء الشباب ليعيدون لها الروح، وإن اختلفت طرقهم، لكنهم في غمار سعي الإحياء لم ينتبهوا للبعد التنظيمي الذي يحميها من الشخصنة بقواعد موضوعية، وعمق من أزمتها مغازلتها للكهنوت الذي صار حلم كثيرين من ساكنيها، ومحاولات تنميطها، التي أفقدتها تمايزاتها بفعل قولبتها، وفقدت حيويتها بعد أن تبنت الكنيسة رسامة أسقف لكل دير.

وكان من عوامل اختلالات الأديرة، الإخفاقات الاقتصادية والقيود السياسية في المجتمع المصري خارج الأديرة، التي انعكست على الشباب الذي وقع تحت وطأة البطالة وعدم التحقق، فاتجه بعضه للهجرة المؤقتة أو الدائمة، ووجد بعضه في الرهبنة ملاذًا يوفر له إقامة مستقرة، وما يحسبه سلامًا وفق ما وقر في ذهنه من تعاليم، وتخففًا من التزامات لم يعد قادرًا عليها، وقد يصادف أحدهم الحظ فيتم رسامته أسقفًا.

وحتي لا تستغرقنا التفاصيل أوجز رؤيتي فيما نحتاجه للخروج من المأزق المعاش، أحسبها توصيات بطعم الرجاء:

• وضع دستور يحدد أُطر ومحاور الإيمان؛ العقائد والطقوس، وأطر الخدمة؛ الصلاحيات والمسؤوليات والضوابط.
• ضبط منظومة التعليم الإكليريكي والكنسي على الفكر الأرثوذكسي الإنجيلي الآبائي المحقق.
• دراسة تأسيس منظومة رهبنة خادمة، أو تكريس، خارج الأديرة تتواصل مع المجتمع وتقدم له خِدْمَات التعليم والصحة وإعالة المعوزين وذوي الاحتياجات.
• عودة مشاركة الأراخنة في تدبير الكنيسة.
• تقييم تجرِبة الأسقف العام.
• إعادة ترسيم حدود الإيبارشيات؛ مطران لكل محافظة، يتبعه أساقفة مدنها.
• تقييم وتقويم منظومة الرهبنة.
• العودة إلى إسناد تدبير الدير لواحد من شيوخه لا لأسقف.
• رسامة أسقف لشؤون مجمل الأديرة.
• فك الارتباط بين الرهبنة والكهنوت داخل الأديرة.
• إنشاء آلية مركزية لإدارة مشروعات الأديرة الإنتاجية.
• إنشاء آلية لإعداد الرهبان المرشحون للأسقفية.
• تقنين منظومة التكريس خارج الأديرة.
• ضبط ملابس وكرسي ومقر الأسقف على الحس القبطي النسكي الإنجيلي الآبائي.
• تقنين العلاقة بين الأسقف وكهنة إيبارشيته من التبعية إلى التكامل.
• التوقف عن إنشاء مدافن خاصة بالأساقفة، التي تشبه المذبح المقدس، وإعادة دفن الراحلين منهم في مدافن الإيبارشية، أو طافوس الدير.
• تأسيس منظومة الإعلام الكنسي علي قواعد مهنية احترافية.

في الجزء الثاني من طرحنا؛ نفصل، بقدر، ما أجملناه هنا على أمل أن تجد متسعًا من الوقت عند المتنفذين في الكنيسة للتفاعل معها.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 5 حسب تقييمات 2 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر موسى
كاتب ومفكر قبطي في التيار ال المصري   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎