من حين ﻵخر تراودنا أسئلة عبثية ليس لها إجابة عن الحياة ومساراتها، واحد من تلك اﻷسئلة هو: ماذا يفعل اﻷنبا إرميا في الكنيسة؟ ما هو دوره الروحي؟ ما هو دوره كأسقف وهو  بلا إيبارشية أو خدمة معينة كما لبقية اﻷساقفة العموم، بل وفي غفلة من الزمن بعد رحيل ال الثالث، رئيس اﻷرثوذكسي، نصب إرميا نفسه رئيسًا للمركز وقرر أن يتخذه إرثًا، أو مكافأة على عمله سكرتيرًا للبابا الراحل، وﻷننا نحاول أن نجد له دورًا روحيًا وﻻ نجد، فإنها ستظل أسئلة عبثية بلا إجابة.

عماد جادومن المُلاحظ أن أغلب الأدوار التي يظهر فيها اسم نيافة تدور خارج أروقة الكنيسة، لكنها أدوار تُناسب مواطن مدني يمارس السياسة وليس رجل رئيس كهنة يرتدي اﻷسود الوقور ويضع قلنسوة على رأسه تحوي 6 صلبان وفوقهم عمة أسقفية ضخمة وصُلي عليه الصلاة التي تتلى على الموتى! اﻷنبا إرميا يظهر داخل مؤتمرات تخص اﻷزهر ووزارة اﻷوقاف الإسلامية أكثر ما يظهر داخل اجتماعات أو مؤتمرات روحية كنسية، أو في قداس، وطبعا كلها جهود لدعم الوحدة الوطنية، واﻷهم أنه رجل ظلّ وفيًا لجماعة اﻹخوان المسلمين، وكان دائمًا يطلعهم على المستجدات مهما كانت درجة خصوصيتهًا، وأظنها سلوكيات لطالما صدرت منه كرجل دين وشيخ رهبان فنظنها ليست طمعًا في سلطة أو نفوذ أو مكافأة بل فقط محبة خالصة لوجه الله. والعجيب المُريب أن نرى نصفه الأول سياسة، ونصفه الثاني إسلامي، وبجمع النصفين يصير لدينا أسقفًا للإسلام السياسي!

بيان الأنبا إرميا بين السودان ونيجيريا

وﻻ يترك اﻷنبا إرميا مناسبة، سواء تخصنا داخل مصر أو ﻻ تخصنا إلاّ أصدر بيان باسمه بصفته رئيسًا للمركز الثقافي القبطي، وكأنه هيئة أو مؤسسة لها كيان اعتباري منفصل وﻻ تتبع كنيسة اﻹسكندرية القبطية اﻷرثوذكسية، فلا يوجد ذكر لل، أو لبطريركية اﻷقباط اﻷرثوذكس كما هو متبع في مخاطبات البطريركية واﻹيبارشيات الرسمية في بياناته، ومنذ 10 أيام خرج علينا ببيان غريب غير مترابط، فقد بدأ وكأنه يتحدث في موضوع ثم نقل على موضوع آخر، فلم نفهم ماذا يريد أن يقول؟ وما علاقة أن تبدأ بالحديث عن السودان ثم في الفقرة التالية تتحدث عن نيجيريا؟

يعرب المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، برئاسة نيافة الحبر الجليل الأنبا إرميا الأسقف العام رئيس المركز، عن تضامنه الكامل مع صاحبي النيافة الحبرين الجليلين الأنبا صرابامون أسقف عطبرة وأم درمان وشمال السودان، والأنبا إيليا أسقف الخرطوم وجنوب السودان، في صلواتهما المرفوعة إلى الله من أجل أشقائنا في السودان، طالبين أن يرفع الله عنهم الاضطهاد، ويوقف أعمال العنف المؤلمة التي تشهدها البلاد خلال الأيام الأخيرة. [1]

(الأنبا إرميا، صفحة المركز الثقافي القبطي على فيسبوك)

أمنيات طيبة من أجل  الشعب السوداني، الذي يعاني من ويلات الحرب، واضطهاد ميليشا الدعم السريع، ولكن فجأة تحدث عن نيجيريا وقال:

ويؤكد الأنبا إرميا أن أي هجمات تُشن بدافع ديني، كما في نيجيريا، تُمثل انتهاكًا صارخًا للكرامة الإنسانية، ونسفًا لمبادئ التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد. كما يدعو نيافته المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية المدنيين وصون الحريات الدينية في كل زمان ومكان.

أيضًا يرفع المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي صلواته من أجل المسيحيين المضطهدين في نيجيريا، طالبين من الله أن يرفع عنهم المعاناة، ويمنحهم السلام والاستقرار. [2]

(الأنبا إرميا، صفحة المركز الثقافي القبطي على فيسبوك)

ويبدو أن آخر فقرتين هما هدف المقال في الحديث عن اضطهاد وقتل المسيحيين في نيجيريا، وهو الوضع غير الحادث في السودان، كي يتزامن البيان مع دعوات الرئيس اﻷمريكي لحماية المسيحيين المضطهدين في نيجيريا، من أصدقاء الأنبا أرميا في بوكو حرام. ورغم أن وتيرة العنف ضد المسيحيين من قبل تنظيمات مستمرة منذ عدة سنوات ليس في نيجيريا فقط بل في دول إفريقية أخرى، إلا أن اﻷنبا إرميا لم يطالب بحماية المدنيين وصون الحريات الدينية ولم يطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إلا بعد دعوات الرئيس اﻷمريكي، فيبدو إن أسقف المركز الثقافي له تطلعات وطموحات خارجية بأجندة أمريكية، فسابقا يصدر بيانات تدعو من أجل صحة الرئيس ترامب، ونجاته من محاولة اﻻغتيال، ومباركات على فوزه باﻻنتخابات، بالإضافة لمقابلاته مع ، مديرة القسم السياسي والعسكري للسفارة الأمريكية بالقاهرة [3].

علاقة أسقف الميديا الثقافية بالولايات المتحدة عمومًا، وبالرئيس دونالد ترمب خصوصًا، هي علاقة مثيرة للريبة والقلق منذ فترة بعيدة، خذ على سبيل المثال سيل من المنشورات لتهنئة ترامب بفوزه الانتخابي الأوّل [4] والثاني [5] وتمني السلامة بعد محاولة الاغتيال، وهو ما لم يفعله مع الرئيس الأسبق چو . وبناءٌ عليه، تكون تهنئته ليست أمرًا بروتوكوليا عامًا وليست لكل رئيس أمريكي بل هي علاقة شخصية، يتصرف فيها نيافة الأسقف وكأنه مواطن أمريكي في الانتخابات الأمريكية، وهو في ممارساته الانتقائية تلك، يوظّف العاملين بالمركز وبالقناة الفضائية لخدمة خياراته الذاتية الشخصية، خالطًا بين الأدوات الكنيسة التي يديرها، وبين ملكيته الشخصيّة.

أعتقد أن الشأن المحلي لم يعد يليق بمستوى اﻷنبا إرميا وصار طموحه عالميًا، عليه قبل أن يهتم بشؤون المسيحيين في نيجيريا أن يهتم بشؤونهم في مصر! نيافة الأسقف العالمي راعي المسيحيين في نيجيريا لم ير ولم يسمع عن جلسة عرفية قضت بتهجير أسرتين مسيحيتين من بيوتهم في قرية نزلة الجلف بمحافظة المنيا، ولم نر تدخل فعال منه بصفته اﻷمين العام المساعد ل، بل في نفس الفترة أصدر بيانين أولهم إشادة بكلمة شيخ اﻷزهر في إيطاليا [6]، واﻵخر تهنئة للأمين العام لبيت العائلة [7].

ونظرا ﻻحتفال اﻷنبا إرميا بمرور 14 عاما على افتتاح ، فنحن نتساءل ما هو دور هذه القناة؟ وما هو الهدف منها؟ هل الهدف ديني روحي؟ أم توعوي سياسي؟ وإذا كانت القناة تشتبك مع الشأن العام مثل بقية القنوات العامة فهل تقدم ذلك بكفاءة؟ وهل يمكن أن نجد إجابة لماذا يقال كلام غير مسؤول على قناة من المفترض أنها تتبع الكنيسة؟ فيتحدث عن “تقسيم الكيكة” في غزة وأن مصر من حقها “نص الكيكة”، ناهيك عن الابتسامات النقدية الخبيثة التي تليق بقنوات عميلة للولايات المتحدة وليس بقناة تُبث من العباسية!!

في حين إن الدولة المصرية بكل أجهزتها ومؤسساتها وشعبها وقفت مع الشعب الفلسطيني في غزة، وواجهت منفردة سيناريو التهجير الذي لو تحقق ﻻنتهت القضية الفلسطينية، فيخرج ضيف غير مسؤول يتحدث بهذا الشكل اﻻنتهازي عن غزة التي يقتطع المصريين من قوتهم رغم الضغوط اﻻقتصادية من أجل إرسال المساعدات، ليتحدث عن توزيع “التورتة”، بكلام لم يصدر من الدولة المصرية ما يشير إليه، وبدلا من أن تمارس مذيعة القناة دورها في مراجعة الضيف فيما يقول، تسايره و”تزيد الطين بلة”، هل هذه رسالة إعلامية مسؤولة؟

هل يوجد جهة داخل الكنيسة يمكنها أن تراجع ما يحدث داخل المركز الثقافي وقناة مي سات؟ أم أن اﻷنبا إرميا لا يُسأل عما يدير ويدبّر؟

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. الأنبا إرميا، صفحة المركز الثقافي القبطي على فيسبوك، بتاريخ 5 نوفمبر 2025. [🡁]
  2. الأنبا إرميا، صفحة المركز الثقافي القبطي على فيسبوك، بتاريخ 5 نوفمبر 2025. [🡁]
  3. ، وإيه كمان يا أنبا إرميا، بتاريخ 15 فبراير 2025. [🡁]
  4. نيافة الأنبا إرميا على صفحته الشخصية: نهنئ الرئيس دونالد ترامب الرئيس ال ٤٥ للولايات المتحدة الأمريكية لفوزه بانتخابات الرئاسة. [🡁]
  5. صفحة قناة مي سات، الأنبا إرميا الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي وقناة مي سات وأسرة المركز والقناة في مصر وأمريكا وألمانيا يهنئون الرئيس دونالد ترامب بفوزه في الانتخابات. [🡁]
  6. الأنبا إرميا يشيد بجهود فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ويثمن كلمته القوية الأخيرة في إيطاليا، صفحة المركز الثقافي القبطي على فيسبوك، بتاريخ 28 أكتوبر 2025. [🡁]
  7. الأنبا إرميا يهنئ الأمين العام لبيت العائلة المصرية أ. د. مصطفى عبد الغني لتكليفه نائبًا لرئيس جامعة الأزهر لفرع البنات، صفحة المركز الثقافي القبطي على فيسبوك، بتاريخ 28 أكتوبر 2025. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 4.4 حسب تقييمات 11 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

پيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- ، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎