- الخطية الأصلية عند أوغسطين [١]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٣]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [١]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٢]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٣]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٥]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٦]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٧]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٨]
- الخطية الجدية عند ساويرس الأنطاكي [١]
- الخطية الجدية عند ساويرس الأنطاكي [٢]
- الخطية الجدية عند ساويرس اﻷنطاكي [٣]
- الخطية الجدية عند ساويرس اﻷنطاكي [٤]
- ☑ الخطية الجدية عند يوحنا كاسيان [١]
نتتبع في هذا البحث مفهوم الخطية الجدية عند القديس يوحنا كاسيان، أحد أهم آباء الرهبنة اللاتينية في الغرب في القرن الخامس، خاصةً في جنوب بلاد الغال (فرنسا). نجح يوحنا كاسيان في تطوير الحياة الرهبانية هناك. وكان سفيرًا للتراث الآبائيّ الشرقيّ النسكيّ في الغرب اللاتينيّ. وهو أحد أعمدة التقليد الكنسيّ النسكيّ فيما يتعلق بالنظام الرهبانيّ الحيّ، حيث يربط بين النواحي الداخلية والخارجية في النظام الرهبانيّ. لقد كان ملمًا به بكل دقة ما عاشه في مصر وخارجها لسنوات، حيث تتلمذ على يدي آباء البرية المصرية الكبار آنذاك، ونقل هذه المعرفة والخبرة الرهبانية النسكية الفائقة إلى الغرب اللاتينيّ، من خلال كتاباته ومحاوراته مع آباء البرية العظام، بالأخص آباء البرية المصرية. دُعِيَ في بستان الرهبان باسم ”كاسيانوس الروميّ“.
عن حياة يوحنا كاسيان
وُلِدَ ما بين 350- 360م، وتنيح ما بين 440-450م، أي عاش حوالي تسعين عامًا. أشار كتابه ”عن التجسُّد ضد نسطوريوس“ إلى معرفته الكبيرة بتعاليم آباء الكنيسة الأولين، وبالكُتَّاب الكلاسيكيين اللاتين أمثال: شيشرون وسنيكا وبيرسيوس. تبدأ حياته الرهبانية في حوالي عام 380م، في سن المراهقة، حيث انطلق إلى فلسطين، وبعدها بعامين إلى مصر، حيث زار الرهبان هناك، وزار بعض الأديرة الرهبانية التي تتبع نظام الشركة في طيبة، ثم انطلق بعد ذلك إلى برية الإسقيط، حيث قضى هناك سبع سنوات يلتقي بمشاهير الآباء الرهبان، وقد جاءت مناظراته ومحاوراته ثمرةً لهذه اللقاءات والزيارات.
كان صديقًا حميمًا لمار أوغريس البنطيّ وتلاميذه الأوريجانيين، وبسبب الاضطرابات في البرية المصرية آنذاك انتقل إلى القسطنطينية، حيث تأثر بالقديس يوحنا ذهبي الفم، الذي رسمه شماسًا. وفي عام 415 أو 416م انطلق كاسيان إلى مرسيليا بفرنسا وأقام هناك ككاهن، وأسَّس ديرًا هناك للرجال باسم ”القديس فيكتور“، حيث صار الأب الروحيّ له ورئيسًا لهذا الدير، ثم أسَّس ديرًا آخر للنساء باسم ”القديس سالفاتور“، وهكذا سعان ما انتشرت الحياة الرهبانية هناك، وضمت الأديرة الآلاف من الرهبان والراهبات. غير أن البعض من أتباع أوغسطينوس، أسقف هيبو شكَّكوا في أرثوذكسية ق. يوحنا كاسيان، حيث هاجموه متهمين إياه بالميول البيلاجية. [1]
بالطبع لا يمكن اتهام ق. يوحنا كاسيان بالبيلاجية، لأنه أعلن في كتابه ”عن التجسُّد الإلهيّ ضد نسطوريوس“ أن البيلاجية هي أصل كل الشرور، وهي وراء بدعة نسطوريوس. ولكن يُبرِّر البعض موقفه بأنه تأثر بالقديس يوحنا ذهبي الفم أكثر من أوغسطينوس، أسقف هيبو، فهو لم ينس قط حث ذهبي الفم لشعبه على المثابرة والاستمرار على الجهاد الشخصيّ والعمل. حيث يقول ق. يوحنا ذهبيّ الفم إنه ليس الله ولا نعمة الله تمنع حريتنا من الاختيار. [2] كما كان ق. يوحنا كاسيان يُشجِّع رهبانه على السلوك عن طريق بذل الذات والتضحية، مما جعله غير قادر على قَبُول نظرة أوغسطينوس السلبية، الذي يبدو كما لو كان يُقلِّل من شأن الإرادة البشرية مُتأثرًا بنظرته الخاصة بالنعمة الإلهية. إنْ كان الله حقًا يفعل كل شيء لنا، فِمن أين يأتي الاستحقاق للمكافأة؟ وإنْ كُنا لن نقدر أن نفعل شيئًا بدون النعمة، فما هو موقف حريتنا؟ [3]
الخطية الأصلية عند أوغسطينوس
وراثة الخطية الأصلية ونتائجها
يرى أوغسطينوس أن الله خلق آدم في حال الحرية التي لم يكن فيه مضطرًا لأن يخطئ. وبذلك فإذا أخطأ وصل للحال الذي لم يكن ممكنًا له ألا يخطئ [الإرادة المقيَّدة بالشر]. وسقوط آدم كان خطية عظيمة. دافعها الكبرياء، والرغبة في الاستقلال عن الله، فهي أساس كل شر. لأن كل كيان الإنسان ووجوده مستمد من الله. ولكنه أراد أن يكون سيد نفسه. وأعتبر أوغسطينوس إن خطية آدم هي خطية كل الجنس البشريّ [خطية الطبيعة]. مُستندًا إلى عدة شواهد كتابية منها (رسالة بولس إلى رومية 5: 12) في الترجمة اللاتينية التي كانت متاحةً له التي تقول: الذي فيه [في آدم] أخطأ الجميع
بدلًا من ”إذ أخطأ الجميع“، والخطية الأصلية في نظر أوغسطينوس تتم بالتناسل ودافع ”الشهوة“ المصاحب للمعاشرة الجنسية. فأصبحت إرادة الإنسانية كلها تجنح للخطأ [الإرادة المقيَّدة بالشر]. مما يشمل الأطفال أيضًا، رغم أن الخطية لم تصدر فعلًا عنهم، ويتوقف خلاصهم على معموديتهم كنقطة بداية. وأعتبر أوغسطينوس بذلك البشرية ”كتلة من الخطية“ و”كتلة للهلاك“. بل إنه قال: ”إن الأطفال الذين لا يُعمَّدون يمرون في نار أبدية مع الشيطان لفترة من الزمن، وإنْ كانت أخف من النيران التي يمر فيها الأشرار الذين يضيفون لخطيتهم الموروثة خطاياهم الشخصية الفعلية“. وواضح أن هذا فتح الباب لحديث الكنيسة الكاثوليكية فيما بعد عن ليمبوس الأطفال.
الشهوة الجنسية الشريرة
يظهر فساد الطبيعة البشرية في الجهل والشهوة والموت. ويجب أن نلاحظ أن الشهوة كما عبَّر عنها أوغسطينوس تعني كل ميل للابتعاد عن الله ليجد الإنسان كفايته في الأمور المادية. ورأى أوغسطينوس أن أوضح صورة لهذا الأمر نجدها في الشهوة الجنسية. إلا أننا يجب أن نحذر من أن نقول بأن أوغسطينوس أعتبر أن الخطية الأصلية هي الشهوة الجنسية. فهو يرى أن الشهوة الجنسية نتيجة ثورة الإنسان ضد الله. ولا يملّ أوغسطينوس من التنبير على أن قسوة وسطوة الغريزة الجنسية إنما هي في كل البشر. فهو يَعتبر أن المعمودية تُزِيل جرم الخطية لكنها لا تُزِيل حقيقتها في أعضاءنا. ويرى أن المخلِّص أختار أن يُولَد من عراء ليتجنب لوثة الشهوة. وبسقوط آدم فَقَدَ الإنسان حريته [الإرادة العاجزة عن فعل الخير]. حتى أننا لا نستطيع أن نتجنب الخطية بدون نعمة الله. فحرية الإنسان لا زالت قائمةً ولكنه يختار الشر بكيفية تلقائية كحقيقة سيكولوجية [العجز التام والإرادة المقيَّدة بالشر]. [4]
مبادرة النعمة
وفي ضوء الخلفية التي أشرنا إليها عن الطبيعة البشرية يمكننا أن نتفهم رفض أوغسطينوس لتعاليم بيلاجيوس بأن دور النعمة لا يزيد عن الاستنارة التي تُعاوِن الإرادة الحرة. فقال أوغسطينوس بأن هنالك ضرورة حتمية للنعمة. فيجب أن تعمل النعمة داخل الإنسان، ويتحقَّق عملها السريّ الداخليّ بحضور الروح القدس. وتسبق النعمة كل شيء فالمبادرة دائمًا منها. ويشير أوغسطينوس أيضًا للنعمة المعاوِنة بعد أن تبدأ النعمة عملها. كما يتحدَّث عن النعمة الكافية [المانعة الوقائية]. ويُنبِّر أوغسطينوس على أن النعمة تتبعها الاستحقاقات ولا توجد استحقاقات ينال الإنسان النعمة على أساسها. ويرى أوغسطينوس أن إرادة الله القادرة على كل شيء يجعل عمل نعمته فينا نعمة لا تُقاوَم [نعمة مانعة وقائية] وعن طريق النعمة ينال المؤمن حرية حقيقية. [5]
النعمة وسبق التعيين والضمان الأبديّ
وفي ضوء كل هذا يمكننا أن نتفهم كيف عبَّر أوغسطينوس عن التعيين [الاختيار] السابق للمؤمنين. إذ يرى أوغسطينوس استنادًا لفهمه للكتاب المقدَّس أن عدد المختارين مُحدَّد منذ الأزل. ويرفض أوغسطينوس رفضًا قاطعًا فكرة التعيين [الاختيار] السابق بناءً على علم الله السابق. ويرى أن المؤمنين الحقيقيين ينالون الضمان الأبديّ [عدم هلاك المؤمن]. إلا أن أوغسطينوس استنادًا لكلمات بولس الرسول: مَن يظن أنه قائم فلينظر ألا يسقط
(1كو 10: 12)، قال إن الله في حكمته سمح بوجود ”مؤمنين غير حقيقيين“ وسط جماعة ”المؤمنين الحقيقيين“ ليكون الكل على حذر. [6]
لم تقبل الكنيسة وجهة نظر أوغسطينوس حول هذا الموضوع [أي سبق التعيين المزدوج] على الفور، لكنها رفضت البيلاجية في عدة مجامع كنسية. استمرت الكنيسة تُجادِل في مسألة الإرادة الحرة مقابل سبق التعيين لمدة مائتي عام أخرى حتى استقر الكاثوليك إلى حد ما على موقف وسطيّ. وكثيرًا ما يُدعَى هذا الموقف بـ ”النصف بيلاجية“ Semi-pelagianism، ولكن يمكن أن يُدعَى أيضًا عن حق بـ ”الموقف النصف أوغسطينيّ“. فقد رفض أتباع موقف النصف بيلاجية عقائد بيلاجيوس، لكنهم لم يقدروا أن يتبعوا أوغسطينوس إلى نهاية نتائج نظريته. لذا، فقد أنتجوا موقفًا وسطيًا. حيث قال ق. يوحنا كاسيان بأن الله عندما يرى بصيصًا من التفاعل البشريّ، يسكب نعمته فورًا على هذا الشخص. بالتالي، فإن الإرادة البشرية الحرة مهمة، ويجب على البشر أن يتفاعلوا مع الله. ومع ذلك، فالتفاعل الكامل مع دعوة الله للخلاص غير ممكن بدون نعمة الله (تُرَى النعمة هنا كقوة). وفي العصور الوسطى كان موقف النصف بيلاجية هو المقبول بشكلٍ واسعٍ، وهو الذي انعكس في نظام الأسرار، أي أن الأسرار وسائط النعمة، لأنها قوة الله لغرسه الصالح فينا. بالتالي، يمكن للبشر أن يتشاركوا مع الله في خلاصهم. وقد تبنى مارتن لوثر وجون كالفن فيما بعد وجهة نظر أوغسطينوس الأصلية، فقد رأيا أن الإنسان معتمد تمامًا على سلطان الله [الخلاص والتبرير بالنعمة فقط]. [7]
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]
