السيد رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي،
تحية طيبة، واحترامًا وتقديرًا يليق بمقامكم الكريم.
أتشرف بأن أتقدم إلى سيادتكم بهذه الرسالة بصفتي محاميًا ورجلًا تعلّم احترام القانون ودافع عنه، وباحثًا فيه، وبصفتي أيضًا رئيس لجنة حقوق الإنسان بحزب المصريين الأحرار، مدافعًا عن الحقوق والكرامة الإنسانية لكل مواطن على أرض هذا الوطن.
في قرية نزلة الجلف، مركز بني مزار، بمحافظة المنيا، وقعت أزمة طائفية على خلفية علاقة عاطفية بين طفلٍ مسيحي يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، وطفلةٍ مسلمة تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، وكلاهما –بحسب قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008– يُعتبران قاصرين، أي تحت الحماية القانونية الخاصة بالأحداث.
غير أن الأزمة خرجت عن إطارها الإنساني والقانوني، إذ قام بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالتحريض العلني ضد مسيحيي القرية، والدعوة إلى حرق منازلهم وكنائسهم وتهجيرهم، في انتهاك صارخ لأحكام المواد (171 و176 و177 و178 من قانون العقوبات المصري) التي تُجرّم التحريض على الكراهية والعنف الطائفي.
وقد ترتب على هذا التحريض تحركات عدائية من بعض الغاضبين والمتعصبين، نُفذت خلالها اعتداءات فعلية على منازل أقباط القرية وممتلكاتهم.
انتظرنا – بإيمانٍ كامل في مؤسسات الدولة– أن يكون تدخلها حاسمًا وحازمًا في مواجهة المحرضين والمعتدين، خصوصًا مع وضوح الأدلة والفيديوهات المنشورة علنًا.
لكننا فوجئنا بعرض مشين ومخالف لكل قواعد العدالة، تمثل في جلسة صلح عرفية عقدها عمدة القرية وبعض المسؤولين المحليين، أُعلنت خلالها تسوية الأزمة بإلزام الضحايا –لا الجناة– بدفع تعويضات مالية ومغادرة القرية قسرًا!
هذه الجلسة ليست سوى عار على دولة القانون، وإهانة مباشرة لمؤسسة القضاء، واعتداء على مبدأ المواطنة الذي قررته المادة (1) من الدستور المصري، كما تمثل مخالفة صريحة لما نصت عليه:
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل…(المادة ٥٣ من الدستور المصري)
سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.(المادة ٩٤ من الدستور المصري)
وعلى الصعيد الدولي، فإن ما جرى يُعد انتهاكًا لالتزامات مصر بموجب:
– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، المواد (2، 19، 20) التي تحظر التحريض على الكراهية الدينية أو العنصرية، وتُلزم الدولة بحماية جميع المواطنين دون تمييز.
– اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD)، المواد (2 و4) التي توجب على الدول الأطراف اتخاذ إجراءات فورية لمعاقبة التحريض العنصري والديني.
سيادة الرئيس،
بوصفي مواطنًا يؤمن بدولة القانون والمؤسسات، وحرصًا على أمن الجبهة الداخلية وسلامها المجتمعي، فإنني أطالب سيادتكم، استنادًا إلى المادة (139) من الدستور التي تُحمِّلكم المسؤولية عن حماية وحدة الوطن وسلامة أراضيه، وطبقًا لاختصاصاتكم الواردة في المادة (150) بشأن الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة، بما يلي:
1. إلزام النيابة العامة بفتح تحقيق رسمي وعلني في وقائع التحريض والعنف التي شهدتها قرية نزلة الجلف، وإصدار بيان رسمي لتوضيح الحقائق أمام الرأي العام، وفضح الأكاذيب المتداولة على مواقع التواصل.
2. توجيه وزارة الداخلية بملاحقة المحرضين والمتورطين في نشر خطابات الكراهية والتحريض على التهجير، داخل مصر وخارجها، طبقًا للمادتين (171) و(176) من قانون العقوبات.
3. إصدار قرار جمهوري أو تشريع عاجل بتجريم الجلسات العرفية في القضايا ذات البعد الطائفي أو التمييزي، واعتبارها مخالفة صريحة للنظام العام ولسيادة القانون.
4. تفعيل المجلس القومي لحقوق الإنسان للقيام بدوره الرقابي الميداني وإصدار تقرير مستقل عن الواقعة، ضمانًا للشفافية والمحاسبة.
5. توجيه الأجهزة الإعلامية الرسمية إلى نشر الوعي بمبادئ المواطنة والمساواة، ومواجهة الفكر المتطرف الذي يتخذ من الدين ذريعة للعنف أو الإقصاء.
سيادة الرئيس،
إن صمت الدولة على هذا النمط من الجلسات العرفية والتحريض الإلكتروني لا يُعد تسامحًا اجتماعيًا، بل تفريطًا في هيبة القانون وكرامة المواطن المصري.
وإني على يقين أن تدخلكم الحاسم في هذا الملف سيكون دفاعًا عن وحدة الوطن وعدالة مؤسساته، ورسالة قوية بأن الكرامة لا تُفرّق بين مصري وآخر.
مع خالص التقدير والاحترام،
