- الخطية الأصلية عند أوغسطين [١]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٣]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [١]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٢]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٣]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٥]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٦]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٧]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٨]
- الخطية الجدية عند ساويرس الأنطاكي [١]
- الخطية الجدية عند ساويرس الأنطاكي [٢]
- الخطية الجدية عند ساويرس اﻷنطاكي [٣]
- ☑ الخطية الجدية عند ساويرس اﻷنطاكي [٤]
نكمل الحديث عن بعض ملامح فكر ق. ساويرس الأنطاكيّ حول الخطية الجدية وآثار السقوط على الجنس البشريّ كله، من خلال كتاباته المتنوعة سواء كتب أو رسائل أو عظات ألقاها القديس نفسه في الكاتدرائية فيما يُعرف بـ”عظات المنابر“ أو ”العظات الكاتدرائية“. ونهدف في بحثنا الوقوف على أفضل تصور عن فكر ورؤية ق. ساويرس الأنطاكيّ للخطية الجدية وآثارها على الجنس البشريّ كله.
الرسالة إلى يوحنا وثيؤدور ويوحنا الكهنة والأرشمندريتين
كتب ق. ساويرس الأنطاكيّ هذه الرسالة في أثناء وجوده في مصر للرد على بدعة ظهرت في ذلك الوقت تنادي بتعاليم غنوسية ومانوية، حيث نادت بأن الخليقة المادية هي شر، ونادت أيضًا بعدم قيامة الأجساد بعد الموت، وفناء العالم والخليقة لأنهما شر وخطيئة، وقد أكَّد ق. ساويرس مستشهدًا بأقوال آباء الكنيسة على أن الخليقة المادية لن تذهب إلى فناء مطلق، بل ستتجدد نظير الإنسان، الذي سيقوم في عدم فساد. وقد كنى ق. ساويرس الشخص الذي نشر هذه التعاليم باسم ”الإسكندر“ (ألكساندر)، ربما لكونه مصريًا سكندريًا.[1]
الخليقة المادية ليست خطية
يدحض ق. ساويرس التعاليم الغنوسية والمانوية بأن الخليقة المادية ليست صالحة في حد ذاتها وأنها خطية وشريرة، وهذا لُب التعليم بوراثة الخطية الأصلية، حيث يرى هذا التعليم تلوث النفس والجسد بخطية آدم وانتقالها الطبيعيّ إليهما عن طريق التناسل والتوالد الطبيعيّ من آدم إلى نسله، لذا يدحض ق. ساويرس الأنطاكيّ هذا التعليم الفاسد قائلًا: [2]
من الممكن أن نسمع رجالًا حكماء من الخارج يقولون أيضًا: 'إن عدم الخطية على الإطلاق، وفعل كل شيء باستقامة هو من الله‘. ونرى الأسفار الإلهية أيضًا تقول عن كل شيء مخلوق:ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن، وبعد كل الأشياء سويًا التي، وإنْ جاز التعبير، دعاها وأجابت:ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا[3]. كيف بعد ذلك يقدر أيّ أحد على القول بأن الأشياء التي هي صالحة في ذاتها، كُلٌّ بمفرده، وكذلك بسبب تناغمها مع بعضها البعض، تُكوِّن عالمًا واحدًا هي خطية بالنسبة لله؟ فلو أن الأمر هكذا أنها خطية، فهي ليست صالحة، ولكن إذَا كانت صالحة فهي ليست خطيةً. أمَّا إذَا كان بسبب أنها قابلة للفساد تكون بذلك خطية، فبالأحرى كما يقول رجلٌ حكيمٌ:خلق الله كل شيء وأتى به إلى الوجود، وجعله في هذا العالم سليمًا خاليًا من السم القاتل الذي للفساد، فلا تكون الأرض مملكة الموت[4].(ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي)
آدم جلب الموت على الخليقة
يرى ق. ساويرس الأنطاكي أن آدم الإنسان الأول بعصيانه وتعديه الوصية جلب الموت على نفسه وعلى الخليقة، ولم يقل ق. ساويرس جلب الخطية الموروثة، وهكذا فقدت الخليقة نعمة عدم الموت التي كانت من الله، ولذلك حُكِمَ على الإنسان ذاته بالموت وخدمت الخليقة نفسها الفساد وخضعت للبُطْل كالتالي: [5]
ومرةً أخرى، لو أن الإنسان الأول كان قد حفظ الوصية، ولم يضل بالخطية التي بغواية الحية، لبقيتْ الخليقة ذاتها محتفظةً لنفسها بنعمة عدم الموت من الله. لأنه بموجب الحالة التي نحن فيها كما وُجِدَت من أجلنا، تزول أجزاؤها أيضًا. ولهذا السبب أيضًا حينما حُكِمَ على الإنسان ذاته بالموت، خدمتْ هي ذاتها أيضًا [الخليقة] الفساد، وأُخضِعَتْ للبُطْل[6]، كما يقول الرسول، لكنها تأمل أن تكتسب معنا، ما كان لها منذ البدء، وسيكون لها خلودًا بغير فساد، حينما نبلغ القيامة وملكوت السماوات. حيث يقول بولس ذاته الأكثر حكمةً ويصرخ أيضًا:لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ[7].(ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي)
الفساد لم يكن في خطة الله
وهكذا يؤكد ق. ساويرس على أن الله لم يخلق العالم من أجل الفساد، لأن خليقة الله جيدة. ولكن لأن طبيعتها مائعة جدًا فهي قابلة للفساد، ولذا فهي تحتاج إلى تدخل الله لكي ما تشترك في عدم الفساد كالتالي: [8]
ولكن يا صديقي الصالح، في الواقع، إن الله لم يخلق العالم لكي يفسد، لأن كل خليقة الله جيدة كما قد سمعتَ. ولكن بما أنها من طبيعة مائعة جدًا، فعلى النقيض، قد أوجدها كيما تشترك في عدم الفساد، لأنه في الواقعالْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ[9].(ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي)
شخصانية الخليقة ولعنة الإنسان
يشير ق. ساويرس إلى شخصانية أو أقنومية الخليقة، بمعنى أن الخليقة صارت مثل الشخص أو الإنسان تئن وتتمخض، ويربط بين ما حدث للإنسان بعد السقوط وما حدث للخليقة بعد سقوط الإنسان كالتالي: [10]
إذًا، هذا ما يُوضِّحه بولس الرسول هنا، فيُشخصِّن الخليقة، ويقول كيف أنها تئن وتتمخض، لأنه سمع أنينًا يخرج من الأرض ومن السماء، لكي يشير إلى خيرات الدهر الوافرة جدًا، ويُعلِن الرغبة في التخلص من الشرور التي كانت سائدةً.إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاءِ. ماذا يعني أن الخليقة أُخضِعَتْ للبُطْل؟ يعني أنها صارت فاسدة. لأيّ سبب ولماذا صارت فاسدةً؟ حدث هذا من أجلك أنت أيها الإنسان. لأنك أخذت جسدًا فانيًا وضعيفًا، ولأن الأرض قَبِلَت اللعنة، وأنبتت شوكًا وحسكًا. لكن السماء والأرض عندما تشيخ ستتحول في النهاية إلى مصير أفضل. اسمع النبي الذي يقول:اِرْفَعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ[11]. أرأيت كيف أُخضِعَت الخليقة للبُطْل؟ وكيف ستتحرر من الفساد؟.(ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي)
السقوط الكوني والتجديد الكوني
يشير ق. ساويرس مرةً أخرى إلى شخصانية (أقنومية) الخليقة، وكيف أن الخليقة نالها الشر والفساد بسبب سقوط الإنسان وفساده، ولكنه يقر بأن الخليقة مثلها مثل الإنسان ستنعتق من حالة الفساد إلى حالة عدم الفساد، وسوف تنال نعمة الخلود مثل أجساد البشر كالتالي: [12]
لأن ما حدث هو بالحقيقة من أجلي أنا. هي [الخليقة] التي عانت أو جازت البطلان من أجلي. كيف ستُظلَم إنْ كانت تلك الأمور التي عانتها هي من أجل إصلاحي؟ فضلاً عن ذلك، فإن الحديث عن الظلم والعدل، لا يجب أن تمتد إليه الأشياء الجامدة وغير الحسية. لكن لأن بولس شخصَّن الخليقة، لم يقل أيّ شيء مما ذكرته، لكنه تحوَّل إلى الحديث عن أشياء أخرى. فقد بادر إلى تقديم تعزية كبيرة جدًا للمستمع، فماذا يقول؟ هل يقول إن الخليقة نالها الشر لأجلك، وصارت فاسدةً؟ لكن الظلم لم ينلها مطلقًا، لأنها ستصير فاسدةً أيضًا لأجلك. لأن هذا هو معنى 'على الرجاء‘، لكن عندما يقول:إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، لم يقل هذا لكي يُظهِر أن لها فكر، بل لكي تعرف أن كل الأشياء مرتبطة برعاية المسيح، وأن هذا الإنجاز [العتق من الفساد] غير مرتبط بالخليقة. حسنًا أخبرني إذًا على أيّ رجاء أُخضٍعَت الخليقة؟لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ، ماذا يعني بـ'الخليقة نفسها‘؟ يعني أنها لن تكون بعد فاسدةً، بل ستتبع جمال الخلود الذي سيناله جسدك، لأنه تمامًا مثلما حدث، عندما صار جسدك فاسدًا، صارت الخليقة أيضًا فاسدةً. فطالما أنه صار غير فاسد، فسيلحق عدم الفساد بالخليقة أيضًا. هذا بالضبط ما أراد أن يُوضِّحه، لذلك أضاف:إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ.(ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي)
الله لم يخلق الفساد والعالم ليس خطيئته
يدحض ق. ساويرس غنوسية ومانوية المعترض السكندريّ، الذي يعتقد بأن العالم سيؤول إلى الفناء؛ لأنه فاسد بطبيعته، وبالتالي، ينتج عن ذلك اعتقاده بأن الله هو خالق الفساد في هذا العالم، ويرى ق. ساويرس أن من نتائج سقوط الإنسان هو فقدانه لنعمة الله، أي نعمة عدم الموت، التي كانت له في حالته الأولى قبل السقوط كالتالي: [13]
ولكن بقدر كون السكندريّ غريب وبربريّ عن الأسفار الإلهية، وليس بمعتاد على تعليم هذه الأسفار، يعتقد أن الله هو خالق الفساد، ويدعو العالم خطيئته، شيئًا له طبيعة مائعة، ولكنه مُكرَّم بنعمة عدم الفساد مع الإنسان الذي [أي العالم] أُوجِدَ من أجله. إنها لم تكن خطيئةً من الله أن المسيح أصلح إخضاع العالم أيضًا، الذي كان من أجل الإنسان، كيما يجلب عدة أشياء محل أشياء أخرى، كما يقول الرجل المخادع والفاسد، خلود الأرواح محل الأجساد التي سُلِّمَت للموت، وعدم فساد أبديّ محل فساد العالم، وفيض أعمال صالحة محل وفرة الخطية. ولكن من أجل أن يرفع الإنسان الذي سقط، وبالخطيئة فَقَدَ نعمة الله، والتي بها كان له عدم الموت، إلى حالته الأولى، وذلك بقيامة الأجساد إلى عدم الفساد، والتي بها سيُشارِك هذا العالم أيضًا الحرية والمجد، كما قد كتبنا.(ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي)
الخلاصة
لم يؤمن ق. ساويرس الأنطاكيّ، مثله مثل جميع الآباء اليونانيين في الشرق، بشيء اسمه ”وراثة الخطية الأصلية“، لأن هذا التعليم بالنسبة له هو تعليم غنوسيّ ومانويّ غير أرثوذكسيّ، طالما دأب على محاربته ودحضه في كتاباته المتنوعة وليس فقط في كتاباته ضد يوليان، أسقف هاليكارناسوس. ويدحض ق. ساويرس أيّ تعليم عن خطية الطبيعة أو طبيعة الخطية؛ الذي علَّم به أوغسطينوس خطاءً في الغرب في أثناء مواجهته للهرطقة البيلاجية، فتبنى تعليمًا مانويًا صرف يرى بأن الخطية صارت بعد سقوط آدم جزءًا من الطبيعة البشرية يتوارثها أبناء آدم من بعده. ويرى ق. ساويرس في أصل النفس أنها مخلوقة مثله مثل جميع آباء الشرق اليونانيين في عصره، ولا يؤمن بالنفس المولودة، هذا التعليم الذي استخدمه أوغسطينوس في مواجهته للهرطقة البيلاجية ليؤكد على انتقال الخطية الأصلية رأسًا من آدم إلى بنيه عن طريق النفس المولودة من آدم إلى بنيه بالتناسل والتوالد الطبيعيّ. كما يرفض ق. ساويرس أيّ تعليم عن سبق التعيين المزدوج سواء للخلاص أو للهلاك، الذي تبناه أوغسطينوس في مواجهته للهرطقة البيلاجية، بل يؤكد ق. ساويرس على امتلاك الإنسان لحرية الإرادة الكاملة ومسئوليته الكاملة عن خطاياه. وينادي ق. ساويرس بعدمية الخطية وعدم توارثها بالتناسل الطبيعي من الآباء إلى أطفالهم، ويرفض امتزاج واختلاط الخطية الأصلية بأجساد ونفوس البشر بسبب تناقلها وتوارثها عن طريق التوالد الطبيعيّ من آدم إلى آبائهم.
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]
