- الكنيسة والمسؤولية المجتمعية
- اللاهوت التنموي والعدالة الاجتماعية
- أخلاقيات التنمية
- ☑ المسؤولية المجتمعية للكنيسة
شعب الله جماعة فاعلة
كتب د. ق. فايز فارس في كتابه الأخلاق المسيحية
أن ملامح أخلاقيات الشخصية المصرية المسيحية ظلت لعقود طويلة تنحصر في:
– الحرص على البقاء
– الاعتزاز بالانتساب للدين
– تقدير التقاليد والتراث القديم
– الانغلاق الثقافي واللغوي
تلك قيم توفّر بالكاد انحسار الجماعة وتقوقعها حول نفسها حمايةً لوجودها. أما أن تكون جماعة فاعلة كما قصد الله منها، فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر للمنظومة القيمية الأخلاقية التي على الكنيسة زرعها وسط الجماعة، حيث إن الكنيسة حسب فكر الله تشير إلى شعب الله الذي خلقه على صورته والسيد الذي كان يجول يصنع خيرًا.
وشعب الله مسؤول عن التنمية الذاتية لأفراده ليكونوا على مستوى المسؤولية لخدمة البيئة في كافة المجالات. وشعب الله يتكوَّن من جماعة متحرِّكة قبل أن تكون خاضعة لنظام، فالكنيسة مدعوة للتحرُّك لخدمة العالم أجمع.
الكنيسة وتدعيم قيم جديدة تناسب العصر
يحتاج الأمر إلى إلقاء نظرة جديدة؛ إذ يرى د. ق. مكرم نجيب أهمية تحديث إطار التفكير في القيم الأخلاقية المسيحية المصرية، حتى تتمكن الكنيسة من الإسهام في صياغة قيم أخلاقية مسيحية جديدة بعيدة عن النظرة الجامدة، وفي الوقت نفسه تقوم وتؤسس على تفسير صحيح للكتاب المقدس وتعبر عن نضج فكري لاهوتي يؤمن بأن طبيعة المسيحية هي حياة الروح القدس المبدع والخلاق، والمحبة المسؤولة التي تتجاوب بوعي ومرونة مع ظروف الحياة ومواقفها المتغيرة، كما تعبر عن نظرة شاملة للمسيحية وفهم متكامل لرسالة السيد المسيح كوحدة متكاملة.
ومازال ما كتبه الراحل د. صموئيل حبيب واجب الاتباع حين قال إن على الكنيسة العمل على:
• قيمة احترام العمل.
• احترام الفكر الخلاّق والمبتكَر والبعد عن التواكلية.
• تغيير النظرة لمشروعات الخير من حيث عدم الاكتفاء بتسديد احتياج الفقراء، ولكن العمل على تنمية البشرية ككل. وبمعنى فهم معنى “القريب” كما شرحه السيد المسيح، فهو ليس فقط المسيحي، بل هو أي إنسان يحتاج العون.
• التمييز بين الخدمة الاجتماعية (Social Service) والفعل الاجتماعي (Social Action) فالخدمة الاجتماعية تخدم حاجات الإنسان والفعل الاجتماعي يرفع أسباب الفقر ويتخذ القرارات السياسية والاقتصادية ويراعي العدالة وتغيير النظم والأجهزة لصالح ذلك، وهذا يحتاج إلى أن تضيف الكنيسة لدعوتها لفكرة الخلاص الفردي من الخطية، دعوة أخرى وهي الخلاص الشامل.
• فالكنيسة لا يجب أن تتنكَّر لدورها في إقامة العدل والحق إلى جانب الخلاص، ولا يجب أن تهمل دورها تجاه المجتمع إلى جانب دورها تجاه الفرد.
• والسؤال: كيف (نزرع) القيمة في عالم متغيِّر وأفراد متنوِّعين للوصول إلى النضج الذي يؤهل لرؤية كونية إنسانية للعالم كله؟ وكيف تتكوَّن القيمة؟
يكاد يكون هناك إجماع لدى علماء الاجتماع أن القيمة مجال لمجهود يُبذل وعبَّروا عنه بالقول (زرع القيم).
1- وعي يتبلور حول وجود شيء أو فكرة أو شخص، أي الوعي بوجود قيمة ما.
2- تكوين اتجاه انفعالي مع أو ضد الشيء أو الفكرة أو الشخص، أي الميل نحو القيمة بالتالي تبنِّيها، أو النفور منها ورفضها.
3- تحوُّل الوعي والاتجاه الانفعالي من حالة عابرة إلى حالة تدوم (نسبيًا).
أي أن القيمة تتضمن وعيـًا له مظاهر ثلاثة: إدراكي، ووجداني، ونزوعي.
فما المطلوب (عمليًا) خاصة من الكنيسة لتحقيق هذا الهدف؟
لا يقتصر دور الدين على الإلهام الروحي والضبط الأخلاقي ومهاجمة بعض الظواهر ووصمها بالحرام أوما لا يليق، والمصادقة على بعض السلوكيات ووصفها بالحلال أو ما يليق.
ومما يعقِّد الأمر من ناحية الخطاب الديني والقيم الأخلاقية أن يقتصر الخطاب على شرح ما سبق شرحه أو على بديهيات يعرفها المتلقِّي، فمثلا من تحصيل حاصل القول الكذب حرام والأمانة مطلوبة وما إلى ذلك. وهذا الأسلوب لا يجدي إذا أرادت الكنيسة (زرع) القيم.
▪ زرع القيمة يحتاج إلى وعي يتبلور حول وجود شيء بشرح متكرر إلى مزايا القيمة وخسارة إهمالها ووضع أمثلة كتابية حيث يذخر الكتاب المقدس بشخصيات وأمثلة تحمل من القيم الخلاقة والمبدعة نغفل عنها عندما تقتصر الكنيسة على تعداد القيم التقليدية من طاعة وخضوع و.. الخ)
▪ زرع القيمة يحتاج اتجاه انفعالي يربط الشعب بالقيمة ويتمسك بها لأنها محببة وليس لتفادي الضرر.
▪ زرع القيمة يحتاج إلى تحوُّل الوعي إلى ثبات (نسبي) يؤثر في سلوكيات الشعب وليس تأثيرًا وقتيًا وشعوريًا.
فدور الدين يستند إلى مركزية الحضور الإلهي في التاريخ الإنساني والتفاعل في الظروف المعيشية والتطور المجتمعي.
توصيات:
أولًا: توصيات تتعلق بالجانب النظري
أ- الأخذ بمنهج التفكير العلمي، والاستفادة من العلوم الإنسانية في كل خطوة تنموية، فلم يعد العمل غير المنظم مجديًا نتيجةً نظرًا لتعقُّد وتنوعُّ مجالات الحياة.
ب-إعادة النظر في التوجُّس الحذر الشديد تجاه الأفكار الجديدة وخاصة في المجال الروحي، التي يمكن معالجة نواحي ضعفها بالتالي الاستفادة منها؛ مثال الدعوة للإنجيل الاجتماعي، إذ رأى لاهوتيو الإنجيل الاجتماعي أن ملكوت الله قائم هنا على الأرض وليس أخروي، مما أدى إلى رفض الفكرة كلها من قِبل التيار المحافظ مما ألحق بالمسمى نفسه من سوء سمعة ورفض.
جـ- توجه كتابي ولاهوتي للكنيسة ولكليات اللاهوت لإعطاء أهمية جادة ومؤثِّرة لغرس مفهوم التنمية وخاصة أن الكتاب المقدس بعهديه يتميَّز بالثراء والغنى في هذا المجال لكن الاكتفاء بالقراءة البسيطة يغيِّب الكثير من المعاني.
د-قراءة لاهوتية جديدة سواء بالاستعانة بما يتوافر في المكتبة العربية أو لللاهوتيين الذين أعطوا اهتمامهم للمجال التنموي سواء في الكتابات العربية أو الأجنبية.
هـ- تشغيل الطاقات الموجودة داخل الكنيسة من متخصصين في عدة مجالات تخص التنمية (أخصائيون اجتماعيون – أساتذة ومدربين في مجال التنمية- كتاب ومنظرين) ومن المفارقات انهم يمارسون تخصصاتهم تلك خارج الكنيسة باعتبار مهاهم الوظيفية بينما لا تلتفت الكنيسة إلى أهمية دورهم داخلها.
ثانيًا: توصيات تتعلق بالجانب العملي
أ- قدمنا إجابة عن المقصود بالفقر، والآن يثور سؤال آخر من الفقراء في العصر الحالي وسط المتغيرات التي ربما يمكن وصفها بأنها غير محسوبة وخاصة الجانب الاقتصادي الذي يمثل المحور الذي تدور حوله ظروف الجماعة، فماذا عن فئات تغيَّرت ظروفها نتيجة الحراك الاجتماعي الصاعد والهابط وغير المحسوب تحت ضغط العوامل الاقتصادية؟ وما مدى احتياج تلك الفئات إلى ضمها إلى البرامج التنموية بتنوعاتها المختلفة؟ وكيفية التعامل معها؟
ب- كما وأن تنوُع وتباين الجماعة لابد من أخذه في الاعتبار عند التفكير في برامج تنموية وأسلوب تنفيذها (ريف- حضر- أحياء شعبية- أحياء عشوائية)
جـ- تتجه الكنائس إلى إعداد برامج ومناهج للاجتماعات الفرعية بالكنيسة (مثال مجلس التربية المسيحية بالسنودس: ابتدائي- إعدادي- ثانوي- شباب) ومن المفيد أن تتضمن تلك المناهج على ما يغرس (ويزرع) القيم الأخلاقية والاجتماعية والتنموية.
د- تضمين الوعظ في الاجتماعات الفرعية للقيم الأخلاقية والتنموية.
هـ- إن كان ولابد من وجود اجتماعات أخوة الرب، فلتضف إلى نشاطها غرس قِيم العدالة، رفض الظلم، ترشيد الاستهلاك، احترام الآخرين، نبذ التفرقة العنصرية، احترام العمل، مكانة المرأة، صيانة البيئة، التفاؤل، العقلانية، تعليم المرأة، تقدير الذات، تقدير العلم، نبذ العنف، إدارة الوقت، تحقيق الذات، الصالح العام، تقدير الإبداع، الانفتاح على الثقافات، النظام والترتيب، التخطيط، الحرية، الاعتراف بالخطأ.
و-الاستفادة من زيارات قادة الكنيسة والشعب إلى كنائس الغرب ومفهومها عن التنمية، كاستفادة من النظرة إلى التطوع والالتزام المطلوب من المتطوعين، وحيث ينصب اهتمام الكنائس لا على فخامة المباني أو اتساعها، اللهم إلا بما هو مطلوب لتوفير خدمات تنموية مدروسة ومنظمة تشمل الكنيسة وتخرج خارج أسوارها إلى المجتمع المحيط بها.