أحد مدّعي حماية وحراسة الإيمان طرح فكرة هزلية في إجابته عن تساؤل: “لماذا خلق الله الأعضاء التناسلية إن لم تستخدم قبل السقوط؟” وفي إجابته لم يكشف للمتابع البسيط فكرة: هل كانوا سيمارسون الجنس في جنة عدن لو لم يحدث السقوط؟ وما طبيعة العلاقة حينئذٍ لو كانت محل خلاف بين آباء الكنيسة الأوائل أنفسهم، وذلك ربما لعدم وجود نص كتابي واضح يقطع الشك باليقين.
فمثلًا القديس أوغسطينوس، أسقف هيبو (ابن الدموع) قال إن الجنس كان سيتم فعليًا لكن دون وجود شهوة. وصرّح بوضوح أنه لو لم يحدث السقوط، لكان من الممكن ممارسة العلاقة الجنسية في الجنة، لكن بدون شهوة أو اضطراب، بل بقيادة الإرادة والعقل، وتحت سلطان الروح [1].
كان يمكن أن يكون هناك اتحاد زوجي وواجب إنجاب الأطفال بدون أي شهوة مخجلة، لو لم يخطئ الإنسان، بل كان سيطيع الله.(أوغسطين، مدينة الله)
في الجنة كان من الممكن أن يكون هناك جماع زوجي دون شهوة، وذرية دون ألم، ودون تدنيس الرغبة الشهوانية.(أوغسطين، مدينة الله)
والقديس غريغوريوس النيسي قال إن التكاثر كان سيتم بطريقة أخرى غير جنسية. حيث يرى أن التكاثر كان سيتم بطريقة روحية مختلفة لو لم يحدث السقوط، دون حاجة للعلاقة الجسدية المعتادة، ويناقش أن التكاثر الجسدي ارتبط بالوضع الساقط للإنسان [2].
لأنه لم يكن في فكر الله منذ البداية أن يكون التناسل جنسيًا، بل كان يجب أن يتم تكاثر الجنس البشري بطريقة أخرى.)غريغوريوس النيسي، في عمل الإنسان)
بينما القديس يوحنا ذهبي الفم أقر حدوث الزواج في الجنة قبل السقوط، لكنه لم يوضح طريقة التكاثر بوضوح، ، بل ركّز على كون الزواج نفسه ليس بسبب الخطية بل بسبب نعمة الله [3].
لقد أُعطي الزواج في الفردوس، ولم يُمنع بعد السقوط. لأن الزواج نفسه ليس شرًا، بل الشر هو الخطية التي قد تُرتكب فيه.(يوحنا ذهبي الفم، عظات على كولوسي)
أما القديس إيرينيئوس، فلم يصرّح بشكل مباشر عن إمكانية العلاقة الجسدية في الجنة قبل السقوط، لكنه يوضح أن الزواج ذاته صالح، وأن الله خلقهم ليكونوا مثمرين، ولكن لم يوضح الطريقة التي كان سيتم بها هذا قبل السقوط [4].
إن الزواج حقًا شيء صالح، وإنجاب الأطفال أيضًا صالح؛ لأن الله خلق آدم وحواء لهذا الغرض.(إيرينيئوس، ضد الهرطقات)
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كل الإجابات في المسائل الجدلية غير المحسومة حتى لو كانت لآباء الكنيسة المعتبرين تكون إجابة حاسمة نهائية، بغض النظر عن تطور مفهومنا للعلوم الإنسانية والعلاقات؟
أيضًا، طُرح تساؤل: لماذا خلق الله الأعضاء التناسلية إن لم تستخدم قبل السقوط؟
إجابته محسومة من وجهة نظري:
– لأن بعلم الله السابق كان يعلم بسقوط الإنسان وخروجه من جنة عدن.
– لأن الله يخلق كل شيئ كامل وطاهر (للطاهرين)
ولكن التساؤل الأكثر لغطًا: هل كان سيتم ممارسة الجنس والتكاثر في الجنة إن لم يسقط الإنسان؟
وعلى الرغم أن السؤال جدلي بحت لأن السقوط حدث فعلًا، ولأن الله بعلمه السابق كان يعلم بسقوط الإنسان قبل أن يسقط، ولأنه لا يوجد نص واضح يؤكد أو ينفي إمكانية حدوث ذلك، كذلك آراء الآباء الأولين غير محسومة وغير جازمة أو قاطعة… إلا أن السؤال بهذه الطريقة قد يسيء لفكرة قداسة الزواج نفسه بل ويشوهه ومن المحتمل أن يكون هذا التساؤل ينم عن فكر غنوصي يُحقر من الجسد والجنس والزواج في إطاره المقدس…
لذلك بدلا من أطرح إجابتي بطريقة مباشرة، سأطرح عدة أسئلة، والعاقل يعقل الأمر:
– هل الجنس في إطار الزواج مقدس أم خطية؟
– هل لم يمارس آدم وحواء الجنس لأنهم كانوا في محضر الله القدوس ومن العيب فعل هذا أمامه؟ وماذا بعد الخروج من الجنة؟ هل تم الزواج بعيدًا عن محضر الله؟
– ما معنى الجنس دون شهوة، وما تعريف الشهوة، وهل كل شهوة خطية؟
– هل خلق الله الجنس في الإنسان من أجل التكاثر فقط؟ أم أن الله أراد أن يستمتع الإنسان في قداسة الجنس المقدس [موضوع محل خلاف بين الكثيرين].
– أحد الآباء شبه فراش الزوجين بفراش مذبح الإفخارستيا [هناك جدل حول المقولة وصاحبها].
– ما معنى فكرة طرح التكاثر بطريقة غير جنسية، هل سيتكاثر الإنسان عن طريق التلقيح الزهري مثلًا؟ [فكرة عبثية على الرغم أن القديس غريغوريوس كان متبنيها]
– هل الجنس والشهوة كان عقوبة نتيجة السقوط؟ هل يعقل أن تكون العقوبة ممتعة ومرغوب فيها.
إن مجرد طرح الفكرة في عصرنا الحالي، وفي ظل التطور السريع والمتسارع في نفس الوقت يدل على عقم فكري شديد، ونجاسة قلب، ودونية وتحقير للجسد، وتشويه عميق لسر الزيجة المقدس، ويحضرني في هذا الموقف حلم بطرس الرسول (ما طهره الله لا تنجسه أنت) مع الفارق طبعًا.
أعتقد على الكنيسة وآبائها الأمناء في عصر الفضاء المفتوح وإحصائيات مسجلة تشير إلى أن طفل من بين كل ٤ أطفال عمرهم بين (٥ سنوات – ١٥ سنة) يشاهد المواقع الإباحية، غير إحصائيات المراهقين بل والمتزوجين أيضًا، بدلًا من تحقير الجنس والعلاقات الزوجية في إطارها المقدس، عليهم أن يعلموا بإنسانية العلاقة وتقديسها والنظر إليها بنظرة مقدسة بدلا من تشيئ الإنسان وتحقير العلاقات المقدسة.
يا أحبائي، إن الجسد مقدس، والجنس في إطار الزواج مقدس، ولنساعد أبناءنا على تقدير قدسية الزواج بدلًا من الوقوع في تشييء الجسد، ولنفرّق بين الشهوة الساقطة والرغبة المقدسة.