- أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصَّلب
- إنجيل برنابا
- إنجيل يهوذا
- رؤيا بطرس
- أعمال يوحنا
- العظة الثانية لشيث العظيم
- رسالة بطرس إلى فيلبس
- باسيليدس السكندري الغنوصي
- ☑ إنجيل مرقيون السينوبي
بعد أن ناقشنا باسيليدس، سنرى الآن شخصًا آخر يُدَّعي أنه أنكر الصَّلب، والمدَّعي يصيغ ادعاءه كالتالي:
1. مرقيون وُلد سنة 120.
2. مرقيون عاصر بوليكاربوس وتكلم عنه يوستين الشهيد وترتليان وأثناسيوس الرسولي.
3. تبعه الكثيرون في روما.
4. كان واحدًا من الذين حاربتهم الكنيسة لاعتقاده بنجاة المسيح من الصلب.
وما يهمُّنا منهم هو النقطة الرابعة، والتي سنرى منها أنَّ الذي يدَّعي هذا الادعاء مثل الغريق الذي يتعلَّق بقشَّة، لأنَّ أيَّ أحدٍ قرأ عن مرقيون سيعرف أنَّ مشكلته كانت شيئًا آخرَ خالصًا غير قصَّة الشَّبيه أو نجاة المسيح.
عادةً، يستدل المدعي بكتاب چون لوريمر تاريخ الكنيسة: عصر الآباء من القرن الأول وحتى السادس
[1]. غالبًا ما يظن المدعي أن چون لوريمر رجل أجنبي وصاحب سلطة أو أكاديمي ثقيل، ولكن للأسف، هذا الكتاب محلي الصنع وصدر عن كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، وهو ليس ذو قيمة علمية أو تاريخية على الإطلاق.
إن أردت الرجوع إلى متخصص، فعندك، على سبيل المثال، ديڤيد ليتوا، وهو متخصص في العهد الجديد والغَنُوصيَّة. وستجد له مقالًا على موقعه [2] يقول فيه:
الآن، ينبغي أن أكون واضحًا: مارسيون كان مسيحيًا، تابعًا وعابدًا للمسيح. هو نفسه لم يعتقد أن الإنسان يسوع كان أسطورة. لم يُنكر أن صلبًا حقيقيًا قد حدث، ولا العشاء الأخير، أو قيامة حقيقية. ولكن المادة التي أُضيفت إلى إنجيل مارسيون −كل ما يُسمى بالنبوءات وقصص الميلاد وسلاسل الأنساب− هي أسطورة بالكامل.(ديڤيد ليتوا، مرقيون: أفضل دليل على الأساطير القديمة)
المادة التي يقصدها ليتوا هنا هي الأجزاء التي اتهم مرقيون بأن كنيسة روما أضافتها، واتهمته كنيسة روما بحذفها، كما سنرى في هذا المقال.
هذا الفصل كان من الممكن أن يُغلق هنا وينتهي الأمر، لأن المُدَّعي يختصر ويقتبس فحسب، ولم يصدّق أنّه وجد كتابًا يحوي ما يريده في البحث، فاعتبر الأمر منتهيًا. واتضح أن كلامه مجرد كلام فارغ. المشكلة أنه حتى عندما نقل كلام چون لوريمر، زاد عليه وقال أن الكنيسة اضطهدت مرقيون لأنه علّم بنجاة المسيح، أي أنه حتى في النقل غير أمين. لكن ليكون الموضوع مفيدًا، سأكمل الكلام عن مرقيون، ونرى ما تقوله المراجع المتخصصة عنه وعن خلافه مع الكنيسة، وعن محاولات الباحثين لإعادة تكوين إنجيله المفقود… لنبدأ من البداية.
مرقيون كان من عائلة غنية من مدينة سينوب (Sinope)، وهي مدينة مطلة على البحر الأسود، وتقع في آسيا الصغرى أو ما يسمى حاليًا تركيا. كان يعمل في شيء مرتبط بالبحر [3]. يقول ترتليان إنه كان بنّاء سفن (ναύκληρος)، ويقول رودو، تلميذ تاتيان السوري، إن مرقيون كان بحارًا (ναύτης) [4].
دليل آخر على أنه من عائلة غنية، أنه تبرع لكنيسة روما بحوالي 200,000 سسترس [الـ sesterces يعادل ربع ديناريوس]، وهو ما كان يعادل ثمن بيت في روما. وُلد مرقيون ما بين 100-110 (بحد أقصى 120م) وعاش إلى بداية النصف الثاني من القرن الثاني، وغالبًا مات حوالي سنة 160م، قبل بداية حكم ماركوس أوريليوس [5].
مرقيون كان لديه كتابان: الكتاب الأول اسمه ΕΥΑΓΓΕΛΙΟΝ أو الإنجيل (بصيغة المفرد، أي بدون κατὰ
أو بحسب فلان
)، وكان معه جزء من رسائل بولس في كتاب اسمه ΑΠΟΣΤΟΛΙΚΟΝ، الأبوستوليكون [6].
الرسائل التي كان يعتبرها صحيحة النسب لبولس هي غلاطية، وكورنثوس الأولى والثانية، ورومية، وتسالونيكي الأولى والثانية، وأفسس (أو رسالة لاوديكية)، وكولوسي، وفيليبي، وفليمون [7]، [8].
إلى وقت أدولف فون هارناك، كان الرأي الأكاديمي متوافقًا مع الرأي الكنسي، وهو أن مرقيون اقتطع أجزاءً من إنجيل لوقا ورسائل بولس وصنع “قانونًا” للعهد الجديد من خلال إخلاء النصوص المذكورة من أي محتوى يمتّ للعهد القديم بصلة. ولكن مؤخرًا، أصبح هناك توجه في الأوساط الأكاديمية لمراجعة هذه الفكرة، ويرى بعض الباحثين أن إنجيل لوقا وقائمة رسائل بولس هي نسخة مطولة من النصوص التي كانت مع مرقيون.
أياً كان، الخلاف الذي كان بين مرقيون والكنيسة لم يكن له أي علاقة بموضوع الصَّلب. فمرقيون لم ينكر الصَّلب والموت والقيامة، كما قال ليتوا، وكما سنرى آراء أخرى لمتخصصين في مرقيون. بل كان الخلاف حول أفكار أخرى خاصة بلاهوت مرقيون، والأهم هو الخلاف حول إنجيل لوقا ورسائل بولس. قال مرقيون: “أنتم معكم نسخة أطول من إنجيل لوقا”. فردوا عليه: “أنت الذي قصصت الإنجيل الذي معك وحذفت منه الإشارات المرتبطة باليهودية”.
قد تقول: “ما المارسيونيون قالوا هذا في القرن الثالث والرابع”. وسأقول لك ببساطة: مرقيون ليس هو المارسيونية، ومرقيون ليس هو المارسيونيين. المارسيونية استمرت بعد موت مرقيون، واختلطت بتيارات مختلفة من الغنوصية، لكن الذي يهمنا هو الشخص الذي عاش قريبًا من القرن الأول ومؤسس الحركة نفسها.
لكي نركز في موضوع علاقة مرقيون بصلب وموت يسوع على الصليب، سنتجاهل تفاصيل معتقد مرقيون الآن، وسنركز على محتوى إنجيله.
هناك أكثر من إعادة بناء لإنجيل مرقيون. لنذكر على سبيل المثال لا الحصر ثلاثة من أهم الباحثين في الموضوع، وهم: ديتر روث، چوديث ليو، وماتياس كلينجهارت (وقد يكون ماركوس ڤينسنت أيضًا قدّم إعادة بناء، ولكنني لم أتمكن من الوصول إليه بعد، وإذا تمكنت سأضيفه).
ستجد إعادة بناء ديتر روث لإنجيل مرقيون في كتابه The Text of Marcion's Gospel
، [نصّ إنجيل مرقيون
]، وستجد الجزء الخاص بالصلب في الصفحة 410 [9]. أما إعادة بناء چوديث ليو، فستجدها في كتابها Marcion and the Making of a Heretic
، [مرقيون وصناعة الهرطقة
]، وستجد جزء الصلب والقيامة في الصفحة 216 [10]. أما إعادة البناء الثالثة، ففي كتاب ماتياس كلينجهارت The Oldest Gospel and the Formation of the Canonical Gospels
، [الإنجيل الأوّل وتكوين الأناجيل القانونية
]، وستجد الصلب وموت يسوع في الصفحة 1194 [11].
المتخصصين لا يقولون إن مرقيون ينكر الصلب. بل على العكس، كان لدى مرقيون فقرات الصلب في إنجيله، وحتى عندما اتهمته كنيسة روما بحذف فقرات من إنجيل لوقا، لم يكن الصلب من ضمنها. كانت هناك نصوص محيطة بالصلب، مثل أن يسوع صُلب كملك لليهود، والأجزاء التي تشير إلى نبوءات ونصوص العهد القديم، لكن الصلب نفسه لم يكن مشكلة بالنسبة لمرقيون.
ختامًا، يقول چيسون ديڤيد بيدون في كتابه المذكور آنفًا:
بالرغم من الأفكار المنسوبة إلى مارسيون في كتابات الآباء، مثل الدوسيتية وغيره، إلا أن رواية الصّلب والقيامة هي رواية تقليدية في إنجيل مارسيون. نجد إشارات ليسوع عن موته، وعن جسده ودمه، وعن آلامه.
إن ما نراه في إنجيل مارسيون يختلف عن التحريرات التي ينسبها الآباء لمارسيون.(چيسون ديڤيد بيدون، أول ‘عهد جديد')
والفكرة هنا أنه يريد أن يقول إن التصور الذي نسبه الآباء لمرقيون ليس دقيقًا، بدليل أن هناك أشياء في إنجيل مرقيون تخالف ما ينسبونه إليه [12].
أيضًا، سباستيان مول في كتابه الذي تكلمنا عنه منذ قليل يقول إن موت يسوع على الصليب كان شديد الأهمية لمرقيون، ويقول إن بوليكاربوس، عندما كان يلمح إلى إنكار مرقيون للصليب، إما كان يتهم مرقيون، أو أنه لم يكن يعرف فكر مرقيون بخصوص الصليب جيدًا، أو أنه كان يفترض أن إنكار جسد يسوع بالضرورة معناه إنكار الصليب. ويعلق سباستيان مول إنه حتى القيامة لم ينكرها مرقيون [13].
نقطة أخيرة: عندما علّق جيسون بيدون عن الأبوستوليكون، قال إن محتوى نسخة مرقيون من رسالتي كورنثوس الأولى والثانية، ورسالتي تسالونيكي الأولى والثانية، ورسالة أفسس، ورسالة فيليبي، متطابق مع النسخ المعروفة لدينا (قال بالنص: identical versions – نسخ متطابقة
) [14].
وكل هذا يعني أن كل الإشارات عن موت المسيح وصلبه وقيامته كانت موجودة عند مرقيون. بعبارة أخرى، لم ينكر مرقيون الصلب ولا شيء منه، ونقول للمدّعي: لا تنقل عن غير المتخصصين.