مع كل مرة يموت شخص أو مجموعة من البشر سواء في مصر أو خارجها نجد نفس قطيع “الزومبي” الذين نحيا معهم في نفس ذات البقعة من الكوكب، يمارسون نوع من العهر ﻻ يليق بجلال ومهابة الموت، بجهاد “الهاها”، على اﻷخبار المتداولة عن رحيل هذا الشخص أو بالتعليقات السخيفة التي تمنع الترحم على من رحل باعتباره كافر أو مهرطق ﻻ ينتمي لنفس قبيلتهم.
ويبدو أن هذا النوع من التطرف يستوي فيه المصريين؛ مسلمين ومسيحيين، وهذا ليس من سبيل التوازن، فما حدث ضد النجم المصري محمد صلاح
من مزايدات لنعيه صديقه في نادي ليڤرپول ديجو چوتا
الذي توفى وشقيقه في حادث سير بإسبانيا، حدث مثيله كما نسخة بالكربون وقت رحيل البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، ويبدو أن هناك من يدعم ويستثمر ويستفيد من قطيع الزومبي هذا، ويداعب خياﻻتهم وثقافتهم المريضة.
مزايدات رخيصة تعرض لها صلاح ﻷنه نعى صديقه، سواء بجهاد “الهاها”، أو بتعليقات سخيفة تزايد عليه، بأنه لم يفعل ذلك ﻷجل غزة، وكأن صلاح أو أي شخص آخر في يده نجاة سكان غزة ويرفض أن يفعل ذلك، نفس قطيع الزومبي المتطرف من المصريين المسلمين والمسيحيين اتفقوا على ممارسة النطاعة واﻻنحطاط وقت رحيل بابا الفاتيكان، فالمتطرفون هنا يرون فيه مسيحي ومصيره جهنم، في حين المتطرفون اﻵخرين يرون فيه كاثوليكي مهرطق، ﻻ يتبع الإيمان القويم للكنيسة القبطية ومصيره النار أيضًا.
يتصل بهذا الموضوع بصورة أو أخرى، ما تم تداوله بعد وفاة مطرب المهرجانات أحمد عامر، وطلب زملائه بمحو كل أغانيه من كافة المنصات وعدم إذاعتها مرة أخرى، حتى ﻻ يتعذب في قبره وفق عقلياتهم، ثم خرج أكثر من مغني شعبي ومهرجانات، يطالب بمحو أغانيه، بعد مماته [1]، وسأل منتقديهم على هذه التصرفات أسئلة مهمة: لماذا هم ناقمون على الفن والغناء رغم أنه سبب شهرتهم وترقيهم اجتماعيًا واقتصاديًا بتحقيق ثروات كبيرة؟ ولماذا يريدون محوها بعد موتهم؟ فإذا كانوا لا يقدرون الفن فليعيدوا اﻷموال التي حصلوا عليها من الفن ويعتزلون وهم أحياء.
يبدو من هذه اﻻتجاهات أن المناخ العام في مصر يسيطر عليه إحساس غير حقيقي باﻻستحقاقية، عند قطيع الزومبي الذين يرون أنفسهم شعب الله المختار، وخير أمة، ومستوى القيم واﻷخلاق في تدني مستمر، وفي نفس الوقت يشعر الغالبية بأن هناك صورة ما مثالية يجب أن يكون الجميع عليها، والجميع يشعر بالذنب بأنه ﻻ يعيش وفق تلك الصورة المتخيلة.
يشترك في ترسيخ الإحساس الزائف باﻻستحقاقية، والشعور بالذنب لدى قطاع واسع من المصريين، الخطاب الديني سواء المسيحي أو اﻹسلامي. ورغم الفارق بين الديانتين لكن يمكن أن نجد نِقَاط مشتركة في الخطاب الديني اﻹسلامي والمسيحي فلدينا خطاب يتحدث عن ماضي ولّى وفات ولن يعود. خطاب تبكيتي على الواقع السيئ ويرى أن سببه اﻻبتعاد عن صحيح الدين، كذلك خطاب انعزالي ينظر للخلف ﻻ للحاضر ومحاولة التعاطي مع تحدياته وﻻ يفكر في المستقبل، إضافة لخطاب عدواني تجاه اﻵخر من اﻷغلبية، وخطاب انسحابي من اﻷقلية.
ويشترك معهم منظومة تعليم فاسدة وساذجة، تساهم في بناء وعي خرافي ﻻ وعي ناقد، وكم من حملة شهادات عليا في مصر ﻻ يعرفون الكتابة والقراءة جيدًا، ولنا في الواقعة اﻷخيرة، حيث حاول أولياء أمور التعدي على معلمة رفضت السماح بالغش في اﻻمتحانات، دليل على انهيار منظومة التعليم [2].
ويبدو أنه ﻻ توجد إرادة سياسية ﻹصلاح التعليم، فوزير التعليم الحالي عليه كثير من علامات اﻻستفهام، وهناك غضب شعبي تجاهه من وقت تعيينه، وتطوير التعليم بالنسبة له هو إضافة مادة الدين للمجموع الكلي، في مجتمع يُديّن كل شيء ويتعامل مع الدين بمنطق قبلي، وكان هذا جزء من الاعتداء على المعلمة التي رفضت السماح بالغش لكونها مسيحية.
مجتمعنا يحتقر العلم والثقافة، والتفكير النقدي ليس له مكان أمام التفكير الخرافي، وأكبر مُعبر عما وصلنا إليه هو تعليق أحد اﻷشخاص على منشور صلاح الذي ينعي فيه چوتا: كيف لناس أن تضحك على منشور نعي وعزاء
.
إذا استمر وضع منظومة التعليم على ما هي عليه دون إرادة حقيقية لوضع العلم في مكانته التي تساهم في تقدم ونمو الدول والشعوب، فإن سوس الخرافة والجهل سيظل ينخر في جسد هذا المجتمع إلى أن يتحلل ويفنى، بل ويكون سهل تدميره ذاتيًا دون أي محاولات خارجية.
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.